السبت، 27 يوليو 2024

12:57 م

هل البعد عنه نقمة أم غنيمة؟

جميل جدا مجتمع الـ"فيسبوك"، جميل لدرجة تجعلني أكره مارك زوكيربيرج وأمه وأباه وجيرانه وزوجته وموظفيه. وأكره اليوم الذي قرر فيه أن يجمع شمل البشرية المعذبة في مكان واحد ليمارسوا فيه جميع أمراضهم النفسية المجمعة بعناية عجيبة من جميع دول العالم على مختلف ثقافاتهم.

لقد بدأ “الفيس” على استحياء في البداية. كان يدخله عدد محدود، ثم أصبحت أم خضرة بياعة الخضار لها صفحة على “فيسبوك”. هجم الجميع على مختلف أنواعهم على الفيس.. صفحة ببلاش كده.. وأبو بلاش كتر منه.. ثم أصبح الفيس مكانا ممتازا لتبادل السباب والعقد النفسية والنميمة والتكفير المتبادل من النوع الذي يهواه القلب.

أعترف بأنني أسيرة لا تستطيع الفكاك من هذا العالم الافتراضي رغم محاولات عدة للهروب باءت جميعها بالفشل، وذلك بعد أن أصابني وابل من الكلمات الصادمة من بعض من يقرأ لي على صفحتي. يحاول أحدهم أن يثنيني عن رأيي ويتهمني بالجهل لأن “البلوظة” التي في رأسي لا تشبه البلوظة التي ترعرعت في رأس سعادته، أو أن طريقة نشأتي تختلف عن مكان نشأة أخرى، فتتهمني بناءً على تركيبة أخلاقها بالفسق والفجور وعظائم الأمور. 

ولا يخلو الفيسبوك العزيز من مجتمع كامل متكامل من المتحرشين، ألم أقل لكم إننا خلقنا مجتمعنا الكامل بعيوبه ومميزاته، وبالطبع لم ننسَ متحرشيه، أخدناهم معانا بالمرة، فهل توجد مجتمعات مكبوتة بلا متحرشين! قطعا لا.
أهم صنف واجهني في العالم الإلكتروني هو ذاك الذي يرغب في تحديد ما أكتبه وما لا أكتبه على صفحتي، وكأن صفحتي هي العزبة التي اشتراها له السيد الوالد لكي يقضي فيها إجازته الصيفية، ومهما أقنعته أن صفحتي هي عزبتي ومكاني الخاص الذي أزرع فيه شتلاتي وشجراتي وورودي، أو حتى ألقي فيه الحجارة، إلا أنه لا يقتنع وقد يلغي صداقتي لأنني المستبدة الديكتاتورية التي تمارس سلطتها على صفحتها.

كنت أبتعد لمدة يوم حتى أتذكر أن صديقي المريض في حاجة إلى من يدعو له بالسلامة، وصديقتي التي توشك على الطلاق تحتاج من تقطع معها في فروة المتعوس زوجها، وصديقة طفولتي تحتاج أحيانا إلى من يثني على ذوقها في اختيار ألوان شعرها التي تفتكسها كلما شعرت بالملل لدرجة أنها جرّبت يوما اللون الزرعي الذي يضاهي ألوان البرسيم في بهائها.

هل أتركهم يعانون من بعدي، هل أترك صديقي الذي يكتب بعض حكاياته الخرافية التي تضحكني وأبتعد عنه وأكتفي بهذا القدر من الضحكات، لا سأعود من أجل جميع هؤلاء، سأعود فربما يسود العالم بعض السلام النفسي وربما نتعلم أن ندع الخلق للخالق فهو أدرى وأعلم به.

title

مقالات ذات صلة

غزل البنات

22 يونيو 2024 04:39 م

search