أكثر من وثائق كوهين.. ماذا قدم الشرع للتطبيع مع إسرائيل؟

كان طلب واشنطن الأبرز على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائه القصير مع نظيره السوري أحمد الشرع، هو الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية، ولكن الحقيقة أن كلا من دمشق وتل أبيب قطعتا بالفعل العديد من الخطوات في قطار التطبيع.

بدأ المشهد السوري الإسرائيلي بعد سقوط نظام بشار الأسد، عبر تصاعد الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا،كما احتلت قوات برية إسرائيلية أراضي في جنوب غرب سوريا، بينما ضغطت الحكومة الإسرائيلية على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا لامركزية ومعزولة.

صرحت إسرائيل بأنها تهدف إلى حماية الأقليات السورية، بينما رفضت سوريا الضربات ووصفتها بأنها تصعيدية، وقد أكد الشرع الأسبوع الماضي وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بهدف تهدئة التوترات.

شروط أمريكية

جاءت خطوات التطبيع بضغط من البيت الأبيض، حيث قدمت إدارة ترامب سلسلة من المطالب - بما في ذلك الانضمام إلى اتفاقيات الإبراهيمية، وطرد الفصائل الفلسطينية والأجانب.

وشملت الطلبات الأمريكية تحمُل مسؤولية مراكز احتجاز داعش في شمال شرق سوريا، والمساعدة في منع تعزيز التنظيم، وأظهر  الرئيس السوري انفتاحًا غير مسبوق تجاه واشنطن ودعا الشركات الأمريكية للاستثمار في النفط والغاز السوريين.

الشرعية ورفع العقوبات مقابل التطبيع

وتحدثت الدكتورة كارميت فالنسي، الباحثة الرئيسية ورئيسة قسم سوريا في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه بعد إطاحة نظام الأسد، يبدو أن الرئيس السوري الحالي  خضع لنوع من عملية "التبييض"، ومن خلال وساطة أردوغان، بدأ بمغازلة الغرب، الأمر الذي بلغ ذروته في اجتماع مع رئيس الولايات المتحدة خلال زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط في ولايته الحالية. 

ويعد رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا أهم أهداف الشرع من التطبيع، حيث تقول فالنسي إن “تأثير الحرب الأهلية على الوضع الاقتصادي في سوريا كبير، إنها دولة مُدمرة، دُمِّر أكثر من 50% من بنيتها التحتية الأساسية، وتعاني من معدلات بطالة مرتفعة للغاية، ويعيش أكثر من 90% تحت خط الفقر، ويعاني نقصًا حادًا في السلع الأساسية، حتى في دمشق، العاصمة، لا تتوفر الكهرباء إلا لساعات قليلة، بسبب نقص الطاقة”. 

وأوضحت الباحثة الإسرائيلية، في دراسة صادرة عن المعهد، أن الوضع الاقتصادي صعب للغاية، والأسعار مرتفعة، وقيمة الليرة السورية في أدنى مستوياتها على الإطلاق في السنوات الأخيرة، لذا، فإن رفع العقوبات، وهو أمرٌ عمل عليه الشرع وجماعته منذ اليوم الأول لوصولهم إلى السلطة، يُمثل فرصةً مهمةً للتغيير الاقتصادي في سوريا، مبينة أنها عقوبات حالت دون أي قدرة على الاستثمار الاقتصادي في سوريا.

وأشارت فالنسي إلى أن الخبراء يُقدِّرون أن إعادة إعمار سوريا من دمار الحرب سيستغرق ما يقرب من 50 عامًا، بتكاليف تتراوح بين "250-3000 مليار دولار، وهذا سيستغرق بعض الوقت، ومن المرجح أن يكون للدول التي ستلعب دورا كبيرا في إعادة الإعمار الاقتصادي، دول الخليج - قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبالطبع تركيا، التي ربما تكون اللاعب الأكثر أهمية في سوريا اليوم.

غصن الزيتون السوري

وبدأت المبادرات السورية تجاه واشنطن بإيصال رسالة مفادها بأن دمشق لا تشكل أي تهديد لإسرائيل، وهو ما أعلن عنه الناشط الأمريكي المقرب من ترامب الذي زار سوريا جوناثان باس، بأن الشرع طلب منه نقل رسائل بين سوريا وإسرائيل، قائلاً: “الشرع أرسل غصن زيتون للإسرائيليين، وأرسلت إسرائيل الصواريخ”، في إشارة إلى استئناف إسرائيل الضربات الجوية على سوريا، بما في ذلك ضربة بالقرب من القصر الرئاسي، 

لقاءات سرية ووساطة إماراتية

وكشفت صحيفة “معاريف”، أن القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع كثفت خلال الشهرين الماضيين نشاطها الدبلوماسي لتوسيع قنوات الاتصال مع إسرائيل، ويأتي ذلك في إطار مساعيها للنأي بنفسها عن الصراعات الإقليمية، بالتوازي مع الانفتاح الأمريكي الكبير الذي تجسد في قرار الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا .

