الأحد، 16 نوفمبر 2025

12:24 ص

الدكتور حسام ولاء عبد العظيم

التحول الاستثماري ضرورة وجودية للأندية الرياضية الجماهيرية

في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة التي تواجه الأندية الرياضية الجماهيرية في مصر، لم يعد التحول الاستثماري مجرد خيار إداري مطروح، بل أصبح ضرورة وجودية لضمان بقاء هذه الكيانات التاريخية واستمرار دورها في المجتمع والرياضة، حيث تشير المؤشرات المالية المعلنة التي لا تحتاج لأي إثبات إلى أن أغلب الأندية الجماهيرية المصرية تعاني عجزًا ماليًا مزمنًا بسبب ارتفاع نفقات التشغيل وضعف مصادر الدخل ورغبتها المستمرة في تحقيق رضا الجماهير من خلال إبرام تعاقدات مع لاعبين ومدربين لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها المالية.

وبمرور الوقت، تزداد حدة أزماتها المالية وتتفاقم وهي بعيدة كل البعد عن الحلول الفعالة والمسار الصحيح للإصلاح الذي وجدته الدولة المصرية منذ 2017 في قانون الرياضة وجعلته أكثر سهولة وتحفيزًا في التعديلات الأخيرة على القانون التي صدرت في أغسطس من هذا العام.

وتعتمد هذه الأندية بشكل شبه كامل على عقود الرعاية المحدودة أو بعض الاستثمارات التقليدية التي لا تساعدها على تلبية طموح جماهيرها، بينما تتراجع قدرتها على توليد إيرادات ذاتية من الاستثمار أو التسويق الرياضي وهي السبيل الوحيد والأمثل في حل مشكلاتها المالية واستثمار قيمتها السوقية والجماهيرية في تطوير ذاتها، وتحول دون ذلك لبعض المفاهيم المغلوطة التي ستجعلها مستقبلًا - تاريخ بلا واقع - على الرغم من أن هذه الأندية تمتلك عن غيرها من الأندية أقوى محفزات وممكنات الاستثمار الرياضي - الجماهير -.

والتحوّل الاستثماري لا يعني بيع الأندية أو فقدان هويتها الجماهيرية - كما يظن البعض - بل هو إعادة تنظيم شاملة تهدف إلى تحويل النادي من كيان يعتمد على الدعم وإيرادات محدودة إلى هيئة رياضية اقتصادية قادرة على تحقيق عائد مستدام، ويعتمد هذا التوجه على تأسيس شركات استثمارية تابعة للنادي تتولى إدارة الجوانب الاقتصادية والتجارية باحتراف، مع الحفاظ على الطبيعة الرياضية والاجتماعية الخاصة لأعضاء الجمعية العمومية.

لكن التحوُّل الحقيقي للاستثمار لن يتحقق بالقرارات فقط، بل يحتاج إلى تغيير في ثقافة الإدارة والجماهير على حد سواء، حيث لا بُد أن تدعم الجماهير التطور الاستثماري كوسيلة لإنقاذ الأندية، لا كمحاولة لتجريدها من طابعها الشعبي، وأن العاطفة وحدها لا تكفي لبقاء المؤسسات الرياضية في زمن المال والاحتراف.

إن بقاء الأندية الجماهيرية مرتبط بقدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، ومن دون التحول إلى نموذج استثماري مستدام، ستظل هذه الأندية أسيرة الأزمات، وعاجزة عن المنافسة محليًا أو إقليميًا أو دوليًا، بل وستستبدل بمؤسسات أخرى قد لا تكون جماهيرية في الوقت الحالي، وقد تكون في المستقبل البعيد نسبيًا.

التحوُّل الاستثماري اليوم ليس ترفًا إداريًا وليس مجرد مصطلح اقتصادي يتردّد في أروقة الأندية، بل صيحة نهوض ونداء بقاء لمؤسسات صنعت تاريخ الرياضة المصرية، وإنه الانتقال من منطق “الإنفاق من أجل البقاء” إلى “الاستثمار من أجل النمو ”، ومن إدارة تستهلك الموارد إلى إدارة تنتج وتبدع وتنافس.

لقد آن الأوان لأن تدرك الأندية الجماهيرية أن جمهورها العظيم يستحق مؤسسات قوية ومستدامة مبنيّة على قواعد الحوكمة الداعمة لزيادة ثقتهم وثقة المستثمرين، وأن الشغف الجماهيري لا بد أن يتحوّل إلى مشروعات وأرباح وإنجازات تحفظ الاسم والمكانة والهوية والتاريخ، وتستشرف مستقبلًا طموحًا.

search