خوسيه ريبيرو.. النمر الذي دخل القفص الأفريقي وخرج ملكًا متوجًا

على الرغم من المخاوف التي أثارها تعيينه من قبل الجماهير، إلا أن خوسيه ريبيرو مدرب أورلاندو بايرتس السابق المنتقل حديثا للأهلي، أثبت أنه من أعظم مدربي كرة القدم في جنوب أفريقيا.  

اتخذ ريبيرو من فيلم الفنون القتالية "Crouching Tiger, Hidden Dragon" الحائز على جائزة الأوسكار، ويشتق عنوانه من المثل الصيني “وو هاو كانج لونج”، نهجا له، إذ تتحدث هذه العبارة عن موهبة خفية، تشبه إلى حد كبير نمرًا كامنًا في الظلال مستعدًا للانقضاض، أو تنينًا يختبئ في كهف، هذا المثل الصيني هو الوصف الأمثل لكيفية تطور ريبيرو، منذ وصوله إلى جنوب أفريقيا في عام 2022. 

وباعتباره مدربًا غير مشهور اكتسب خبرته التدريبية المحدودة في إسبانيا ثم فنلندا، فقد أثار تعيينه بطبيعة الحال بعض الدهشة. 

تعامل ريبيرو مع هذه التعليقات الساخرة حول قدراته برشاقة نمر، وأسكت جميع منتقديه، وحصد الآن خمس بطولات كبرى منذ توليه منصبه، ومن ثم انتقل لتدريب النادي الأكبر في القارة السمراء.

ويستعرض “تليجراف مصر” قصة الإسباني خوسيه ريبيرو مدرب الأهلي الجديد كالتالي:

مدرب مغمور

وُلِد ريبيرو في جاليسيا بإسبانيا، وبدأ مسيرته التدريبية في سن مبكرة، حيث تولى قيادة أول فريق كبير له، نادي تايس، في الدوريات الإقليمية بعد فترة وجيزة. 

وبعد 3 سنوات من توليه مسؤولية الفريق، أمضى موسمين كمساعد ومدرب لفئات الشباب في نادي رابيدو دي بوزاس قبل أن يعود إلى تايس.

في عام 2010، عُيّن ريجيرو مديرًا فنيًا لنادي مونداريز في دوري الدرجة السادسة، ونجح في تحقيق الصعود إلى دوري الدرجة الأولى في موسمه الأول،وخلال فترة إدارته للنادي، درّب أيضًا فرق الشباب في ناديي سي دي تشوكو وسيلتا فيجو.

في مايو 2014، استقال ريفبرو من مونداريز، وانتقل في يوليو إلى فنلندا للعمل في نادي إف سي هونكا كمدرب مساعد، في أبريل من العام التالي، انتقل إلى فريق PK-35 فانتا كمدرب مساعد أيضًا.

في 7 يونيو 2016، تم تعيين ريبيرو مساعدًا لمدير نادي هلسنكي، وفي 5 أكتوبر 2018، عُيّن مديرًا فنيًا لنادي إنتر توركو. 

في موسمه الأول، قاد الفريق إلى المركز الثاني في الدوري الفنلندي الممتاز، مما أهله للمشاركة في المسابقات الأوروبية لأول مرة منذ 6 سنوات، وفي 25 سبتمبر 2020، جدد عقده لموسم 2021، قبل أن يتم استبداله بميجيل جراو في موسم 2022.

من الهجوم إلى الهتاف

في 25 يونيو 2022، أعلن تعيين ريجيرو مدربًا رئيسيًا لفريق أورلاندو بايرتس في جنوب أفريقيا، وفي موسمه الأول، ساعد الفريق على الفوز بكأس الدوري لعام 2022 وكأس نيدبانك 2022-23، وحصل على المركز الثاني في دوري جنوب أفريقيا ليؤهل الفريق إلى دوري أبطال أفريقيا.

واصل ريجيرو تحقيق النجاحات مع أورلاندو بايرتس بفوزه بكأس الدوري لعام 2023 وحقق كأس نيدبانك 2023-24 على ماميلودي صن داونز، وفي عام 2024، صنع التاريخ كأول مدرب يفوز بكأس الدوري ثلاث مرات متتالية بعد فوزه بنسخة 2024.

وخاض أورلاندو 131 مباراة تحت قيادة المدرب الإسباني حقق الفوز في 82 مباراة وتعادل 22 مرة وخسر 27 مباراة.

بعد نجاح المدرب الإسباني بشكل منقطع النظير في جنوب أفريقيا، أثبت ريجيرو خطأ مشجعي أورلاندو الذين هاجموا المدرب في البداية قبل أن يغنوا له ف المدرجات. 

"إنه لأمرٌ مميز أن أشعر بهذا الحب، يحدث هذا لأول مرة في حياتي، إنهم يجعلونني أشعر بالتميز"، هذا ما قاله ريبيرو لموقع ماراوا سبورتس وورلد وايد عن تجربته في جنوب أفريقيا.

