الخميس، 27 نوفمبر 2025

10:55 م

التعتيم يطغى على التعليم، 5 ساعات لاقتفاء أثر "جريمة سيدز" في غرفة الرعب

مدرسة سيدز الدولية

مدرسة سيدز الدولية

لم يكن يوم الخميس يومًا عاديًا داخل مدرسة سيدز الدولية التي شهدت واقعة اتهام 4 عاملين بخدش براءة 5 تلاميذ في أعمار الزهور، وهي القضية التي تخضع حاليًا للتحقيق أمام الجهات المختصة.

في ظهيرة ذلك اليوم كان المشهد أشبه بغليان صامت تحت السطح، قبل أن يشتعل كل شيء فجأة.. عند الساعة 1:47 بدأت ملامح الانفجار في التشكّل أمام البوابة السوداء ذات الزجاج العريض، عندما انتشرت بين مجموعات “واتساب” كلمة واحدة: "فيه اعتداء على الأطفال.. التحقيق شغال جوة".

لم تمر دقائق حتى تحولت الهمسات إلى صرخات، وارتعشت الأرض تحت أقدام أولياء الأمور الذين تزاحموا أمام البوابة.. أمٌ تضع يدها على رأسها، تصرخ باسم طفلتها، أب يدفع الحارس بعنف ويهتف: "هاتوا ولادي.. افتحوا الباب!".

وداخل المدرسة نفسها، لم يكن الوضع مختلفًا، بل بدا كأنه غرفة عمليات انفجرت أنظمتها.. موظفون يتحركون بلا اتجاه، أبواب تغلق سريعًا، هواتف ترن دون توقف، وصوت بكاء تلاميذ صغار يتعالى خلف جدران الفصول.

مدرسة سيدز الدولية - تعبيرية

ثم جاءت اللحظة التي غيرت كل شيء اقتحم العشرات بوابة المدرسة، اندفعت عليها الأجساد، تكسر الزجاج، صرخات أطفال ترتطم بجدران الممرات، والعاملون يركضون بحثًا عن مدير المدرسة الذي قيل إنه أغلق الباب على نفسه داخل مكتبه.

هكذا بدأ المشهد الحقيقي.. مشهد كشف المستور داخل مدرسة "سيدز الدولية" بمنطقة السلام، تلك القضية التي تحوّلت خلال ساعات قليلة إلى أكثر الموضوعات إثارة للغضب على وسائل التواصل الاجتماعي.

حين كنا هناك، كان قد مر 48 ساعة فقط على الواقعة، لكن صداها كان يشغل الرأي العام المصري، وبعيدًا عن التحقيقات الرسمية، قرر فريق "تليجراف مصر" التوجه إلى المدرسة، لرصد ما يحدث في محيطها: ماذا يقول أولياء الأمور؟ ماذا يرى المترددون على المدرسة؟ وكيف تبدو مؤسسة تعليمية أصبحت فجأة عنوانًا للرعب وخدش براءة الصغار؟

المشهد الخارجي.. مبنى يشبه القصور وقلق يملأ المكان

اقتربنا من المبنى المهيب، تصميم أقرب إلى قصر كبير، واجهة واسعة ونوافذ بأحجام مختلفة، بعضها طويل يمتد من الأرض للسقف، وبعضها صغير ومرتفع، تمنح المكان فخامة لكنها لا تنزع عنه إحساس الانغلاق، فيما تسيطر خمس بوابات سوداء على الواجهة، واحدة ضخمة إلى اليسار خلفها فناء مليء بالألعاب الملونة لتلاميذ مرحلة رياض الأطفال.

مدرسة سيدز الدولية

في المنتصف، بوابة رئيسية متوسطة الحجم إلى يمينها مباشرة غرفة الحارس، ينظر إلينا بترقُب، يسجل كل حركة، وعلى أقصى اليمين بوابة أصغر حجمًا، لدخول الطلاب وخروجهم.

وأمام المدرسة تصطف سيارات ملاكي تحت ظلال بعض الأشجار، وخلفها مساحة مهملة تتناثر فيها القمامة، أما الجهة اليسرى فكانت صحراء صغيرة، أرض رملية واسعة تراصت فيها 11 أتوبيسًا باللون البيج والأحمر تحمل شعار المدرسة.

