فرانشيسكو أتشيربي.. المدافع الذي سجل هدفا في الحياة قبل برشلونة

فرانشيسكو أتشيربي، المدافع الذي سجل هدفًا في الحياة قبل كرة القدم، ففي مباراة نصف النهائي التاريخية بين إنتر ميلان وبرشلونة بنصف نهائي دوري أبطال أوروبا، اللاعب الأكبر سنا في الملعب هو بطل القصة.

تحدى فرانشيسكو أكيربي غريزته الدفاعية، ليحول تأخر إنتر ميلان المثير في الدقيقة 93 إلى تعادل قاتلن ويجبر برشلونة على اللجوء إلى الوقت الإضافي.

نعم، سجل ديفيد فراتيسى هدف الفوز ليحجز مكان العملاق الإيطالى في نهائي دوري أبطال أوروبا، لكن الهدف الرائع للمدافع المخضرم أتشيربي هو من أنقذ الفريق.

وُلِد فرانشيسكو أتشيربي في ضواحي ميلانو في فبراير 1988، وهو الآن على بُعد 90 دقيقة من قيادة النيراتزوري إلى المجد الأوروبي.

لا صخب ولا أضواء

بدأ أتشيربي مسيرته في دوري الدرجة الثالثة الإيطالي مع بافيا في عام 2006، كما شارك في دوري الدرجة الرابعة الإيطالي شبه الاحترافي على سبيل الإعارة مع ريناتي.

وتمت إعارته إلى فريق الشباب بنادي سبيزيا قبل أن ينتقل بشكل دائم إلى فرق ريجينا ثم لعب لأنديةجنوة وكييفو، حيث ظهر في النهاية لأول مرة في الدوري الإيطالي.

في عام 2012، تعاقد معه نادي ميلان الإيطالي، ولكن بعد 6 أشهر فقط من القتال من أجل الحصول على دقائق اللعب، تم بيعه إلى جنوة، الذي أعاده على الفور إلى كييفو.

ولم يكن أتشيربي مستقراً إلا بعد انضمامه إلى ساسولو في عام 2013، إذ قضى 5 مواسم هناك ثم 4 مواسم مع لاتسيو.

انضم في البداية إلى إنتر على سبيل الإعارة في موسم 2022-23، إذ التقى مجددًا بمدرب لاتسيو السابق سيموني إنزاجي وجعل الانتقال دائمًا في الصيف التالي.

رفع هذا الانتقال رصيده إلى 14 فترة قضاها مع 10 أندية مختلفة، وفي لحظة لا ينساها أتشيربي هدفًا مهمًا برأسه ضد غريمه اللدود وفريق السابق ميلان في أبريل 2024.

وساعد ذلك النيراتزوري على الفوز 2-1، ليتوج بلقبه بطلا للدوري الإيطالي للمرة العشرين.

ورغم خسارة إنتر ميلان أمام مانشستر سيتي بهدف في نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، نال أتشيربي إشادة كبيرة بعد أدائه في نهائي دوري أبطال أوروبا، بعدما نجح في إبقاء إيرلينج هالاند هادئًا بعيدًا عن التهديف.

المرض اللعين

كانت التحديات الأصعب التي واجهها أتشيربي بعيدة عن كرة القدم، بعدما توفي والده خلال الفترة القصيرة التي قضاها في ميلان، مما أدى إلى إصابته بالاكتئاب الذي دفعه إلى اللجوء وحتى الاعتماد على الكحول للقضاء على الألم والمعاناة.

وحين انتقل مع ساسولو في عام 2013 في بداية الموسم التالي، تم تشخيص إصابة أتشيربي بسرطان الخصية، وأظهر الفحص الطبي الدوري نتائج غير عادية لتحليل الدم، وخضع على الفور لعملية جراحية لإزالة الورم.

ولكن بعد عودته إلى التدريب والمنافسة، فشل في اجتياز اختبار الكشف عن المنشطات، ونفى أتشيربي تناول أي عقاقير محظورة لتعزيز الأداء، واتضح أن مستويات الهرمون غير المنتظمة كانت بسبب عودة السرطان مرة أخرى.

ونتيجة لذلك، خضع المدافع للعلاج الكيميائي لمدة شهرين في بداية عام 2014، لكن النجم الإيطالي يؤكد أن السرطان "أنقذه" من الاكتئاب وإدمان الكحول.

