الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

12:54 ص

دعاء عبدالسلام

شرم الشيخ.. سلام على رمالٍ ساخنة

في مدينة السلام، شرم الشيخ، عادت الوجوه ذاتها إلى الطاولة، لكن هذه المرة بأوراق مختلفة. وفي لحظةٍ تشبه أكثر المشاهد رمزية في تاريخ المنطقة، وُقّعت اتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار في غزة، وسط أجواء من التفاؤل الحذر والتصريحات التي تتأرجح بين الأمل والتوجّس.
فهل ما جرى هو سلامٌ حقيقي يولد من رماد الحروب، أم هدنة أخرى فوق رمالٍ متحركة تنتظر أول ريحٍ لتبعثرها؟

اللاعب الهادئ في العاصفة

لم تكن شرم الشيخ اختيارًا عشوائيًا، فهي المدينة التي شهدت من قبل اتفاقاتٍ صنعت تحولات في الشرق الأوسط.
مصر - الدولة التي تجيد فن إدارة الأزمات- عادت لتؤكد حضورها السياسي والدبلوماسي كوسيط متزن بين أطراف لا تثق ببعضها، لكنها لا تجد غيرها ليجمعها.
الاجتماع الذي رعته القاهرة، بمشاركة أميركية وقطرية وتركية، جاء تتويجًا لمفاوضات ماراثونية في الكواليس، ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من جثث الاتفاقات السابقة.

بنود الاتفاق… مزيج من الطموح والواقعية

الاتفاق نصّ على وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من مناطق التوتر، مع ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر المعابر المصرية.
كما تضمّن تبادلًا للأسرى خلال 72 ساعة، وبدء مشاورات لتشكيل إدارة انتقالية بإشراف دولي مؤقت، تمهيدًا لمسار سياسي أوسع.

لكن ما يلفت الانتباه هو غياب الجداول الزمنية الملزِمة، والاكتفاء بعبارات فضفاضة مثل “بأسرع وقت ممكن” و“بالتنسيق بين الأطراف*، ما يجعل التنفيذ مرهونًا بالنوايا أكثر منه بالآليات.

الرسائل الخفية وراء التوقيع

الاتفاق في جوهره لم يكن مجرد تسوية عسكرية، بل إعادة تموضع سياسي لكل الأطراف. مصر تؤكد أنها لا تزال حجر الأساس في هندسة التوازن الإقليمي، والولايات المتحدة تسعى لاستعادة صورتها كوسيط عادل بعد سنوات من التراجع.

أما إسرائيل، فتبدو وكأنها تبحث عن مخرج مشرّف من حربٍ استنزفتها، فيما تحاول المقاومة الفلسطينية تحويل صمودها إلى مكسبٍ سياسي يكرّس وجودها على طاولة القرار.

وراء الابتسامات الرسمية، هناك رسائل واضحة: لا أحد يريد استمرار الحرب، لكن لا أحد أيضًا مستعد لدفع ثمن سلامٍ حقيقي.

سلام هشّ… أم بداية جديدة؟

من الناحية الواقعية، لا يمكن الجزم بأن اتفاق شرم الشيخ سيكون نهاية الصراع، لكنه بالتأكيد محطة فارقة في مسارٍ طويل.
نجاحه يتوقف على قدرة الأطراف على تجاوز الحسابات الضيقة، والإيمان بأن السلام ليس استراحة محارب، بل بداية لمعركة أخرى، معركة البناء والاعتراف المتبادل والكرامة الإنسانية.

أما فشله، فسيعني ببساطة أن التاريخ يعيد نفسه، وأن شرم الشيخ ستظلّ مدينة تُوقَّع فيها الاتفاقات، وتُنسى فيها البنود.

بين الرماد والرجاء

في مشهد التوقيع، بدا بعض القادة كمن يوقّع على وثيقة سلامٍ لا يصدقها تمامًا. لكن التاريخ علّمنا أن كل حربٍ، مهما طال ليلها، تبدأ نهايتها بكلمة “سلام”.

وربما، فقط ربما، تكون شرم الشيخ هذه المرة المكان الذي كُتبت فيه أول جملة صادقة في كتابٍ جديد للشرق الأوسط.

search