وبحسب التقرير، فإن المحادثات السورية الإسرائيلية جرت على مراحل مختلفة: بعضها في الإمارات العربية المتحدة بوساطة أبو ظبي، وبعضها في لقاءات مباشرة في تل أبيب، حيث زارها وفد أمني سوري في نهاية أبريل الماضي.

 وعقدت اجتماعات إضافية في باكو، عاصمة أذربيجان، حيث تجري محادثات أيضاً بين تركيا وإسرائيل بشأن حدود نفوذهما في سوريا، وعقدت في الأردن محادثات أمنية مباشرة ناقشت إمكانية إنشاء منطقة عازلة إسرائيلية واسعة في جنوب سوريا.

وجاء هذا اللقاء في سياق مشاورات أوسع بين إسرائيل وتركيا حول الملف السوري، حيث اجتمع الوفد الإسرائيلي، بمن فيهم رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، مع مسؤولين أتراك رفيعي المستوى قبل لقائهم بالمسؤولين السوريين. 

ويشير التقرير إلى أن الشرع "تجاهل" مرتفعات الجولان والمناطق الجديدة التي سيطرت عليها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد، والتي تغطي مساحة تقدر بنحو 600 كيلومتر مربع (حوالي 1% من مساحة سوريا).

تسليم وثائق إيلي كوهين

وكانت أبرز ثمار التقارب السوري الإسرائيلي، موافقة القيادة السورية على تسليم وثائق ومتعلقات شخصية تعود للجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين إلى إسرائيل، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة لرويترز. 

تأتي هذه المبادرة، التي قيل إنها تهدف إلى تخفيف حدة التوتر وإظهار حسن النوايا تجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سياق تحركات إقليمية أوسع.

وكشف مصدر أمني سوري، ومستشار للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وشخص مطلع على المحادثات السرية بين البلدين، أن أرشيف المواد عُرض على إسرائيل في مبادرة غير مباشرة من الشرع لتهدئة التوتر وبناء الثقة لدى ترامب، ولم يصدر أي تعليق فوري من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو المسؤولين السوريين، أو البيت الأبيض بخصوص دور سوريا في حصول إسرائيل على متعلقات كوهين.

ولم توضح إسرائيل علنًا كيفية حصولها على الوثائق والمقتنيات، مكتفية بالقول إنها نتيجة "عملية سرية ومعقدة للموساد بالتعاون مع جهاز مخابرات أجنبي حليف". 

وقد أشاد الموساد باستلام متعلقات كوهين، التي احتفظت بها المخابرات السورية لمدة 60 عاماً، ووصف ذلك بأنه "إنجاز أخلاقي رفيع"، خاصة وأن إسرائيل تسعى منذ مدة طويلة لاستعادة رفاته ودفنه في إسرائيل.

إعادة تأهيل الشرع

ولم تقتصر علاقة الشرع مع الغرب على المستوى السياسي ولكن تعدت ذلك لمرحلة إعداد الشرع نفسه لعالم السياسة، إذ أثار السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، جدلًا واسعًا بعد كشفه في محاضرة عن لقاء جمعه بأحمد الشرع، الرئيس السوري الانتقالي، في إطار "محاولة غير معلنة لتحويله من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة". 

وأوضح فورد أن مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل الصراعات دعته عام 2023 للمساعدة في عملية إعادة تأهيل الشرع. 

ويوضح السياسي السوري السرياني، جوزيف لحدو، أن الشرع ماضٍ في الاتفاقيات الابراهيمية من أجل ترسيخ عملية التطبيع والسلام، والتي تحتاجها سوريا في الوقت الراهن بعد تدمير معظم مقدرات الدولة السورية خلال عصر الأسد.

واكد لحدو ،في تصريح لـ"تليجراف مصر"، أن بالنسبة للجولان لم يتطرق إليه أحد، وكل الجهود تصب في موضوع فك الحصار عن سوريا وكيفية إعادة بنائها من جديد وطبيعة النظام الذي سيتشكل في سوريا.