بين وقف الحرب ونزع سلاح "حماس".. هل ينجح مقترح ترامب في إنهاء نزيف غزة؟

الكرة الآن في ملعب أمريكا وإسرائيل، هكذا عبّر المحللون عما سيحدث في قطاع غزة بعد قبول حركة حماس بنود مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المكوّن من 20 بندًا لوقف الحرب في غزة. ومع ذلك، فإن الحركة أغفلت بعض البنود التي يتعيّن التفاوض بشأنها، مثل نزع السلاح من الحركة والخروج من القطاع.

هذا الأمر يفتح الباب أمام حماس لاستغلال الفرص لوضع الاحتلال مرة أخرى على طاولة المفاوضات. لكن يبقى التساؤل: هل ستتوقف إراقة الدماء في القطاع وتبدأ المفاوضات، أم ستخالف إسرائيل الاتفاق كما حدث في كل مرة سابقة؟

رد ذكي للحركة

قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، إن رد حماس على بنود المقترح الأمريكي، الذي يتضمن 20 بندًا لوقف الحرب بقطاع غزة، كان ردًا ذكيًا يتماشى مع مقترحات الوسطاء، حيث أعلنت الحركة تسليم ردها على المقترح، مؤكدة موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين وتسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط).

وأوضحت "حماس" أن موافقتها تشمل الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال أحياءً وجثامين وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح ترامب، مؤكدة استعدادها لدخول مفاوضات فورية عبر الوسطاء لمناقشة تفاصيل ذلك.

وقال الرقب في تصريحات خاصة لـ"تليجراف مصر" إن قبول حماس إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين كان خطوة ذكية، لأنها بذلك وضعت أمريكا وإسرائيل على طاولة المفاوضات، وجعلت الكرة في ملعب الأمريكيين، فإذا وافقوا ستكون هناك مفاوضات.

ما الخطوات الآتية؟

وأشار الرقب إلى أن الوضع على الأرض لم يتغير حتى الآن، إذ يواصل الاحتلال قصف القطاع، فيما تنتظر حماس الرد الأمريكي لتجهيز موقفها. 

وقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يجري مشاورات مع مستشاريه لصياغة رد على موقف الحركة.

وأوضح الرقب أن ما سيحدث بعد موافقة حماس هو إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار في القطاع، مبينًا أن الحركة وافقت على هذا البند، كما وافقت على بدء المفاوضات التي ستتطرق لاحقًا إلى آليات الانسحاب وترتيبات الأمن، على أن تُدار غزة عبر لجنة تكنوقراط فلسطينية، بما يتماشى مع مقررات القمة العربية غير العادية في القاهرة مارس الماضي.

وأضاف أن رد حماس يوم الجمعة، قبل انتهاء المهلة المحددة لها الأحد المقبل، كان متوقعًا، مشيرًا إلى أنه "رد رمادي"، حيث إن الحركة وإن نُزعت أسلحتها فلن تغادر القطاع لأن عناصرها مواطنون فلسطينيون.

مخاوف من الفراغ الأمني

وأكد الرقب أن الخطة الأمريكية لا توفر حلولًا سياسية شاملة، بل تركز فقط على الجوانب الأمنية. 

وأوضح أن حماس أصرت منذ البداية على ضرورة وجود ترتيبات أمنية واضحة لتجنب الفراغ الأمني المحتمل، وهو ما قد يستغله الاحتلال لإحداث فوضى داخل غزة.

وأضاف أن إسرائيل تسعى لخلق حالة من الفوضى قد تدفع نحو حرب أهلية، مشيرًا إلى ما حدث في اشتباك حماس مع عائلة المجايدة، متوقعًا أنه في حال خرجت الحركة من القطاع ستتجه إلى إيران.

بيئة طاردة للسكان

وتابع الرقب أن غزة باتت بيئة طاردة لسكانها، حيث من المرجح أن يغادر نصف السكان طواعية، لكن لا توجد أماكن لإيوائهم، وهو ما سعى إليه الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023. 

وأشار إلى تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسي في بداية الحرب من أن جعل المجتمع غير قابل للحياة سيدفع سكانه إلى النزوح الطوعي.

وأوضح أن إعادة إعمار القطاع ستكون بدعم عربي، مبينًا أن ترامب شكّل "المجلس الأعلى للسلام" وأكد أن الاعتماد سيكون على أموال العرب، وليس بدعم أمريكي أو أوروبي، مشيرًا إلى أن المبالغ المطلوبة لإعادة الإعمار تتجاوز 60 مليار دولار.

الشيطان يكمن في التفاصيل

من جانبه، قال خبير العلاقات الدولية، الدكتور طارق البرديسي، إن خطة ترامب حظيت بترحيب واسع لإرساء السلام، موضحًا أن الأولوية الراهنة تتمثل في وقف نزيف الدم وعودة الاستقرار وإدخال المساعدات إلى القطاع، معتبرًا أن إيران قد تكون الدولة الوحيدة التي لم يرق لها هذا القبول.

وأضاف البرديسي لـ"تليجراف مصر" أن بنود خطة ترامب مليئة بالثغرات ولا توفر ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار، مستشهدًا بقول أحد قيادات حماس إن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، حيث إن البنود غامضة وتحتاج إلى مزيد من التفاوض.

وأشار إلى أن قبول حماس لشروط ترامب جاء نتيجة محدودية الخيارات أمامها، إذ كانت أولويتها وقف المجزرة المستمرة في غزة، مبينًا أن اهتمام الحركة انصب على الحاضر ووقف إطلاق النار، أكثر من التفكير في "اليوم التالي" لما بعد الحرب.

استئناف نتنياهو للحرب

وختم البرديسي بأن من المتوقع أن يستأنف نتنياهو العمليات العسكرية في القطاع ويخالف التزاماته بالخطة كما حدث في مرات سابقة، لغياب أي ضمانات. 

وأوضح أن حماس اضطرت للموافقة على الخطة لتجنب مزيد من إراقة الدماء، مضيفًا أن رفضها كان سيجلب عواقب وخيمة على الحركة والقطاع.

وأكد أن نزع سلاح حماس لن يتم إلا بخروج إسرائيل الكامل من قطاع غزة، مشيرًا إلى أن بيان الحركة الأخير لم يتضمن أي إشارة صريحة إلى "نزع السلاح".