الجمعة، 10 أكتوبر 2025

06:17 ص

"مفيش فايدة".. كيف تحوّلت نبوءة سعد زغلول إلى واقع داخل الوفد؟

حزب الوفد

حزب الوفد

على مدار أكثر من قرن، ظل حزب الوفد، رمزًا راسخًا في الحياة السياسية المصرية، يحمل في طياته إرث الزعيم التاريخي سعد زغلول، لكن، وبنفس القدر من الرمزية، كان الحزب ساحة مفتوحة للصراعات والانقسامات التي لم تهدأ، وكأنها تعبير دائم على المقولة الشهيرة لسعد زغلول "مفيش فايدة".

ومنذ تأسيسه في عام 1918، مرّ حزب الوفد بمحطات من التألق والانكسار، تخللتها انشقاقات وفضائح سياسية، ألقت بظلالها على وحدة الحزب وأضعفت تأثيره، لتتجدد التساؤلات في كل أزمة: هل فقد الوفد بوصلة الإرث الذي تركه مؤسسه.

الخلاف الأول بين سعد زغلول وعدلي يكن

شهد الحزب، أول وأكبر انقسام في تاريخه، عندما وقع الخلاف بين مؤسسه سعد زغلول وعدلي يكن عام 1921، أحد أبرز رجاله، حول أسلوب التفاوض مع البريطانيين.

وأصرّ زغلول، على موقف صارم يرفض التفاوض دون شروط تضمن الاستقلال، بينما اعتبر عدلي، أن الوفد لا يمكنه فرض شروطه بالكامل.

الانقسام أدى إلى تأسيس حزب الأحرار الدستوريين عام 1922، ليصبح منافسًا قويًا للوفد ويبدأ أول سلسلة انشطارات داخل الحزب. 

عبدالرحمن فهمي وأزمة العمل السري

دخل الوفد أزمة جديدة خلال عامي 1925 و1926، بسبب التوتر بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي، أحد رموز المقاومة السرية ضد الاحتلال. رأى فهمي أن الانشقاق مع عدلي يكن، عطل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وازدادت حدة الأزمة بعد تراشق إعلامي بينه وبين مصطفى النحاس، ما تسبب في فتور طويل بالعلاقات الداخلية داخل الحزب.

الخلاف بين النحاس والنقراشي

بلغ الخلاف بين مصطفى النحاس ومحمود النقراشي، ذروته خلال حكومة الوفد الثالثة، فبينما اعتبر النحاس معاهدة 1936 مكسبًا وطنيًا، رأى النقراشي، أنها مجرد تغطية لاستمرار الاحتلال البريطاني تعمّق الانقسام وانتهى بفصل النقراشي من الحزب.

الكتاب الأسود وسقوط التحالف بين النحاس ومكرم عبيد

تحوّل مكرم عبيد، السكرتير العام للوفد في عام 1942 إلى خصم شرس للنحاس باشا، بعد اتهامات بالفساد المالي وتدخلات من زوجة النحاس في شؤون الحزب.

وأصدر مكرم "الكتاب الأسود"، كاشفًا فيه ما وصفه بمخالفات داخل الحزب، وهو ما انتهى بفصله وتأسيسه "الكتلة الوفدية" التي شكلت جبهة معارضة شرسة.

حرب الأشقاء في بيت سراج الدين

عاد الانقسام إلى الواجهة مجددًا، عام 1989 هذه المرة بين ياسين سراج الدين، شقيق فؤاد سراج الدين، ونعمان جمعة، حول رئاسة الحزب. 

وحاول ياسين، الترويج لتوريث رئاسة الحزب، لكن فؤاد فضّل الدفع بنعمان جمعة الذي فاز بمنصب نائب رئيس الحزب، مما عمّق الخلافات داخل العائلة وأشعل صراع الأجيال.

اقتحام الحزب وإقالة نعمان جمعة

في واحدة من أسوأ أزمات الحزب عام 2006، دخل الوفد في دوامة صراع بين رئيسه نعمان جمعة ومعارضيه، وعلى رأسهم محمود أباظة. 

تصاعدت الأحداث، باقتحام معارضين لمقر الحزب واتهامات باستخدام “البلطجية”، انتهت الأزمة بإقالة جمعة وتعيين أباظة رئيسًا مؤقتًا للحزب.

