الخميس، 06 نوفمبر 2025

09:14 ص

لماذا نتذكر النص المكتوب بخط اليد بشكل أفضل؟

صورة أرشيفية

صورة أرشيفية

رغم اعتمادنا المتزايد على الشاشات ولوحات المفاتيح، إلا أن العلم يُظهر أن عملية الكتابة باليد تعمل على تنشيط مناطق الدماغ التي تعمل على تقوية الذاكرة والفهم.

هناك شيءٌ حميميٌّ تقريبًا في الكتابة اليدوية، ضغط القلم على الورقة، وضرباته، وألم اليد المستمر بعد كتابة صفحة كاملة، والآن، وبعد أن أصبحت شاشات اللمس ولوحات المفاتيح تُملي إيقاعنا اليومي في مجتمعنا اليوم، يتفق الباحثون على أن الكتابة اليدوية قد تكون أحد مفاتيح تحسين التعلم والذاكرة.

وفقا لصحيفة “لا راثون” الإسبانية، فقد أكدت دراسات عديدة أن طريقة كتابتنا تؤثر بشكل مباشر على قدرتنا على حفظ المعلومات، والأمر لا يقتصر على الحنين إلى الماضي: فعندما نكتب باليد، يعمل الدماغ بطريقة أكثر تعقيدًا من الكتابة على الآلة الكاتبة، ولا يقتصر الأمر على اختلاف في الشكل، بل في نشاط الدماغ.


لماذا يتذكر الدماغ النص المكتوب بخط اليد بشكل أفضل؟

تتطلب الكتابة اليدوية تنسيق أكثر من 30 عضلة و15 مفصلاً، يتطلب كل حرف حركة مميزة، وهي سلسلة من الحركات التي تُنشّط مناطق الدماغ المرتبطة بالمهارات الحركية الدقيقة والذاكرة البصرية واللغة.

ووفقًا لبحث من جامعة طوكيو، نُشر في مجلة Frontiers in Behavioral Neuroscience فإن المشاركين الذين دوّنوا الملاحظات يدويًا تذكروا المعلومات بدقة أكبر ولمدة أطول من أولئك الذين استخدموا لوحة مفاتيح أو جهازًا لوحيًا بدون قلم .

وأشار المؤلفون إلى أن التفسير يكمن في "الإدراك المُجسَّد"، وهي نظريةٌ تُشير إلى ترابط الفكر والعاطفة والحركة، فعندما نكتب باليد، لا يُعالج الدماغ محتوى الكلمات فحسب، بل يُعالج أيضًا الإحساسَ الحسيَّ بضربة القلم، والمسافة بين السطور، وضغط القلم، وحركة المعصم. كل هذا يُنشئ شبكةً من المُحفِّزات تُسهِّل التذكر.

عند الكتابة على لوحة المفاتيح، تكون الحركات منتظمة ومتكررة: الضغط على "A" أو "Z" يتطلب نفس الإجراء. هذا يقلل من تنوع المحفزات الحركية، وبالتالي النشاط العصبي. يتلقى الدماغ معلومات حسية أقل، ويميل إلى حفظ ما يُكتب بكفاءة أقل.

وأظهرت دراسة أجرتها جامعة برينستون، بقيادة بام مولر، أن الطلاب الذين دوّنوا الملاحظات يدويًا فهموا المفاهيم بشكل أفضل من أولئك الذين استخدموا أجهزة الكمبيوتر، حيث
يميل الطلاب الذين استخدموا أجهزة الكمبيوتر إلى نسخ المعلومات حرفيًا، بينما يقوم الطلاب الذين استخدموا الكتابة بمعالجة المعلومات وإعادة صياغتها وتلخيصها - وهو نشاط إدراكي أكثر تطلبًا، وبالتالي أكثر فعالية في التعلم.

وهذا لا يعني أن الأجهزة الرقمية عدوٌّ للتعلم، يُشير الباحثون إلى أن المهم ليس الورقة، بل الحركة، فالكتابة بقلم أو قلم رقمي على جهاز لوحي تُولّد أنماط نشاط دماغي تُشبه أنماط الكتابة اليدوية التقليدية. بمعنى آخر، الشعور بضربة القلم هو المهم.

وأمضت عالمة الأعصاب أودري فان دير مير، من جامعة ستافنجر (النرويج)، أكثر من عقد في دراسة كيفية تنشيط الكتابة اليدوية لمناطق مختلفة من الدماغ.

في تجاربها مع طلاب مُجهّزين بأجهزة استشعار لتخطيط كهربية الدماغ، لاحظت أن من كتبوا باليد أظهروا اتصالاً عصبياً أقوى بين المناطق الحسية الحركية والمناطق المرتبطة باللغة والذاكرة . وقد تجلّى هذا النشاط الأوسع، بعد أيام، في حفظ أفضل للمعلومات المُكتسبة.

بعيدًا عن التكنولوجيا، يشير الخبراء إلى اختلاف في الوتيرة، فالكتابة اليدوية تُجبرك على التباطؤ، ومعالجة كل كلمة قبل كتابتها، هذا التباطؤ يُتيح لك وقفة تُساعدك على التأمل، وبالتالي على التذكر. 

أما الكتابة على الآلة الكاتبة، فتُشجع على الفورية والتكرار الحرفي، بهذه السرعة، يميل التفكير إلى أن يصبح أكثر سطحية، وأخيرا عصر تعدد المهام والرسائل الفورية المُستمرة والموجزة، من الجدير بالذكر أن الكتابة اليدوية ليست لفتة عفا عليها الزمن، بل هي وسيلة لمقاومة النسيان.

search