الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

11:54 ص

من قطارات النهضة إلى ركام الحرب، مدينة بابنوسة تتحول إلى ساحة قتال

مدينة بابنوسة تتحول إلى ساحة قتال

مدينة بابنوسة تتحول إلى ساحة قتال

منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، تحولت مدينة بابنوسة، الواقعة على بعد نحو 700 كيلومتر جنوب غربي الخرطوم، إلى واحدة من أكثر مناطق القتال اشتعالًا. كانت المدينة لسنوات مركزًا صناعيًا مهمًا وحلقة وصل رئيسية في شبكة المواصلات القومية، لكنها اليوم خالية تقريبًا من المدنيين، بعد أن أجبر القصف الجوي والمدفعي والطائرات المسيرة عشرات الآلاف على النزوح، تاركين منازلهم وأسواقهم ومصانعهم على وشك الانهيار، في مشهد يشبه مدينة أشباح.

السكك الحديدية تغيّر وجه المدينة

عرفت بابنوسة نهضتها الكبرى في ستينيات القرن الماضي مع وصول السكك الحديدية، التي جعلت منها مركزًا يربط شمال السودان بجنوبه وغربه. يمتد الخط الحديدي من الرهد المتصل بالأبيض، ويتفرع عند بابنوسة إلى مسارين رئيسيين: الأول غربًا إلى نيالا عام 1959، والثاني جنوبًا إلى واو عام 1962.

على طول هذه الخطوط برزت محطات حيوية مثل أبو زبد، الفولة، الضعين، أبو جابرة، وبحر العرب، التي لم تكن مجرد نقاط توقف، بل شواهد على تاريخ النقل والصناعة في السودان. 

لكن هذا الشريان الحيوي لم يسلم من أضرار الحرب الأهلية الثانية، قبل أن يعاد تأهيله عام 2010 بتمويل أممي قدره 250 مليون دولار، واستعاد نشاطه في نقل البضائع بين غرب وجنوب السودان حتى انفصال الجنوب عام 2011. ورغم ذلك، بقيت بابنوسة بلا مطار، وأقرب منفذ جوي لها هو مطار كوستي.

بابنوسة في صدارة المدن الصناعية

في عام 1960، افتتح بالمدينة أول مصنع للألبان المجففة في إفريقيا والعالم العربي، بحضور الزعيم اليوجسلافي جوزيف بروز تيتو، ما وضع بابنوسة في مقدمة المدن الصناعية السودانية. 

تبع ذلك توسع صناعات الصمغ العربي والكركديه والتبلدي والعرديب، قبل أن يشهد النشاط الصناعي تراجعًا مع تدهور التنمية في الإقليم.

كانت المدينة لعقود مركز جذب للعمال من شتى أنحاء السودان، بينما شكّل القطار شريانها النابض الذي ربطها ببقية مناطق البلاد.

أصل الاسم وثروتها الطبيعية

يرجع اسم المدينة، بحسب الباحث صلاح الأمين، إلى كلمة "البابنوس"، الاسم المحلي لشجرة الأبنوس التي كانت تنتشر بكثافة في محيط المدينة. خشب الأبنوس من أثمن أنواع الأخشاب في السودان، ويستخدم في صناعة الأثاث والتحف الفاخرة، ما منح المدينة اسمًا يعكس ثراءها الطبيعي وخصوصيتها البيئية.

مدينة تحت الحصار

منذ يناير 2024، تعيش بابنوسة حصارًا مطبقًا، حيث يتمسك الجيش السوداني بمواقعه داخل المدينة، بينما تشن قوات الدعم السريع هجماتها المتواصلة باستخدام المسيرات والمدفعية بعد سيطرتها على الفاشر.

دفعت القوات بتعزيزات كبيرة إلى محيط المدينة، التي تحاصرها من جميع الاتجاهات، في محاولة للسيطرة عليها. وقد واجه الجيش هذه الهجمات بمقاومة عنيفة ومستدامة.

أدى الحصار الطويل إلى انهيار الأوضاع الإنسانية، وغادر معظم السكان المدينة سيرًا على الأقدام، حيث نزح نحو 177 ألف شخص، بحسب غرفة طوارئ بابنوسة، ووصف أحد النازحين المأساة قائلاً: "توقفت الحياة فجأة، كأن الزمن هنا تجمد".

موقع استراتيجي وحساسية اقتصادية

تقع بابنوسة في غرب كردفان عند ملتقى طرق يربط مناطق الإنتاج الزراعي والتجاري الكبرى مثل الرهد، الفولة، الدبيبات وأبو زبد. 

ويرى محللون عسكريون أن السيطرة على المدينة تعني التحكم في شرايين الإمداد بغرب السودان، وأن تعطيلها سيؤدي إلى شلل اقتصادي في الإقليم بأكمله.

كما أن وجودها ضمن ولاية غنية بالنفط يجعلها هدفًا ذا حساسية عالية في حسابات الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتبقى بابنوسة اليوم عنوانًا لمعاناة إنسانية وميدانًا لصراع على النفوذ والثروات في السودان.

 اقرأ أيضًا:

وسط قصف مدفعي متبادل، تصاعد القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع في بابنوسة

search