الإثنين، 22 ديسمبر 2025

02:39 ص

مصر للطيران.. ليلة صعبة ورحلة مؤلمة!

أزعم أنني أنتمي إلى عشرات الملايين من المصريين الممسوسين بعشق بلادهم، وأجعل لها الأولوية في كل اختياراتي سواء "السفر" إليها لقضاء عطلاتي، أو استخدام ناقلتها الوطنية "مصر للطيران"

مصر للطيران.. يا للفخر والشجن في آن واحد، الشركة الوطنية الأولى في الشرق الأوسط للنقل الجوي، أسست عام 1932 وانطلقت أولى رحلاتها في العام التالي، أي قبل تأسيس كثير من دول هذه المنطقة.

يراني البعض ساذجاً حين أصر على "مصر للطيران"، حتى لو ارتفعت أسعار تذاكرها أحياناً، مقارنة بشركات أخرى رائدة ومفضلة لدى أغلبية المسافرين، لكن هذه قناعة لن أغيرها رغم ما مررت به أخيراً!

لقد تواصل معي أحد موظفي خدمة العملاء من مصر للطيران بالفعل معتذراً بالنيابة عن الشركة بسبب ما تعرضنا لنا أنا وركاب الرحلة 910 التي كان من المقرر أن تنطلق من القاهرة إلى دبي في العاشرة والنصف مساء الجمعة 19 ديسمبر، لكنها أقلعت بعد نحو 10 ساعات كاملة!

وسأكون منصفاً في السرد، لأنني لم أعش التجربة كمجرد شاهد، إذ تدخلت في كل التفاصيل، وتوسطت مع آخرين لاحتواء غضب الركاب خصوصاً غير المصريين، وإقناعهم بالعودة إلى الطائرة بعد ان خرجوا منها غاضبين أو مصابين بانهيار عصبي ثم فزع وخوف من السفر!

بوادر تلك الرحلة بدأت مبكراً حين أرسلت شركة مصر للطيران رسالة عبر البريد الإلكتروني، تنبه ركاب الرحلة بأنها سوف تتأخر عن موعدها المحدد سلفاً لتكون في الواحدة صباح السبت بدلاً من العاشرة والنصف مساء الجمعة.

أدركت لاحقاً أنه كان الصعب على معظم الركاب تدارك ذلك، سواء لعدم تدقيقهم على البريد الإلكتروني، أو لأنهم خططوا سلفاً للحضور إلى المطار، أو لأنهم من ركاب ترانزيت، وسوف يكملون مسارهم إلى وجهات أخرى من دبي!

كنت من الذين تداركوا الموقف، وحضرت إلى المطار في الحادية عشر مساء مستعداً للسفر في الواحدة صباحاً، لكن بعد نصف ساعة فقط تلقيناً إخطاراً آخر بأن الرحلة سوف تتأخر مجدداً إلى الثالثة والنصف صباحاً!

سافرت كثيراً وأدرك أن هذا أمر وارد، خصوصاً في ظل تعرض حركة النقل الجوي عالمياً لنوع من الاضطراب لأسباب عدة منها حالة الطقس أو ربما لظروف تقنية، لذا تفهمت الموقف، وانتظرت قرابة أربع ساعات حتى موعد فتح البوابة ودخول الطائرة.

بدأت المعاناة أمام البوابة، فلم يكن هناك سوى موظف واحد لتسجيل ركاب طائرة كبرى تقل قرابة 300 راكباً، فشعرت أن هناك أمراً ما، إذ كان هناك تباطؤ متعمد كأنهم يحاولون شراء مزيد من الوقت، لكن تفهمت ذلك أيضاً رغم التعب الذي بدأ يحل على الجميع، ونتج عنه نوع من العصبية والتوتر خصوصاً في ظل صراخ الأطفال ومعاناتهم.

عبرنا بوابة التدقيق الأمني الأخيرة، لننتظر في الصالة التي تسبق دخول الطائرة، ومرت الدقائق ثقيلة ومرهقة، وكانت تجلس أمامي سيدة إفريقية تحمل رضيعاً، وبرفقتها أربعة أطفال آخرين لا يتجاوز عمر أكبرهم 4 سنوات، ولم تكن الأم الوحيدة التي تعاني في هذه الظروف.

من وجهة نظري كان من الضروري أن تتدخل الشركة في هذه المرحلة بإرسال موظف لبق أو أكثر يتحدثون إلى الركاب ويشرحون لهم الظروف، ويهونون عليهم إنسانياً على الأقل، ولن أبالغ وأطلب تقديم المياه أو العصائر كما كان يفترض أن يحدث، لكن لم يظهر أحد، وأغلقوا علينا الأبواب واختفوا.

كما توقعت تماماً، انفلتت الأعصاب كلياً، وكان يكفي أن يصرخ راكب واحد، لينفجر الجميع غاضبين، مطالبين بفتح الأبواب، وتصاعد الموقف ليصل إلى درجة السباب، وفي الخلفية أصوات بكاء أطفال فزعين وخائفين!

في هذه اللحظة ارتكبت الشركة من وجهة نظري الخطأ الفادح الثاني، وهو إعلان فتح الطائرة ودعوة الركاب إلى الدخول.