أرض رملية واسعة تراصت فيها 11 أتوبيسًا باللون البيج والأحمر تحمل شعار المدرسة

كانت الساعة 12 ظهرًا، لكن هذا المشهد لا يشبه يومًا دراسيًا عاديًا.. لا أصوات أطفال، لا حركة، لا ضوضاء تشير إلى فُسحة أو فصول ممتلئة، للحظة ظننا أن المدرسة أغلقت أبوابها بعد الواقعة.

لكن عند الساعة 2:15 ظهرًا بدأت الحقيقة تظهر.. الطلاب يخرجون واحدًا تلو الآخر، وبدا الأمر كأنه لم يكن مجرد مغادرة طلاب لمدرستهم، بل خروج محفوف بالخوف.

ظهر الطلاب فُرادى، واحدًا بعد آخر، لا جموع، لا ضوضاء، وتقريبًا لا حياة، بينما أولياء الأمور يمسكون بأيادي أطفالهم وينطلقون سريعًا.

عند بوابة الخروج، التقينا سائقًا يعمل مع إحدى الأسر، يُدعى “جمال.م” كان يقف بجوار فتى صغير في KG1 يرتدي يونيفورم المدرسة المميز بلونه الأزرق و"بادج" المدرسة SIS.

بصوت هادئ، قال: "الأهل بيدفعوا 46 ألف جنيه مصاريف للولد دا لوحده، والكل كان بيشكر في المدرسة، لكن اللي حصل دا موضوع عمّال نظافة، إنما التعليم مافيهوش مشكلة".

سألناه: "مامت الطفل اللي معاك خافت عليه بعد اللي حصل؟" فأجاب دون تردد: "لا عادي، بس أغلب الطلاب ماجوش من الخوف والأهالي يوم الخميس دخلوا المدرسة وكسروا الدنيا.. العيال اتخضت".

وتابع جمال: "المدرسة قالت إن ممكن الأهالي يرجعوا النهاردا، فهما كانوا متخوفين، وبعدين محدش قدر يسحب ملفات أولاده، إحنا في نص السنة، والمدرسة مش هترجّع فلوس".

ثم قال أخطر جملة: "الناس كلها بتتكلم كأنهم شافوا اللي حصل.. بس لحد دلوقت محدش فاهم الحقيقة".

غادر جمال، وبدأت الأتوبيسات تتحرك، كانت فارغة تقريبًا، مقاعد كثيرة بلا طلاب، ثم غادر جميعها، وبقي أتوبيس وحيد أقلّ مجموعة موظفين قبل أن ينطلق في صمت.

شهادات من محيط المدرسة.. خوف وسخرية وغضب

قررنا التحرك في الشوارع المحيطة لسماع شهادات الناس، وجدنا طالبة بالسنة الأولى بكلية إدارة الأعمال، تدعى "وعد.خ" وتعمل في محل ملابس بأحد الشوارع المجاورة للمدرسة.

وعد قالت بضحكة ساخرة: “كنت جاية أقدّم شغل إداري في المدرسة.. وبعد اللي حصل، قلت أستنى لما الدنيا تهدى!”.

وعلى الطريق الرئيسي، التقينا سيدة تعبر الطريق وبصحبتها طفلتاها بزي مدرسة أخرى. عندما قلنا لها إننا نريد التقديم في مدرسة سيدز، ردت بدهشة: "تقدموا فيها؟! دا الناس بتمشي عيالها! يمكن مش هيدخلوكم أصلًا.. الدنيا هناك مولعة".

أم تسير مع طفلتيها قرب مدرسة سيدز


وخلف المدرسة مخزن أدوية يعمل فيه شاب يدعى "علاء.ع"، اقتربنا منه لعل عنده معلومة عن المدرسة، وحين سألناه طتلفت حوله ثم قال بصوت خافت: "ابعدوا عن المدرسة دي، حصل فيها مع الأطفال اللي مايتقالش".

وأضاف: "النيابة كانت هنا يوم الخميس.. وسمعة المدرسة كانت كويسة جدًا، أول مرة نسمع إن فيها حاجة زي كدا".

انتهت جولتنا بعد نحو 5 ساعات حاولنا خلالها رصد أي تفاصيل حول المدرسة التي أصبحت حديث الناس في الأيام الأخيرة.. لكن لا تزال القضية محل اهتمام وتساؤلات عديدة، ربما تكشف عنها الأيام المقبلة.