وأوضح لصحيفة "لا ريبوبليكا" في عام 2019: “بعد وفاة والدي، عندما كنت ألعب مع ميلان، وصلت إلى الحضيض، كأنني نسيتُ كيف ألعب، أو لماذا ألعب، بدأتُ أشرب، وصدقوني، كنتُ أشرب أي شيء”.

“قد يبدو الأمر مفارقة كبيرة، لكن السرطان أنقذني. كان لديّ شيء جديد أحاربه، وحدود عليّ تجاوزها”.

“كان الأمر كما لو أنني بدأت حياتي من جديد، ورأيت العالم بطريقة نسيتها تمامًا، توقفت عن الشعور بالخوف”.

"كنت أفكر في نفسي: ماذا ستفعل إذا عادت؟ فأجبت: سأواجهها مرة أخرى".

“كان العلاج الكيميائي بمثابة دخول عالم آخر، مدخله أقرب مما تتصور، فلا تفارقه أبدًا، إنه عالم من الألم والشجاعة”.

“أعتقد أن إصابتي بهذا المرض قد حسنت شخصيتي، وألغت الندم والأسى على الحياة”.

“أصبحتُ مُراقبًا لما يحيط بي، تخلصتُ من كل ما هو غير ضروري، ومن السلبيات، ومن الأوهام أيضًا. توقفتُ عن الأحلام الكبيرة، وبدأتُ أُركز على أهداف بسيطة”.

بطل اليورو

المثير للدهشة أن أتشيربي شارك لأول مرة مع المنتخب الإيطالي الأول في نفس العام الذي خضع فيه للعلاج الكيميائي.

ولم يكن أتشيربي لعب سوى مباراتين مع إيطاليا، واحدة في عام 2016، وأخرى في عام 2018، قبل أن يعيده روبرتو مانشيني إلى التشكيلة الأساسية في عام 2019.

ورغم أن أتشيربي لم يكن أبدا من أعظم المدافعين الإيطاليين على مر التاريخ مثل باولو مالديني، وفابيو كانافارو، وليوناردو بونوتشي، وجورجيو كيليني وغيرهم، لكنه حصل على أعلى وسام استحقاق في إيطاليا بعد أن كان جزءًا من تشكيلة الفريق المتوج ببطولة أوروبا 2020.

صنع أتشيربي هدف الفوز في الوقت الإضافي ضد النمسا في دور الستة عشر، وغاب عن التشكيل الأساسي في ربع النهائي ونصف النهائي والنهائي، إذ تغلبت إيطاليا على إنجلترا بركلات الترجيح.

أتشيربي الذي لعب 34 مباراة دولية، ابتعد عن المشاركة مع إيطاليا بعد مزاعم بأنه أدلى بتعليقات عنصرية لخوان جيسوس لاعب نابولي خلال مباراة في الدوري الإيطالي.

رفض قاضي الرياضة في الدوري الإيطالي القضية، مشيرا إلى عدم وجود أدلة، وأفلت أتشيربي من العقاب، وهو القرار الذي أثار غضب نابولي.

دراما برشلونة

تصدر أتشيربي عناوين الصحف بعد هدفه في مرمى برشلونة، بعد 4 أشهر من زواجه من كلوديا سكارباري، والدة ابنتيه.

وكما يفعل هاري ماجواير مع مانشستر يونايتد ضد ليون، تقدم أتشيربي إلى الأمام في محاولة يائسة لتسجيل هدف في مرمى برشلونة ويصعد بالأزرق والأسود إلى النهائي.

والمثير في الأمر، أن هذا الهدف كان الأول في مسيرته على المستوى القاري في ظهوره رقم 66 في دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.

احتفال أتشيربي، يمثل صرخة لرجل هزم السرطان مرتين، وانتصر على الاكتئاب والكحول والموت نفسه.

إنها قصة لاعب نجا من كل شيء، وحارب المرض، ثم عاد من الموت ليسجل في الدقيقة 93 هدفًا لا يُنسى ضد برشلونة، هدفٌ قاد إنتر ميلان إلى نهائي الأحلام على ملعب أليانز أرينا في ميونخ، ونهائي قد يكون محطة الختام لقصة لا تُصدق.

في عالم تُكتب فيه القصص الخيالية بالحبر، كتب فرانشيسكو أتشيربي قصته بعرقٍ ودموع، وبانتصار على السرطان والموت والماضي، وها هو يطرق أبواب المجد الأوروبي.