من الأبواب للدف.. "المسحراتي" مهنة لا تعرف النوم برمضان

مهنة المسحراتي
محمد سامي الكميلي
تُعد مهنة المسحراتي واحدة من أبرز سمات شهر رمضان المبارك، حيث يظهر فقط خلال ذلك الشهر، حاملًا طبلته أو دفّه، مُتجولًا في الشوارع لإيقاظ النائمين وتنبيههم إلى موعد السحور قبل أذان الفجر.
لا يتقاضى المسحراتي أجرًا ثابتًا، بل يحصل على مكافأته من الصائمين أثناء تجوله أو مع اقتراب نهاية الشهر الكريم، أو حتى صباح عيد الفطر.
ورغم تراجع شعبيتها في السنوات الأخيرة، لا تزال مهنة المسحراتي محفورة في ذاكرة الأجيال القديمة، إذ كان جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الرمضانية.
أصل مهنة المسحراتي
يرجع تاريخ مهنة المسحراتي في مصر إلى العصر الفاطمي، وتحديدًا في عهد الحاكم بأمر الله، ويقول الباحث الآثري، الدكتور أحمد عامر، إن هذا السلطان كان يأمر رعاياه بالنوم مباشرة بعد صلاة التراويح، فيما كان يطوف جنوده على المنازل لطرق الأبواب قبل الفجر لإيقاظ الناس للسحور.
ولاحقًا، استخدموا الطبول والدفوف بدلًا من الطرق على الأبواب، ما جعل المهمة أكثر سهولة وأقل إزعاجًا، بحسب “عامر”.
أول مسحراتي في التاريخ
قال الباحث الآثري، إن الوالي عتبة بن إسحاق، يُعد أول من تولى مهمة المسحراتي عام 832 هـ، حيث كان يسير من مدينة الفسطاط حتى مسجد عمرو بن العاص مناديًا: "يا عباد الله تسحروا، فإن في السحور بركة".
المسحراتي في العصر المملوكي
وفي عصر المماليك، برز ابن نقطة، شيخ طائفة المسحراتية، والذي كان المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون.
شهدت المهنة تطورًا كبيرًا في ذلك الوقت، حيث بدأ المسحراتيون باستخدام الطبول الضخمة التي أطلقوا عليها اسم "البازة"، وكانوا يضربون عليها دقات منتظمة قوية تكفي لإيقاظ حيّ بأكمله.
كما أضاف المسحراتيون الطابع الفني إلى عملهم، فأصبحوا يشدون بالأشعار الشعبية والزجل، ما جعل الاستيقاظ على أصواتهم أكثر متعة.
أجر المسحراتي عبر العصور
أوضح “عامر” أن المسحراتي لم يكن له أجرًا ثابتًا، فقد كان يحصل على مكافأته على هيئة حبوب مثل القمح أو الذرة، وتختلف الكمية حسب قدرة المتسحر.
أما الفقراء، فكان المسحراتي لا يطلب منهم شيئًا، بل يؤدي مهمته لوجه الله. مع مرور الزمن، تراجع ذلك التقليد، وأصبح المسحراتي يحصل على المال بدلًا من الحبوب، لكن المهنة فقدت جزءًا كبيرًا من بريقها مع انتشار المنبهات والهواتف الذكية.
المسحراتي في العصر الحديث
مع التطور التكنولوجي، لم يعد الناس يعتمدون على المسحراتي كما في السابق، خاصة أن الكثيرين يسهرون لوقت متأخر في ليالي رمضان.
لكن رغم ذلك، لا يزال المسحراتي يظهر في بعض المناطق، ليس فقط لإيقاظ النائمين، بل أيضًا لإضفاء البهجة على أجواء الشهر الكريم وإحياء أحد تقاليده العريقة.
المسحراتي في الوثائق التاريخية
أظهرت دراسة حديثة، أجراها متحف مطار القاهرة الدولي، أن مهنة المسحراتي بدأت في مصر منذ 12 قرنًا، حيث كان إسحاق بن عقبة، والي مصر العباسي، أول من طاف الشوارع ليلًا لإيقاظ الناس للسحور.
أما في العصر الفاطمي، أصبح هناك شخص معين لتلك المهمة، وكان يُوقظ الناس بدق الأبواب من خلال عصا يحملها.

وفي العصر المملوكي، أسس ابن نقطة طائفة المسحراتية، وبدأ استخدام الطبلة لإضفاء طابع أكثر تنظيمًا على المهنة، مع إضافة الأشعار والابتهالات الدينية التي ميزت المسحراتي وجعلت صوته جزءًا لا يُنسى من أجواء رمضان.
المسحراتي.. بين الماضي والحاضر
رغم تراجع دوره في العصر الحديث، إلا أن المسحراتي لا يزال حاضرًا في وجدان الناس، يرمز لذكريات رمضان الجميلة، ويمثل تقليدًا أصيلًا يُعيدنا إلى زمن كانت البساطة فيه سيدة الموقف، وكان صوت الطبلة وصدى الأهازيج كفيلًا بأن يُوقظ المدن بأكملها استعدادًا لوجبة السحور.

الأكثر قراءة
-
وفاء في المطار وهبة قفلت الحساب".. منشور لـ أحمد مهران يشعل "السوشيال ميديا"
-
بعد مرور شهر.. حقيقة تفعيل قانون الإيجار القديم اليوم
-
بائعة الفسيخ والأردنية وفتاة قمرون.. جيوش الزومبي | خارج حدود الأدب
-
"اتعاملوا معاها كرقم في جدول العمليات".. رسالة مؤثرة من خالة نورزاد ضحية الإهمال الطبي
-
غاز CO2..ما السبب الحقيقي وراء انفجار حفل رمضان؟
-
نتيجة تنسيق المرحلة الأولى 2025.. الموعد والرابط الرسمي
-
بنت تنظيم الإخوان.. كابتن إيلا تحرض على الفلسطينيين نهارًا ووالدها يسب مصر ليلا
-
انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم في سوهاج يوقع 10 مصابين.. و"الحماية المدنية" تتدخل

أخبار ذات صلة
بطون غزة جائعة وإسرائيل تستخدم خدعة "الهدن الإنسانية" لمواصلة القصف
02 أغسطس 2025 12:24 م
"كان عاملها حصّالة".. استخراج 6500 جنيه من بطن مريض بقصر العيني
02 أغسطس 2025 11:30 ص
صفقات الأسلحة الفاسدة.. "الناجي الوحيد" من 10 لاعبين في الزمالك
31 يوليو 2025 03:37 م
بين الظلام والظمأ.. كيف قضى سكان الجيزة 48 ساعة عصيبة؟
30 يوليو 2025 04:55 م
اعتراف بريطاني محتمل بفلسطين.. خطوة رمزية أم بداية تغيير؟
30 يوليو 2025 03:46 م
عسل والشربيني والشوربجي.. أبطال في الإسكواش وأزمات خلف الكواليس
29 يوليو 2025 10:39 ص
21 شهرًا من الدعم المصري.. القاهرة في قلب قضية غزة
28 يوليو 2025 04:32 م
ما هو معبد إيكوين؟ الذي زاره صلاح رفقة بعثة ليفربول
28 يوليو 2025 09:17 م
أكثر الكلمات انتشاراً