لا أفضِّل أن أموت الليلة
كقاتلٍ متسلسل أتحرك في الخفاء، أمشي وحيدًا. ليلًا، أُفضِّل المرور من طرق جانبية؛ لأني لا أحب الشارع الرئيسي. قد أمُر بالصدفة على مكان كنا نشرب فيه قهوتنا سويًا، أو أسمع أغنية لأنغام، أو يتحسس أحدهم مسدسه فور أن يلمح طيفي. لذا أفضل الطرق الوعرة، حيث أشعر بجرعة زائدة من الوحدة، لكنه طريق آمن لا يبادر بالصدفة التي لا أقوى عليها أو يتيح الفرصة للقدر لينال مني.
على العموم لا أفضّل أن أموت الليلة.
في الصباح الباكر، أتأكد من أن خصومي قد خسروا المواجهة مع النعاس، لكن حدسي يخبرني أن هناك من لا ينامون على الإطلاق كما أفعل أنا. أختار المقعد الفردي في عربة قديمة تأخذني إلى مترو الأنفاق. أظن أن هذه العربة كانت تُستخدم لنقل الجنود من جبهة لأخرى وقت الحرب.
أتأمل في وجه الركاب، تُرى من الذي فضح أمري ليلًا وانتظر الصباح لينفذ أوامره؟ أترقب لحظة إطلاق النار على صدري من مسدس طراز HK 45 مزود بكاتم للصوت، لكنه لسبب ما لا يحدث ذلك. أترجل من تلك العربة، أنظر إلى الوراء، تُرى من الذي يتبع خطواتي وينتظر لحظة حاسمة ليسدد لي طعنة في الخفاء ويختفي مثلها. منذ هذه الطعنة أقرر أن أمنحها اسما حركيا، يمعن في تغييبها، وليكن "الآنسة تاء".
في محطات المترو، أغرق في زحام الركاب، وتنتقل مسامعي إلى صوت ناظر المحطة لربما ينطق اسمي ويجبرني على التوجه إلى مكتبه، ليستدرجني وسط حراسة مشددة تمهيدًا لمحاكمتي بتهمة القتل العمد. يبدو أنني قتلت نفسي يومًا ما. نظارتي السوداء تحميني من البكاء أمام أعين الجميع، تستر وجهي وتخفي ملامحه الشاحبة. أراقب المارة من خلالها بشكل جيد، لكن أحيانًا تعيقني دموعي عن هذه المهمة، مما يُرجح كفة خصومي إذا قرروا مداهمتي فجأة. لكنني أقرأ ما تيسر من أذكار الصباح، أعلم أنها حصن المسلم.
في آخر عملية، قررت "الآنسة تاء" اغتيالي، وكانت الأذكار ضمن أسلحتي، وخرجت بفضلها حيًا من المعركة. في طريق العودة، بعد أن استفقت واستجمعت قواي، تحسست الجزء الأيسر في صدري، وجدت يدي ملطخة بالدماء. يبدو أنها خلعت قلبي من مكانه قبل أن ترحل. كنت أرتدي قميصًا أبيض كلفني نصف راتبي وقتها، اشتريته خصيصًا لمقابلتها في موعد غرامي على ضفاف النيل في ساحة فندق هيلتون رمسيس.
لقد وصلت إلى محطتي الأخيرة، تنتظرني ضحيتي داخل كافيه بمنطقة المعادي. لربما علي أن أسرع لإنجاز المهمة قبل أن يفوتني ميعاد بصمة العمل. الواحد منا، حتى لو كان قاتلًا متسلسلًا، فهذا في كفة، واللحاق بالبصمة في كفة أخرى... الرجال على أي حال "غلابة".
اتخذت من بناية قديمة موقعًا مثاليًا لإطلاق رصاصة تخترق واجهة الكافيه الزجاجية وتستقر في صدر الهدف. يفترق الجمع، وأسمع الصرخات، فأغرق وسط الزحام وأذهب للعمل. دموعي لا زالت تُعيقني عن الرؤية، وينزف جرحي هو الآخر، وأريد اللحاق بموعد البصمة. بسرعة، حاولت تضميد جرحي ومسح دموعي. وجهت القناصة ناحية الضحية، لكنها قد اختفت.
أثناء إمعاني النظر والبحث عن الهدف، وجدتها معه على طاولة مستديرة. لا يبدو كعشاء عمل؛ كان يرتدي قميصًا أبيض لكنه غير ملطخ بالدماء، لونه ناصع. من الواضح أنه اشتراه بنصف راتبه خصيصًا لهذا الموعد. قرأت على شفتَيها الورديتين وعدها له بالحب الأبدي "حتى تحترق النجوم وحتى تفنى العوالم". حاولت تحذير ضحيتها ذو القميص الأبيض، لكنه كان غير مبالٍ. رفعت إصبعي عن الزناد وتحولت من قاتل ينفذ إحدى عملياته إلى بطل يحاول منع حدوث الجريمة.
الغريب أنها كانت لا تحمل سلاحًا، وداخل إصبعها "دبلة". مر عصفور شتت انتباهي، فجعل مرمى نظري يتجه إلى المبنى المقابل. وجدت من كان ضحيتي يستعد لإطلاق رصاصة في صدري. يبدو أنني كنت على رأس القائمة، أنا ضحيته وليس هو. استطاع الشارع الرئيسي أن ينتقم مني على سوء ظني، فبادر بالصدفة التي لا أقوى عليها وأتاح الفرصة للقدر لينال مني.
الأكثر قراءة
-
05:28 AMالفجْر
-
06:54 AMالشروق
-
12:41 PMالظُّهْر
-
04:00 PMالعَصر
-
06:28 PMالمَغرب
-
07:45 PMالعِشاء
مقالات ذات صلة
حبيبي الذي علمني شرب السجائر
15 سبتمبر 2024 05:55 م
كنتُ أنتظر عناقًا!
04 سبتمبر 2024 04:27 م
أكثر الكلمات انتشاراً