الإثنين، 19 مايو 2025

09:35 م

حسن راشد
A A

محاكمة تيك توك

“كبسوا.. ابعتوا أسد في اللايف”، قد تكون هذه العبارات، وما يشبهها من تحديات ومقاطع متكررة، هي الصورة الذهنية الراسخة لدى شريحة كبيرة عن تطبيق “تيك توك”، ومنهم كنتُ أنا حتى وقت قريب.

لا أخفيكم أن دخولي إليه كان بمحض الصدفة، بعد أن أقنعني صديق أخي بأنه لا يقتصر على المحتوى السطحي، بل يضم أيضًا محتوى هادفا ومتنوعا، ويمتلك محرك بحث يفوق التوقعات، ومع مرور الوقت، وبحكم عملي، بدأت تتشكل لدي رؤية أعمق تجاه المنصة.

منذ ظهوره، أصبح "تيك توك" مادة دسمة للجدل، ومنصة تُحب وتُكره في الوقت ذاته، وسط تحذيرات وتشكيك مستمر في نوايا خوارزمياته، حيث يراه البعض مصدر تهديد ثقافي وأمني، لكن وسط هذا الضجيج، يغيب سؤال جوهري: هل نحاكم تيك توك بعدالة؟ أم أنه "مفترى عليه"؟.

أحد أبرز أسباب الهجوم على “تيك توك” هو خوارزميته التي تروى عنها الأساطير، وأنها تقرأ تفضيلات المستخدمين كأنها تنبؤات، ويروج أنها تسيطر على العقول، وتؤدي إلى الإدمان، لكن الحقيقة أن معظم المنصات – من فيسبوك إلى يوتيوب – تعتمد على نفس المبدأ: "أبقِ المستخدم أطول وقت ممكن".

لكن الفارق أن “تيك توك” كان أكثر صراحة وجرأة في الاعتراف بهذا النموذج، وتحذير وتشجيع المستخدمين على أخذ فترات من الراحة، ما جعله في مرمى الانتقادات، وهو أمر يذكرنا كيف يتم أحيانًا "شيطنة" الابتكار لمجرد أنه سبق الآخرين بخطوة.

في زمن كانت الشهرة محتكرة للنخبة، جاء “تيك توك” ليقلب المعادلة.. شاب في قرية نائية يمكنه الوصول إلى ملايين دون امتلاك استوديو أو كاميرا احترافية، لتعيد المنصة تعريف "الشهرة" و"القيمة"، فهل من العدل اتهامها بالسطحية فقط لأن بعض محتواها تافه؟ هل نلوم السكين لأنه يُستخدم للطهي وأحيانًا للجريمة؟.

نعم، هناك مخاوف مشروعة بشأن خصوصية المستخدمين.. لكن، ألسنا نستخدم فيسبوك، وإنستجرام، وجوجل، رغم سجلاتها الممتلئة بانتهاكات الخصوصية؟، فلماذا يعامل “تيك توك” كأنه الخطر القادم من الشرق، بينما تُغض الأبصار عن انتهاكات "سليكون فالي"؟.

يرى البعض أن “تيك توك” يُفسد الشباب، لكن الحقيقة أنه لا يخلق المحتوى، بل يعكس ما يطلبه الجمهور، فالمشكلة ليست في المنصة، بل في الثقافة التي سمحنا بتشكلها دون وعي.. “تيك توك” مرآة حادة، لكنها تظل مرآة فقط.

ليس من العدل تحميل "تيك توك" وزر من استغلوه لـ"التسول الرقمي"، أو الذين اختاروا طريق الإثارة الرخيصة بحثًا عن الربح السريع، في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية خانقة، فالمحتوى الذي نراه ليس اختراع المنصة، بل هو انعكاس صريح لحالة مجتمعية تعاني اختلالات أعمق.

نلوم عليه تغيير مفاهيم أطفالنا، وننسى أننا من تركناهم للفضاء الإلكتروني دون رقيب، وتحايلنا على قوانينه التي لا تتيح الدخول لمن دون 13 عامًا، ولا يمكن فتح “اللايف” إلا لمن يتجاوز 18 عامًا.

“تيك توك” ليس ملاكًا، لكنه أيضًا ليس شيطانًا.. إنه ببساطة نتيجة طبيعية لزمن رقمي سريع، ومتغير، وبدون قواعد واضحة، وربما بدلًا من مهاجمته يجب فهمه، وترشيد استخدامه، وتعليم أبنائنا كيفية التعامل معه، فالحقيقة، أن كثيرًا من "الافتراء" عليه هو نوع من الهروب من مسؤولياتنا.

search