السبت، 10 مايو 2025

10:13 م

 د. مروى عادل أستاذ بكلية الطب جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
A A

معاقبة ضحايا التحرش: بين تأخر العدالة والخوف من الفضيحة

في مشهد مؤثر ومؤلم، يبرز طفل من دمنهور وأمه في عناوين الأخبار، ليس بسبب حدث سعيد، بل بسبب قضية تحرش أو هتك عرض- أيا كان المسمى القانوني- لتثير مشاعر الإنسانية. 

لا يزال ضحايا التحرش الجنسي يواجهون العقاب بدلاً من الحصول على العدالة. لقد تجرّأ هؤلاء الأفراد على كسر حاجز الصمت، لكنهم اصطدموا بجمود قانوني ومماطلة من الجهات المعنية، بالإضافة إلى مجتمع يخشى “الفضائح” أكثر من صمت الجريمة.

بدلاً من أن يتلقوا الدعم والمساعدة، يُعامل الضحايا وكأنهم مجرمون، سواء كانت الضحية امرأة أو طفلاً. تخيّل رد فعل أم الضحية عندما تسمع عبارة مثل "أنتي عايزة إيه من المتهم؟"، وفي حالات الفتيات، يتجمع "الشهود" ليقولوا "هتضيعي مستقبله"، وغالباً ما يتم تهريب المتحرش.

تأخير التحقيقات يُعد إهدارًا للعدالة، فالأخطر من الجهل هو البطء النظامي. في العديد من الحالات، تتأخر التحقيقات لأسابيع أو حتى أشهر، وخلال هذه الفترة تُفقد الأدلة، ويعاني الضحايا من ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة. وفي هذه الأثناء، يبقى الجاني طليقاً، وقد يستغل غياب الحماية للضغط على الضحية أو تهديدها مرة أخرى.

إن هذا التأخير لا يُعتبر جهدًا بلا جدوى، بل هو وسيلة فعالة لإجبار الضحية على الاستسلام. فالإجراءات المطوّلة تضع العديد من الضحايا أمام خيارين مؤلمين: إما الصمت أو التعرّض لمزيد من الأذى.

هل الفضيحة أكبر من الجريمة؟ ربما يكمن التحدي الأكبر ليس في الجريمة ذاتها، بل في كيفية استجابة المؤسسات والأسر لها. تحت شعار "منع الفضائح"، تُغلق القضايا، ويُطلب من الضحايا التنازل عن حقوقهم، مما يمنح الجناة فرصة جديدة، ويتيح لهم العودة إلى ارتكاب الجرائم.

وبذلك، يصبح "الشرف" بمثابة درع يحمي الجناة، بينما يُعاني الضحايا من العار والذنب والوصمة الاجتماعية، وأحياناً حتى من العقوبات الإدارية أو القانونية.

تتجلى العواقب في حياة مليئة بكابوس لا ينتهي، حيث يبقى الضحايا صامتين بسبب الخوف ودفاع المجتمع عن المتحرشين، فضلاً عن عدم فعالية تطبيق القانون. كل قضية تُغلق دون تحقيق العدالة تفتح المجال لعشرات الجرائم غير المعلنة. إن أي صمت تجاه السلوك الإجرامي يُظهر أن التحرش "مقبول طالما لم يُكشف عنه".

ماذا نحتاج؟

  • تسريع عملية التحقيق في قضايا التحرش وتوفير الحماية للضحايا منذ البداية.
  • سنّ قوانين واضحة تجرّم كافة أشكال التحرش، ولا تترك أي ثغرات قانونية.
  • إلزام المؤسسات التعليمية والمهنية بوضع سياسات واضحة لمكافحة التحرش والتعامل مع الشكاوى بشفافية.
  • تمكين الضحايا نفسيا وقانونيا وتوفير الدعم المجتمعي المناسب.
  • محاسبة أي متواطئ يظل صامتًا أو يضغط على الضحايا للتخلي عن أفعاله

ختاماً... إذا كان الخوف من الفضيحة أقوى من الرغبة في العدالة، فإننا لا نواجه مشكلة قانونية فحسب، بل خللاً أخلاقيًا واجتماعيًا عميقًا. لقد حان الوقت لإعادة تعريف الشرف، بحيث لا يصبح مجرد غطاء للجريمة، بل الوقوف إلى جانب الضحايا، وتحقيق العدالة، وردع الآخرين.
ولا يسعنا إلا أن نقدم التحية ليس فقط لأم طفل دمنهور، لكن لكل أم و لكل ضحية قرّرت بقلبها المكسور وإصرارها القوي أن تقود في رحلة صعبة بمفردها لتقديم المتهم إلى العدالة.
 

search