السبت، 27 يوليو 2024

09:05 ص

هل يلغي الله النار يوم القيامة؟!

يثير مفتي الديار الأسبق الدكتور علي جمعة حالة من الجدل، بآرائه وفتاويه الحداثية، التي أعتبرها مطلوبة وضرورية، إذ تشجع على التفكير والبحث ومراجعة النفس وإعادة النظر في الفتاوى التي مر عليها دهر.
آخر آراء الدكتور علي جمعة  "أن الله قد يلغي النار ويدخل جميع الناس الجنة"
ويقول خلال برنامجه "نور الدين" الذي يبث على محطات الشركة المتحدة " "وارد إن ربنا يلغي النار في الآخرة ويدخل كل الناس الجنة، وفي علماء كتير قالوا كده، وممكن النار دي تكون معمولة علشان الناس تكون خايفة من عقاب ربنا، فلا يؤذى أحدا.. لازم العلاقة بيني وبين ربنا تكون مبنية على الحب والرحمة".
وأدرك جيداً أن الحديث في هذا الأمر، حتى لو كان تكراراً لما قاله عالم جليل مثل الدكتور علي جمعة، مثل القبض على الجمر، واقتحام لعش دبابير لا ترحم، لكن الرجل لم يخطئ حين أكد أن رأيه ليس حديثاً أو يخصه بمفرده، لكن سبقه إليه مفسرون كثيرون خصوصاً من المتصوفة، الذي يميلون دائماً إلى ضرورة التقرب إلى الله بالمحبة وليس بالخوف من عذابه.
الحديث عن الجنة والنار من جملة أمور تدخل في نطاق غيبيات فٌرض علينا الإيمان بها وفق تفسير نفر ليس بقليل من أهل الفتوى، الذين كفّروا من دونهم، وأصروا على ضرورة عدم الإنصات أو حتى محاول قراءة ما كتبه الآخرون في هذا الشأن!
الاختلاف بشأن حقيقة الجنة والنار، وهل هما مخلوقتان موجودتان بالفعل أم سوف يخلقهما الله يوم القيامة .. اختلاف قائم وموجود مع تقديري لكل من يصبون اللعنات على من يقول ذلك!
وبالمناسبة هناك أسانيد تدعم جميع وجهات النظر، وقراءات متأنية للنص القرآني يستخدمها كل فريق، أي أن الذين ينكرون الجنة والنار ويعبترونهما مجرد صور مجازية استخدمها الله للترغيب وحث الناس على الطاعة، والترهيب من ارتكاب المعاصي والذنوب لديهم أدلة نصية وعقلية على هذا الرأي..
ومن يتمسك بأنهما حقيقتان موجودتان، لديه أدلة تثبت أن الجنة خلقت بالصور التي وصلت إلينا عبر القرآن والسنة لمكافأة المطيعين، بنعيم دائم، يمتلئ بأنهار من عسل مصفى وخمر لذة للشاربين، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، 
كما أنها هناك جحيم خلق للعاصين، طعامهم فيه من زقوم وغسلين يقطع الأمعاء ويغلي البطون، ويشربون ماء كالمهل يشوي الوجوه، وثيابهم من نار ولهم مقامع من حديد.
ويرى البعض أن الحديث في هذه الأمور مجرد سفسطة وجدل فارغ غير مفيد، وهذا في حد ذاته وجهة نظر جديرة بالاحترام، ويمثل القناعة التي أشارككم إياها، فهما كان الرأي المتعلق بهذه الأمور، فإن مردّه إلى صاحبه، ولا يحق لأحد تكفيره أو احتقاره..

فلاسفة ومفكرون يرون أن الجنة والنار حقيقيتان لكنهما موجودتان على الأرض، وهناك بشر يعيشون واقعيا بالصورة التي وصفت بها الجنة، فينعمون برغد العيش، ولديهم كل ملذات النعيم، من الحدائق والأعناب ويحاطون بالكواعب الأتراب "الفتيات صغيرات السن ذوات النهود الممتلئة"، وتمتلئ مشاربهم بالكؤوس الدهاق" الممتلئة بالخمر".
بل أن هناك مدناً تتطابق أوصافها من جمال الطبيعة والأنهار وغيرها مع أوصاف الجنة، ويرى البعض أن العرب الأوائل زاروا هذه البلدان قبل ظهور الإسلام واعتبروها جنة الله على الأرض، ومن ثم جاءت صورة النعيم متطابقة مع أمنياتهم لتشجيعهم على اعتناق الدين الجديد..
لقد أثار الدكتور علي جمعة مسألة مهمة من وجهة نظري متعلقة، أولاً بأهمية التفكير النقدي والمراجعة دون خوف أو تشكك، فأصحاب الفتوى منذ العصور الأولى بشر مثلنا، وبالمناسبة كانت مساحة حرية التعبير والنقد والتفكير في الأمور الدينية خلال مرحلة فجر الإسلام أكبر كثيراً من المساحة الممنوحة لنا حالياً بسبب سطوة رجال الدين في العصور المتلاحقة وحرصهم على احتكار زمام الفتوى لدرجة أوصلت كثير من الناس إلى سؤال هؤلاء المفتين ما إذا كان حراماً حلاقة منطقة البكيني في رمضان من عدمه؟!!
والجانب الثاني المهم، أن الرجل يوجه ضمنياً بضرورة النظر إلى الله بطريقة مختلفة عن نظرتنا إلى البشر القساة الغلاظ ، فالغفور الرحيم الذي ينشر محبته في الكون، لا يفضل بالتأكيد أن نتقرب إليه مجبرين، خائفين من أن نساق إلى جهنم زمراً مقرنين بالأصفاد، سرابيلنا من قطران وتغشى وجوهنا النار، وكلما سقطت جلودنا بدلت بجلود غيرها، نأكل ناراً ونشرب ناراً ونُضرب ونُعذب ونؤخذ بالنواصى والأقدام .. هل الله بهذه القسوة؟!
الله محبة، وتقربنا إليه بحسن عبادته واللطف بالناس والإحسان إليهم هو السبيل إلى رضاه، بعيداً عن الترغيب أو الترهيب..
هذا ما قصده الدكتور علي جمعة حسبما فهمت .. وهو يعبر إلى حد كبير عن قناعتي الشخصية.

title

مقالات ذات صلة

search