الإثنين، 13 أكتوبر 2025

08:04 م

البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تقدّم من قلبها محبةً حقيقيةً لكل إنسان

البابا تواضروس الثاني

البابا تواضروس الثاني

افتتح قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، اليوم المؤتمر الدراسي للمعهد العالمي للدراسات اللاهوتية والمسكونية (GETI 2025) التابع لمجلس الكنائس العالمي، وألقى قداسته كلمة في الجلسة الافتتاحية رحب خلالها بالحضور من قيادات المعهد وبالمشاركين في المؤتمر.

الكنيسة القبطية تسعد دومًا بأن تفتح أبوابها لكل من يسعى إلى معرفة المسيح

كما ألقى محاضرة في أولى جلسات المؤتمر. أعرب في مستهلها عن ترحيبه بوجودهم في رحاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لافتًا إلى أن الكنيسة القبطية تسعد دومًا بأن تفتح أبوابها لكل من يسعى إلى معرفة المسيح، وأنها تقدّم من قلبها محبةً حقيقيةً لكل إنسان، لأنها تحمل في عمقها تعليم السيد المسيح القائل: "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضًكم لبعض." (يوحنا 13: 35).

كما نوه إلى أن المؤتمر يقام في دير الأنبا بيشوي، حيث عاش الآباء النساك منذ القرن الرابع الميلادي، رافعين أياديهم إلى السماء من أجل العالم كله.

وأضاف: "أصلى أن يكون هذا المؤتمر منبر محبة وسلام، وأن تكونوا أنتم صوت المسيح الحي في هذا الجيل."

وفي محاضرته تناول قداسته "خمسة دروس يمكن أن نتعلمها من مجمع نيقية، وهي:

1- الإيمان لا يقاس بالعمر: 

معطيًا المثل على ذلك من خلال الشاب أثناسيوس الذي وقف أمام رجال العلم واللاهوت، وأمام أباطرة وأمراء، وتكلم بإيمان عميق وغيرة حارة، ومن يومها، قال الحاضرون عنه:" تكلم ألكسندروس بفم أثناسيوس." وهكذا أصبح هذا الشاب هو صوت الكنيسة كلها، ولسان الإيمان القويم في زمنٍ كثُر فيه الجدل والشك. وبينما كان العالم يرى فيه شابًا صغيرًا، رآه الله ركيزة للإيمان القويم، أعطاه حكمة الشيوخ وشجاعة الأنبياء، فصار وهو في ريعان الشباب صوتًا للحق في وجه العالم كله، حتى لُقِّب بـ "أثناسيوس ضد العالم."

2- أثناسيوس كان صاحب رؤية ورسالة: 

أثناسيوس لم يكن خطيبًا فصيحًا فقط، بل كان لاهوتيًا عميق الفكر، درس الكتاب المقدس، وفهم سرّ التجسد، وكتب عنه في مؤلفه العظيم "تجسد الكلمة" وهو بعدُ في ريعان الشباب، وهو الكتاب الذي صار منارةً لاهوتيةً على مرّ الأجيال، يشرح فيه سرّ حبّ الله المتجسد، لكن إلى جانب علمه، كان إنسانًا روحيًا عاش مع القديس أنطونيوس الكبير اب جميع الرهبان. جمع بين النور العقلي والنور القلبي، فصار فكره مشرقًا، وروحه ملتهبة. وحين وقف أمام مجمع نيقية، لم يواجه الهراطقة بعنفٍ أو انفعال، بل واجههم بالروح وبقوة المنطق وإشراق الفكر، ولولا استنارته اللغوية والفكرية، لاختلط الإيمان وضاع المعنى. وهكذا كان أثناسيوس صاحب رؤية ورسالة، لم يفكّر في خلاص نفسه فقط، بل صار شعلة نورٍ تُنير للآخرين الطريق. كتب كتبًا ورسائل كثيرة، ولم تكن حبرًا على ورق، بل نارًا في قلوب المؤمنين.

3- أهمية روح الخدمة والتكريس: 

أثناسيوس الشاب، لم يجلس في الصفوف الأولى، بل خدم في صمتٍ كشمّاسٍ مرافق لأستاذه البابا القبطي ألكسندروس، فاتضح أن تواضعه هو الذي رفعه، وأن صمته هو الذي نطق بالإيمان، وقف بوجهٍ مملوءٍ هدوءًا وسلامًا، ليشهد أن المعرفة بلا محبة تُنفخ، أما المحبة فتبني.

4- قوة التلمذة الروحية:

من بين الدروس المهمة التي نتعلّمها من مجمع نيقية، يسطع أمامنا درس التلمذة.

ذلك المجمع العظيم لم يُظهر فقط صلابة الإيمان وعمق الفكر، بل كشف أيضًا عن قيمة التلمذة الصادقة، التي بها تنتقل نعمة الله من جيلٍ إلى جيل، ومن قلب الأب إلى قلب الابن، كما تنتقل الشعلة من مصباحٍ إلى آخر. فلقد دخل أثناسيوس إلى مجمع نيقية لا كصاحب رأيٍ أو مكانة، بل كـ تلميذٍ أمينٍ للبابا القبطي ألكسندروس. كان لا يزال شابًا، لكنّه يحمل في قلبه روح الطاعة، يستمع، ويكتب، ويخدم في صمتٍ عميق. ومن هذه الطاعة خرجت القوة، ومن هذا الصمت خرج النور الذي أنار المسكونة.

5- احتمال الضيقات بشكر فالعالم ليس ورديًّا: 

حين وقف البابا  ألكسندروس في زمنٍ مضطرب، انقسمت فيه العقول، وتكلم آريوس، لم يكن الصراع مجرد فكرٍ ولاهوت، بل كان صراعًا على قلب الكنيسة نفسها، على الإيمان الذي سُلِّم مرة للقديسين، وقف البابا القبطي ألكسندروس، لا بسيفٍ في يده، بل بسلامٍ في قلبه وكلمة حقٍ على شفتيه، يحتمل الهجوم، ويصبر على الافتراء، لقد حمل هذا الأب العظيم همَّ الدفاع عن الإيمان المستقيم ، ومعه تلميذه الشماس أثناسيوس، وتكلما لا بدفاعٍ عن فكرة، بل بشهادةٍ عن حياةٍ عايشاها في الإيمان.

لقد احتمل أثناسيوس من أجل الإيمان ما لم يحتمله كثيرون، فقد نُفي خمس مرات، وتنقل بين البراري والبلدان، مطاردًا من ملوكٍ وأباطرةٍ وجيوشٍ، لكنه لم يُبدّل موقفه، ولم يُساوم على إيمانه، بل بقي صامدًا، ثابتًا كمن يرى ما لا يُرى.
كان يمكنه أن يشكو، أو يصمت خوفًا، لكنه كان يرى في كل نفيٍ دعوة جديدةٍ للصلاة، وفي كل ألمٍ فرصةً للشركة مع المسيح المتألم، وفي كل حرمانٍ مجدًا خفيًّا يُختبَر بالإيمان.

وتستضيف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولأول مرة خلال الشهر الجاري أعمال المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي، وذلك بمركز لوجوس بالمقر البابوي بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون.

ومن المنتظر أن يشارك في المؤتمر ممثلو الكنائس المسيحية في العالم.

search