السيد البدوي وثورة داخلية يقودها فؤاد بدراوي

خلال رئاسة السيد البدوي عام 2015، اندلعت ثورة داخلية بقيادة فؤاد بدراوي و8 من كبار قيادات الحزب، اعتراضًا على طريقة إدارة الحزب وسوء التصرف في أمواله.

وأُطيح بالمعارضين، وتم فصلهم من الحزب، لكنهم ردوا باقتحام المقر وإغلاقه بالجنازير، في مشهد غير مسبوق.

أبو شقة وفصل محمد فؤاد

مع تولي المستشار بهاء أبو شقة رئاسة الحزب، اشتعل الخلاف مع النائب محمد فؤاد، بعد مقال ينتقد أداء أبو شقة، عام 2018.

وتصاعد الخلاف سريعًا، وانتهى بفصل فؤاد من الحزب، رغم محاولات للصلح من شخصيات بارزة مثل عمرو موسى.

عبدالسند يمامة وترشح  للرئاسة

أثار ترشح رئيس الحزب الحالي، عبدالسند يمامة، للانتخابات الرئاسية عام 2023، جدلًا داخل الحزب بعد تحقيقه نتائج متواضعة. واعتبر عدد من قيادات الوفد أن الترشح كان ضارًا بسمعة الحزب العريق، وطالبوا بسحب الثقة منه.

فضيحة الآثار وواقعة الغش الجامعي

ضُرب الحزب عام 2024، بفضيحة مدوية بعد تسريب مقطع فيديو لقيادات تتفاوض على بيع آثار من داخل الحزب، وهو ما اعتبره يمامة "مكايدة سياسية من أطراف مأجورة".

في نفس العام، تورطت النائبة نشوى رائف في واقعة غش جامعي واعتداء على أستاذة جامعية، وهو ما أكدته جامعة بني سويف، مشيرة إلى تجاوزات واضحة بحق التعليم والبرلمان.

أزمة الصحفيين واعتصام داخل جريدة الوفد

مع نهاية سبتمبر 2025، شهد مقر جريدة "الوفد"، اعتصامًا مفتوحًا من الصحفيين والإداريين، احتجاجًا على تجاهل الإدارة تنفيذ وعود تطبيق الحد الأدنى للأجور.

وصل التصعيد، إلى إعلان عدد من الصحفيات عن اعتصام ومبيت ليلي داخل المقر، في خطوة غير مسبوقة.
انتهت الأزمة بعد تدخل 7 أعضاء من الهيئة العليا للحزب وتوفير تمويل بقيمة 700 ألف جنيه لسد فروق الرواتب.

أزمة انتخابات النواب والشيوخ

أثارت نتائج انتخابات مجلس النواب والشيوخ 2025، غضبًا داخل أروقة الحزب، بعد حصوله على مقعدين فقط في الشيوخ و5 إلى 6 مقاعد في النواب ضمن القائمة الوطنية.

وتفاقمت الأزمة مع مخالفة لائحة الحزب بمنح خطاب ترشح على قوائم الحزب لمشرحين في دائرة واحدة أحدهم عضو الهيئة العليا والآخر من حزب "مستقبل وطن" في دائرة أوسيم ومنشأة القناطر، مما اعتبره الوفديون مخالفة صريحة للائحة الحزب.

ومن المقرر أن تعقد الهيئة العليا، اجتماعًا عاجلًا، السبت المقبل، لمناقشة الأزمة، وسط مطالب بفتح تحقيق داخلي ومراجعة الموقف الانتخابي للحزب.

صراعات لا تنتهي وإرث في خطر

رغم تاريخ الحزب الطويل والممتد لأكثر من قرن، فإن الوفد لا يزال يعاني من أزمات متكررة وضربات داخلية، جعلت كثيرون يرون أن الحزب فقد توازنه ومكانته التي رسّخها سعد زغلول.

وفي هذا السياق، تعود إلى الأذهان مجددًا مقولة زغلول الشهيرة: "مفيش فايدة"، التي وإن كان هناك خلافا حول نسبتها إليه، إلا أن كثيرًا من المؤرخين يرجحون أنه قالها لزوجته صفية زغلول قبل وفاته، تعبيرًا عن شعوره بالإحباط من حال البلاد.

search