الأربعاء، 05 نوفمبر 2025

08:54 م

مدد يا ممداني مدد! | خارج حدود الأدب

سامح مبروك

سامح مبروك

“When I first entered politics, an uncle gently suggested I keep my faith to myself”
”حينما قررت خوض غمار المعترك السياسي، نصحني عمي بلطف، احتفظ بإيمانك لنفسك فقط".

في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي، وقف الشاب صاحب الأربعة والثلاثين عامًا أمام الجموع المحتشدة في ساحة المركز الثقافي الإسلامي بحي البرونكس، في مدينة نيويورك، ليقول تلك الكلمات في مواجهة الحملة اليمينية الشرسة المستعرة ضده، بقيادة أقوى رجل في العالم، الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب.

زهران ممداني، لم يكن أحد يتخيل أن الطفل الذي وُلد في كمبالا بأوغندا في أكتوبر عام 1991، لأب أوغندي هندي يُدعى محمود ممداني، يعمل أستاذًا للأنثروبولوجيا والدراسات الأفريقية، وأم هندية تحاول أن تخطو أولى خطواتها كمخرجة سينمائية - كما ذكرت الكثير من التقارير الصحفية-، يقف في اللحظة المذكورة أمام تلك الجموع في مواجهة أباطرة السياسة والاقتصاد في العالم، ليعلن أنه أول مسلم سيتولى رئاسة بلدية مدينة نيويورك، المدينة التي يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لها، بحسب التقارير في عام 2024، حوالي 2.3 تريليون دولار أمريكي، تلك القيمة التي تفوق تقريبًا قيمة الناتج المحلي لكل من كندا وروسيا وإيطاليا والبرازيل على حدة.

هاجرت عائلة ممداني من أوغندا إلى نيويورك في عام 1998، حينما كان يبلغ زهران حوالي سبع سنوات، ليكمل تعليمه هناك، ويتخرّج في عام 2014 من جامعة بودوين، متخصصًا في الدراسات الأفريقية، حيث أسّس أثناء دراسته فرعًا لـ"طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وكانت هذه الشرارة الأولى في نشاطه المجتمعي. وفي عام 2015 كانت أولى تجاربه العملية، ولم تكن سياسية أو مجتمعية، بل كانت موسيقية، فقد حاول على مدار عام شق طريقه كمغنٍ للراب.

وفي الوقت نفسه، كان قد تولّى بعض الأعمال المجتمعية في حي كوينز، وبعد حوالي عقدين من هجرته مع عائلته، حصل على الجنسية الأمريكية في عام 2018، حين كان قد بلغ 27 عامًا. ومنذ ذلك الحين، بدأ العمل بجد في المعترك السياسي كمدير للحملات الانتخابية لبعض المرشحين في انتخابات مختلفة، قبل أن يُنتخب عضوًا في جمعية ولاية نيويورك عن الدائرة 36 في كوينز، متفوقًا على النائبة الديمقراطية المخضرمة، أرافيلّا سيموتاس، في عام 2020.

وفي أكتوبر 2024 - وكأن أكتوبر هو شهر الولادات المتتالية في حياة ممداني - قرّر ممداني خوض الانتخابات على منصب عمدة مدينة نيويورك في مواجهة المخضرم الديمقراطي أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا. ومنذ تلك اللحظة، انطلقت حملة انتخابية صاخبة في مدينة نيويورك، شهد ملابساتها العالم كله بشغف، وشغلت الرأي العام العالمي، ليس الأمريكي فحسب؛ فكانت أصول ممداني وديانته وثقافته وموقفه من المهاجرين، وقبل ذلك كله موقفه من إسرائيل والقضية الفلسطينية، نقاط اشتعال، ليس فقط خلافًا في الداخل الأمريكي.

ومن المواقف الحادة واللافتة لممداني، أنه كان قد هدد أثناء حملته الانتخابية، إذا ما فاز بمنصب العمدة، وإذا ما استمرت حرب الإبادة في غزة، بأنه قد يأمر باعتقال نتنياهو حال وصوله لمدينة نيويورك. 

مواقف حادة دفعت ترامب، أقوى رجل في العالم، لدعوة الناخبين للتصويت لأي شخص سوى ممداني، حتى لو كان كومو الديمقراطي، وتصاعدت حدة التصريحات حينما هدد ترامب بمنع إرسال الأموال الفدرالية لمدينة نيويورك، إلا الحد الأدنى منها، إذا ما فاز ممداني.

وليدخل صاحب تسلا وإكس وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، على الخط أيضًا، ليدعو من طرفه الناخبين على منصته، إكس، لعدم التصويت لممداني. هذا كله إضافة إلى آلة إعلامية متكاملة تحارب الرجل ورسالته، وتشكك في قدرته على تولّي هذا المنصب؛ حملة وصفها ممداني بالعنصرية في بعض الأحيان، ليخرج بجملته التي افتتحنا بها المقال على الملأ، ليعلن أنه فضل المواجهة، وأبدًا لن يتخلى عن أصوله وإيمانه مهما زاد الضغط السياسي أو الإعلامي.

وصباح اليوم، وقف ممداني على منصة حملته الانتخابية في مدينة نيويورك ينادي الرئيس ترامب شخصيًا:
ترامب، أعلم جيدًا أنك تسمعني الآن، عندي لك بضعة كلمات: ارفع صوت التلفاز، هذه المدينة قامت بأيدي المهاجرين، وازدهرت بأيدي المهاجرين، وستبقى هكذا بأيدي المهاجرين، واليوم يحكمها أحد المهاجرين.

ولا تبدو تلك الكلمات فقط كإعلان نصر أو تفوق انتخابي، بل تعد إعلان تحدٍ سافر لأقوى سلطة أمريكية، بل لأقوى رجل في العالم، ترامب؛ الرجل الذي كان كابوسه منذ بداية فترته الحالية المهاجرون، يقف ممداني أمامه كمهاجر من أصول أفريقية وهندية، حصل على الجنسية الأمريكية فقط منذ سبعة أعوام، يقف مزهوًا بنصر مستحق، ويتحدى، بل ويهدد، أنه وناخبيه سيقفون في وجه ترامب، ومن على شاكلته مِمَنْ يجمعون المال والسلطة والنفوذ.

وهنا نتابع ذلك الزخم وهذا المشهد السينمائي بعيون مترقبة؛ فمهما كان حجم خلافك أو اختلافك مع الولايات المتحدة الأمريكية، ستقف باندهاش واحترام أمام هذا المشهد الديمقراطي النادر، لشاب مسلم بلحية يتجول في شوارع مدينة نيويورك في المواصلات العامة بلا سيارة، يحارب من أجل حلمه، ويصل لناخبيه وينتصر رغم أنف أقوى رجل في العالم.

ستقف أمام تلك التجربة وتقول: مدد! يا ممداني مدد!

وتتطلع في الوقت ذاته بحسرة للانتخابات الكرتونية والمعارضة الهزلية في أوطاننا العربية ودول العالم الثالث في العموم؛ هناك من يحاول التحدي، سيجد نفسه قبل أن يفكر في ذلك "خارج حدود الأدب".

search