ورغم الأصداء الواسعة التي أحدثتها جريمة سيدز ومحاولة “تليجراف مصر” جمع أكبر قدر من المعلومات حول القضية، لم نرصد سوى مخاوف الأهالي وصدمتهم مما حدث مع الصغار بلا رحمة، كأن حالة من التعتيم قد رسمت ملامح المشهد كله، وسط محاولات مستميتة لدفع العملية التعليمية للاستمرار في ظل تغيّب عدد من الطلاب.

داخل التحقيقات.. بداية القصة من “غرفة الرعب”

انفجرت القصة بعدما لاحظت أم فتاة صغيرة تغيّرات مريبة على ابنتها، أخذتها إلى الطبيب الذي أكد وجود "شبهة اعتداء" عليها، فتوجهت الأم إلى قسم الشرطة.. ومن هنا انكشفت المأساة.

وخلال التحقيقات ظهرت حالات أخرى لأطفال من نفس المرحلة العمرية.. جميعهم تحدث عن غرفة مظلمة بجوار غرفة السائقين ومنها جاء اسم: "الغرفة المرعبة".

ألقت الأجهزة الأمنية القبض على ثلاثة عمال نظافة وفرد أمن تتراوح أعمارهم بين 28 و68 عامًا ووجهت لهم تهم التعدي على التلاميذ الصغار، بعد ورود بلاغات متعددة.

شهادات الأطفال تكشف الفاجعة

وكشفت التحقيقات الأولية تفاصيل مرعبة.. طفلة قالت إنها استُدرجت إلى الغرفة المرعبة وتم تهديديها بسكـين، فيما قالت أخرى إن المتهم هددها بعصا خشبية، فيما قال ثالث إنهم جعلوه يعتقد أن ما يحدث مجرد لعبة، أما الجملة الأكثر قسوة فجاءت من طفلة قالت أمام النيابة: "عمو الكبير خدني من الجاردن.. ودخلني أوضة ضلمة.. وقلعني.. ولما عيطت، حط إيده على بُقي وقال إوعي تقولي لحد".

طفلة أخرى تحدثت عن رجل مجهول يرتدي قناع أسود، دخل الغرفة واعتدى عليها، ما يعني أن القضية قد تضم متهمين آخرين لم يتم ضبطهم بعد.

تحركات وزارة التعليم

وزير التربية والتعليم، محمد عبداللطيف، تابع القضية شخصيًا وأصدر قرارات حاسمة تمثلت في وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري الكامل، وإحالة أي مسؤول يثبت تورطه في التستر إلى الشؤون القانونية، وتعديل القرار الوزاري المنظم لعمل المدارس الخاصة والدولية إلى جانب إصدار كتاب دوري جديد لرفع مستوى الأمان، يشمل: تحديث شامل لأنظمة المراقبة، وقصر بعض المرافق على كوادر نسائية فقط، وبرامج توعية للطلاب والمشرفين.

وزير التربية والتعليم، محمد عبداللطيف

أدوار أخرى.. المجلس القومي للأمومة والطفولة

فيما أعلنت رئيسة المجلس القومي للأمومة والطفولة، سحر السنباطي، بدء خطة تأهيل نفسي للأطفال باستخدام أساليب متخصصة للتعامل مع الصدمة والقلق، مؤكدة أن القضية تحمل اتهامات تصل عقوبتها للإعدام.

بعد ضبط المتهمين، اصطحبتهم النيابة إلى المدرسة لتمثيل الجريمة، ثم تم فحص كاميرات المراقبة، والتحفظ على الغرفة التي شهدت وقائع التعدي على الصغار، وتحويل الأطفال للطب الشرعي.

ولاحقًا، تم تجديد حبس المتهمين 15 يومًا على ذمة التحقيقات.

رئيسة المجلس القومي للأمومة والطفولة، سحر السنباطي

مدرسة سيدز الدولية كانت تسوّق لنفسها كمكان آمن، متطور، راقٍ، وقادر على تخريج جيل مميز لكن في أقل من يوم.. تغيرت صورتها بالكامل، انتقلت من "مدرسة لغات راقية" إلى "مسرح جريمة" يخشاه الأهالي وملف تحقيق مفتوح.

اقرأ أيضًا: 

"الأطفال بيحبوه"، والد المتهم الرابع بقضية "تلاميذ سيدز" يدافع عن نجله أمام النيابة

بعد واقعة سيدز، تحريات مكثفة لكشف تفاصيل تحرش سائقي أتوبيس مدرسة بطالبتين في التجمع

search