السبت، 27 يوليو 2024

08:27 ص

خطبة الجمعة.. مأزق كل جمعة

تحت سطوة شمس حارقة، وبينما كانت الشوارع هادئة وساخنة تليق بموجة شديدة الحرارة تضرب البلاد وبالعطلة الرسمية في البلاد، ارتفع صوت مشوش لا تميّز فيه كلمات واضحة من ميكروفون مسجد لخطيب يُلقي خطبة الجمعة، وأنا في طريقي إليها. 

كنت حينها في عملي، لا أتذكر تحديدًا ما السبب وراء تأخري عن الذهاب إلى المسجد بعد أن صعد الخطيب المنبر. 

دخلت المسجد على سؤال الخطيب "كيف تنصر الأقصى؟" ثم إجابته التي جاءت سريعًا "حينما تتحجب النساء" بنبرة جهورية تشبه "الزعيق".

اشتكى خطيب الجمعة -وكل جمعة- من أن غالبية المصلين يأتون متأخرين وفي منتصف أو قرب نهاية الخطبة، وقارن بين استعداد كثيرين لمباراة كرة قدم، يحضرونها منذ البداية وحتى النهاية باهتمام كبير، وراح في الخطبة الثانية يؤنب كل من أتى متأخرًا، وقال بصوت زاعق مُنفر: "يفرطون في شعيرة من شعائر الدين.. يستهينون بالدين ويفضلون اللعب واللهو عن الإسلام"، في رسالة دينية سلبية تحمل بين طياتها مُساءلة 

وإن استطاع لنزل ضربًا في جميع المصليين -من وجهة نظره- الفاسدين المتأخرين الحمقى..

حقيقة، لا أدري لما ألقى هذا الخطيب وغيره من الخطباء اللوم كل اللوم على المصلين وحدهم، ألم يفكر أن العيب قد يكون منه هو، قد لا يتقن علوم الدين وفنون الخطابة وفهم الواقع وفن الإلقاء.

شخصيًا، مللت من خطبة الجمعة، وسئمت من الوجوه الناعسة، وسماع كلام عام متكرر لا يسمن ولا يغني من جوع.. سئمت من اعتبار الناس فاسقون وجهلاء وعلى ضلال.. سئمت المغالاة في تأويل الأحاديث، والإنصات للأحداث التاريخية الأسطورية (غير المنطقية).. سئمت الحديث عن سفاسف الأمور وطريقة سرد عقاب الآخرة.. كرهت طريقة الإلقاء الزاعقة حتى وإن كنا مذنبون وفاسقون «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»..

قديمًا كانت للخطبة دورًا مهمًا في النهوض بالمجتمع، فهي تتميز بالاتصال المباشر بين جمع غفير أسبوعيًا.. والآن أصبحت "روتين" لا قيمة مجتمعية مضافة لها، مجرد مشوار إلى المسجد لجلسة مملة يجتمع فيها عموم المسلمين دون أن يعرف جُلهم حقوق الآخرين، ودون إدراك كثيرين أن الإسلام جاء ليُعلمنا التعامل السليم بيننا «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، قبل أن يُركز على العبادات.

وخطبة الجمعة رافد مهم من روافد أخرى يمكنها درء المفاسد المجتمعية وتقويم أخلاق الناس، بدلًا من مجرد إثبات حضور الخطاب الديني وسط غيابه عن واقعنا ومشاكلنا اليومية، وحتى الآن لم لا نوّظف التكنولوجيا في خدمة الحديث باسم الله؟!

لم لا نبتدع بدعًا حسنة، تزيد قيمة لخطبة الجمعة وتُسهل موضوعها ونقلها للمصلين؟ وقديمًا فعلها سيدنا عثمان بن عفان في الأذان الثاني يوم الجمعة، وسيدنا عمر بن الخطاب بصلاة التراويح في المسجد وقال "نعمة البدعة هذه"، ولا بأس استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ».

فلماذا لا يدخل "البروجكتور" في الخطبة؟ ولماذا لا نستخدم مقاطع فيديو أو إنفوجرافيكس متحرك يشوّق ويجذب اهتمام المصلين ويوضح مفهوم الخطبة؟ 

لماذا لم يستفتِ المسجد أهل منطقته/محافظته فيما يريدون موضوع خطبتهم هذه الجمعة، أو عما تدور موضوعها عبر رسائل "SMS" أو مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر مجموعة واتس آب أو غيرها من الوسائل؟ 

لماذا لا تُعقد دورات منتظمة للخطباء، على أن يلمّ بعلوم الدين ويتقن فنون الاتصال ويتمكن من توصيل رسالة إيجابية غير مشمول مرادفات تحض عن الكراهية أو العنف أو الاحتقار أو البُغض أو التشاؤم، وفي دقائق محدودة؟ 

لماذا لا نقيّم أدائهم بعد كل خطبة لاستبعاد من لا يجيد؟ 

لماذا لم يتم تنظيم أعداد المصلين بحيث لا يستوعب المسجد أكثر مما ينبغي، حتى لا "يفعص" أحد المصلين قدميك أو "يلزق" أحدهم جانبك أثناء استماع الخطبة، خصوصًا أن مصر لا يوجد بها أكثر من المساجد؟ 

التكنولوجيا تخطت حدود مكبرات الصوت والميكروفونات.. ألم يخضع الدين للتفاعلات المختلفة بين البشر؟ 

لا يمكن للدين أن يبقى ثابتًا جامدًا في عالم يتغير باستمرار، بل يجب أن يكون ديناميكيًا قادرًا على التكيف مع احتياجات ومتطلبات البشر في ظل التطور التكنولوجي الهائل، وهو ما يتماشى مع مقولة عباس العقاد في كتابه الله: "ترقى الإنسان في العقائد كما ترقى في العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى". 

وهو أيضًا يتوافق مع ما أقرته المملكة العربية السعودية قبل نحو عامين ونصف وبالتحديد ديسمبر من العام 2021، حين دشّنت مبادرة أسمتها "الحجر الأسود الافتراضي" الهادفة إلى استخدام الواقع الافتراضي (VR) والتجارب الرقمية التي تشير إلى محاكاة الواقع الحقيقي.

طوّروا وواكبوا يرحكم الله..

search