الأحد، 28 ديسمبر 2025

07:54 ص

إلى أين يذهب الدواء تحديدًا داخل جسمك عند تناوله؟

تناول دواء

تناول دواء

تخضع جميع الأدوية لسلسلة من العمليات منذ لحظة دخولها أجسامنا، وتحديدًا تمر بمراحل الامتصاص والتوزيع والتمثيل الغذائي، وأخيرًا الإخراج، ولكن كيف تعرف هذه الأدوية وجهتها وتأثيرها؟.

في الواقع، بالنسبة لمعظم الأدوية، لا يستطيع العلماء سوى وضع تخمينات مبنية على أسس علمية حول إجابة هذا السؤال.

أين يذهب الدواء داخل الجسم؟

أولًا، يتم امتصاص الدواء، فيدخل مجرى الدم، ومنه يتوزع في جميع أنحاء الجسم حتى يصل إلى موضع تأثيره، أما بالنسبة لذوبانها، فبعضها يذوب في المعدة، بينما يذوب البعض الآخر، وخاصةً المغلف منها، في الأمعاء.

المرحلة التالية لا تزال غامضة، لذا حتى الآن، تستطيع الطرق التقليدية قياس تركيز الدواء في عضو كالكبد، لكنها لا تستطيع تحديد الخلايا التي يرتبط بها بدقة، أو الكشف عن أماكن غير متوقعة لتأثيره.

وصرح البروفيسور لي يي، أستاذ بمعهد سكريبس للأبحاث، والباحث في معهد هوارد هيوز الطبي، قائلاً: "عادةً، بعد دخول الدواء إلى الجسم، لا نملك أي فكرة تقريبًا عن كيفية تفاعله مع هدفه، حتى الآن، كان الأمر أشبه بصندوق أسود".

وقد طور يي وزملاؤه تقنية تصوير رائدة تُظهر الخلايا الفردية التي ترتبط بها الأدوية في جميع أنحاء جسم الفأر.

وفي دراسة نُشرت هذا الأسبوع في مجلة Cell، استخدموا طريقتهم، المسماة vCatch، لرسم خريطة لاثنين من أدوية السرطان الشائعة الاستخدام.

وأظهرت النتائج أن أحد الأدوية يرتبط بشكل غير متوقع بالقلب والأوعية الدموية، ما قد يفسر مخاطره على القلب والأوعية الدموية.

قد يُسهم استخدام هذه الطريقة لتقييم مواقع ارتباط الأدوية الجديدة أثناء تطويرها في تقليل هذه المخاطر.

وتُظهر التجارب السريرية مدى فعالية الدواء في علاج مرضٍ ما، وتُحدد آثاره الجانبية الشائعة، ولكن حتى الآن، لم يكن من الممكن تحديد تأثيره بدقة على كل خلية في الجسم.

اعتمدت طرق تتبع الأدوية السابقة على تمزيق الأنسجة لتحليلها، أو استخدام تقنيات منخفضة الدقة كالآشعة السينية، وفي كلتا الحالتين، لم يتمكن الباحثون إلا من الحصول على فكرة عامة عن الأعضاء التي ينتقل إليها الدواء، وليس تحديد الخلايا بدقة.

في عام 2022، قدم مختبر يي طريقة "كاتش" لتحديد الخلايا بدقة حيث ترتبط الأدوية بأسطح أعضاء مثل الدماغ.

في هذا العمل الجديد، قاموا بتوسيع نطاق هذه الطريقة لتشمل جميع أنحاء الجسم، حتى داخل الأعضاء الأكبر حجمًا كالدماغ والقلب والرئتين.

تعتمد طريقة "كاتش" على الأدوية ذات الروابط التساهمية، التي تُشكل روابط دائمة مع أهدافها. هذه أدوية ترتبط بهدفها البيولوجي (المستقبل، الإنزيم) برابطة كيميائية طويلة الأمد.

وأضاف العلماء جزيئًا كيميائيًا صغيرًا إلى هذه الأدوية قبل حقنها في الفئران، ترتبط الأدوية كالمعتاد، وبعد جمع الأنسجة، عالجها الباحثون بعلامة فلورية وجزيء نحاسي يُتيح تفاعلًا كيميائيًا سريعًا: ترتبط العلامة بجزيء الدواء، كاشفةً بذلك موقعه.

طُوِّر هذا التفاعل الكيميائي الانتقائي للغاية، من نوع "النقر"، الذي يربط المواد الكيميائية معًا كما لو كانت مكعبات ليجو، في معهد سكريبس للأبحاث على يد ك. باري شاربلس، أستاذ الكيمياء في جامعة دبليو إم كيك، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2022 عن هذا الاختراع.

ولكي يعمل نظام vCatch على نطاق أوسع ليشمل جميع أجهزة الجسم، كان على يي وزملاؤه التغلب على عقبة رئيسية: امتصاص بروتينات الأنسجة للنحاس اللازم للتفاعل الكيميائي، مما يمنعه من التغلغل عميقًا في الأعضاء، فقط مواقع ارتباط الدواء على سطح العضو هي التي تظهر متألقة.

بدأ الفريق بمعالجة الأنسجة مسبقًا بكمية زائدة من النحاس لحجب مواقع الارتباط هذه، ثم أجروا ما يصل إلى ثماني دورات من غمر الأنسجة في كل من النحاس والعلامات المتألقة. 

في معظم طرق التصوير، يُولِّد هذا النوع من المعالجة المتكررة ضوضاء خلفية، حيث تبدأ عوامل التصوير بالتراكم في أماكن أخرى غير مواقع ارتباطها المحددة. 

أما في نظام vCatch، فيعمل بفضل الانتقائية العالية للتفاعلات الكيميائية.

وتابع يي قائلا: "إن كيمياء النقر بطبيعتها محددة وفعالة للغاية وهذا يسمح لنا بتشبع النظام بالكامل دون التسبب في آثار جانبية".

ونظرًا لأن التصوير يُنتج عدة تيرابايتات من البيانات لكل فأر، تعاون الفريق مع مهندسين لتطوير قنوات تحليل تعتمد على الذكاء الاصطناعي، قادرة على تحديد الخلايا المرتبطة بالأدوية في جميع أنحاء الدماغ والجسم تلقائيًا.

ولاختبار هذا النهج الجديد، رسم مختبر يي خريطة ارتباط نوعين محددين من أدوية السرطان: إيبروتينيب (إمبروفيكا)، المستخدم لعلاج سرطانات الدم، وأفاتينيب (جيلوتريف)، الموصوف لعلاج سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة.

وأكدت خرائط الجسم الكامل أن أفاتينيب ينتشر على نطاق واسع في أنسجة الرئة، كما هو متوقع، أما إيبروتينيب، فقد أظهر نمطًا أكثر إثارة للدهشة، فهذا الدواء، المعروف بتسببه في اضطرابات نظم القلب ومشاكل النزيف، لا يرتبط فقط بأهدافه في خلايا الدم، بل يرتبط أيضًا بالخلايا المناعية في الكبد وأنسجة القلب والأوعية الدموية، مما يُقدم أدلة حول آثاره الجانبية.

اقرأ أيضًا..

احذر، التدخين الإلكتروني يهدد بصرك

search