اقتربت من موظف المحطة وحذرته بصوت خافت من مغبة إدخال المسافرين قبل أن تكون الطائرة جاهزة للإقلاع، فأكد لي أنها سوف تطير فور استقرار الركاب في مقاعدهم.

عملية دخول وتسكين الركاب استغرقت قرابة 45 دقيقة، وبينما نبتهل وندعو ونراقب أبواب الطائرة منتظرين إغلاقها، جاءنا صوت الطيار عبر مكبر الصوت، معتذراً عن التأخير فتوقعنا أنه يقصد ما عانينا منه فعلاً، لكن الصدمة أنه كان يعتذر عن تأخير إضافي بسبب تزويد الطائرة بالوقود!

حاول كل منا التخفيف على الآخر، مكررين أنه فات الكثير ولم يبق إلا القليل وسوف تمر هذه الليلة الصعبة، لكن صدمنا بإعلان لاحق، عن أنه يجري حالياً تحميل حقائب السفر، وسوف تتأخر الرحلة مجدداً!

لم يتحمل الركاب المزيد، وانطلقوا خارج الطائرة، صابّين كل الغضب واللعنات على موظف واحد دمث الخلق وحمول، وخرجت الأمور كلياً عن السيطرة!

رغم غضبي الشديد، إلا أنني تمالكت نفسي بعد أن أدركت صعوبة الموقف، وفي ظل خوفي من أن يتم إلغاء الرحلة، وتتكرر معاناتي مرة أخرى، فتبعتهم إلى الخارج، محاولاً تهدئة المسافرين، ومطيباً خواطر غير المصريين.

الموظف أقسم أن المشاكل حلت، وتم تحميل حقائب السفر، وأن الطائرة جاهزة للإقلاع الآن، وطالبنا بإقناع الركاب بالعودة، وكان هذا طلباً صعباً للغاية، فالعقل غاب كلياً، ولم يعد يتحمل الناس حتى محاولات التهدئة، وتراجع الموظفون خطوة إلى الوراء مدركين أنهم خسروا ثقة المسافرين كلياً، وتحملوا -للأمانة- إهانات كثيرة لكنها كانت مبررة!

لا أدعي البطولة أو تبني موقف إيجابي، لكن يمكن لشركة مصر للطيران الرجوع إلى موظفيها الذين حضروا الأزمة وإلى كاميرات المراقبة، وسوف يرون أنني لم أكن محايداً فقط، بل وفقت إلى احتواء الغضب نسبياً، وإقناع غالبية الغاضبين بالعودة، واستمرار الرحلة إلا واحداً أدركت من البداية أنه لن يركب الطائرة لأسباب نفسية وشعوره بأن كل ما حدث سلفاً نذير شؤم، لذا طلبت من الموظفين عزله عن بقية الركاب حتى لا يؤثر على البقية نفسياً، خصوصاً في ظل انتشار شائعة أن هناك خللاً ما بالطائرة.

وبعد إعلان جاهزية الناقلة للطيران، أدركنا أننا أمام أزمة أخرى لم نكن على استعداد لها كلياً، وهي ضرورة إقناع هذا الراكب بالسفر، وإلا سيضطر القائمون على الرحلة إلى البحث عن حقيبة سفره وإخراجها من الطائرة كإجراء أمني لا يمكن تجاوزه أو تفاديه، وسوف يستغرق ساعة أخرى أو أكثر!

انتقلت حالة الغضب التي أصابت الركاب من الشركة إلى المسافر الرافض للدخول، واشتبك بعضهم معه، لكن الرجل لم يكن على استعداد إطلاقاً لتغيير رأيه، وقد حاولت شخصياً إقناعه بطريقة ودية، وأكدت له أن من المستحيل أن تغامر الشركة بإقلاع طائرة غير جاهزة للسفر، لكن لا حياة لمن تنادي!

عدنا جميعاً إلى الطائرة، وانتظرنا فترة طويلة وثقيلة أخرجت فيها جميع الحقائب مرة أخرى، في إطار البحث عن حقيبته، وكلما تململ أحدهم أو حاول إثارة الركاب مرة أخرى، كنا نحرص على احتوائه، وتحويل الموقف كله إلى نوع من الكوميديا السوداء، لدرجة أن حالة من الود سادت بين المسافرين الذين ربطتهم عشرة وتجربة لا يمكن أن ينسوها بسهولة، والحمد لله مرت الرحلة بسلام ووصلنا بعد قرابة عشر ساعات من الوقت الذي كان من المفترض أن نصل فيه!

أؤكد أخيراً أن هذا أمر وارد، وتعرضت لمثله سابقاً، لكن ألوم الشركة على خداع الركاب، وترحيل الأزمة من نقطة إلى أخرى، ورد الفعل البطيء، وعدم اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الراحة لهم كما هو مقرر دولياً في حالة تأخر الرحلات أكثر من ثلاث ساعات!

الكلمة الطيبة من البداية، وشرح صادق لما نواجهه، كانا كفيلان باحتواء الأزمة في مهدها، والحفاظ على سمعة الشركة العريقة، ولعل توثيق ما حدث يساعد القائمين على مصر للطيران في تفادي ذلك مستقبلاً، 
وفق الله الجميع لما فيه خير مصر ومؤسساتها وشعبها.
 

أخبار متعلقة

title

مقالات ذات صلة

search