وأضاف: "هذا يعني الكثير، أولًا، لأنني أُطوّر مسيرتي المهنية في الخارج، وهو أمر ليس بالسهل، الدوري الجنوب أفريقي مُعقّد، ومسؤولية منصبي ليست بالهينة، لذا، أن أُكمل 3 مواسم بالفعل، وأن أُدرّب هذا العدد من المباريات، لم يفعل ذلك الكثيرون".

وتابع: "لقد أظهرنا قدرتنا على الصمود في اللحظات الصعبة، كما أننا قادرون على تقديم أداء جيد، لهذا السبب ما زلنا هنا، لأن هذه هي كرة القدم؛ إنها تتعلق بالنتائج".

وواصل: “لكن في الوقت نفسه، فإن متطلبات منصب المدرب في أورلاندو لا يمنحنا فرصة للتفكير كثيرًا فيما تم إنجازه، الأمر دائمًا يتعلق بالمباراة التالية”.

بالطبع، بقدر ما يتمنى ريفيرو أن يضيف فوزًا آخر في الكأس إلى رصيده من ألقاب الأدوار الإقصائية، إلا أن اللقب الذي يتوق إليه بشدة هو الدوري الإنجليزي الممتاز، هذا على الرغم من أن فريق القراصنة هذا الموسم قد وصل إلى أدوار خروج المغلوب في دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ عام 2013، عندما وصل إلى النهائي.

حوّل ريفيرو بالفعل الشك في قدراته إلى إعجاب حتى من المنافسين، ليقول رولاني موكوينا مدرب صنداونز السابق والوداد الحالي عن ريبيرو “أحبه كثيرًا، أحبه حقًا، في كل مرة أقابله، أشعر باحترام حقيقي، وروح رياضية، وأنه منافس شرس، ولكنه شخص جيد”.

الفيلسوف ريبيرو

وقال المدرب المساعد ماندلا نسيكازي في تصريحات عبر موقع “سوبر سبورت”: “المدرب ريبيرو، أراه فيلسوفًا، شخصًا يُحب مساحته الخاصة، شخصًا شغوفًا جدًا بعائلته الصغيرة، شخصًا مُراعيًا للغاية، لديه خيار قوي جدًا في منهجية أو طريقة اللعب”.

“إنه أكثر من مجرد مدرب، أعتقد أن الكثير منا قد شاركنا أنه شخص يتجاوز مجرد كونه مدربًا، إنه ينظر إلى الجانب الإنساني للأشياء”.

“لا يتحدث كثيرًا، ولكن عندما تتاح له فرصة التحدث إليك، فإنه يتحدث بمنطق، يتحدث بشيء سيبقى في ذهنك لفترة طويلة، إنه يتعمق في حقيقة أنك تشعر وكأن لديّ أبًا”.

“أول ما رأيناه فيه هو قدرته على العمل مع اللاعبين، كما تعلمون، هذا شيء يراه اللاعبون من بعيد، السيطرة على تمريرة واحدة قبل استلامها”

“في وضع 3 ضد 2، لا يتحكم قلبا الدفاع دائمًا بالتمريرات. يمكنك اللعب بلمسة واحدة، أحيانًا كنا نرى أن هذا الرجل هنا، شخص سيقودنا إلى مكان ما”.

“كان شخصا صارم للغاية، ولا يكشف أبدًا عن مشاعره، لأنه دائمًا ما يكون شخصًا ذا وجه جامد، لذا، يتطلب الأمر الكثير لفهم طبيعة شخصيته من حيث مدى تواضعه وسهولة التعامل معه وتفاعله الكبير”.

“ليس سهل التعامل معه فحسب، بل إنه يمنحك وقته ويكون حاضرًا في اللحظة، وهو أمر لا تفهمه حقًا في العصر الحديث، عندما تتحدث مع شخص أكبر منك سنًا، يكون الأمر دائمًا يتعلق بطلب النصيحة، ليس تبادلًا شائعًا للخبرات”.

 “نشأتُ بدون أب، كما تعلمون، كان عليّ أن أقول إن المدرب بمثابة أب لنا جميعًا، أفتقد نوعًا ما ذلك الشعور بوجود والدك”.

الفوضى المنظمة

بدأ خوسيه ريبيرو رحلته التكتيكية في جنوب أفريقيا بخطة 3-4-3 الماسية، قبل أن يعتمد على 4-2-3-1 كخطة رسمية على الورق. لكن من يتابع فريقه على أرض الملعب يدرك سريعًا أن فلسفة اللعب الثلاثي لا تزال هي العمود الفقري لأفكاره.

يبني ريبيرو منظومته على ثلاثي دفاعي ثابت، مدعوم بظهيرين نشيطين يتحركان على الأطراف، بالإضافة إلى وسط ماسي يضبط الإيقاع، وثلاثي هجومي يتسم بالحيوية والتنوع. لكن الأهم من التشكيلة هو الأسلوب: حركة مستمرة، تغييرات مفاجئة في التموضع، وتحولات لا يمكن التنبؤ بها، تجعل من أورلاندو خصمًا يصعب احتواؤه.

في الجانب الدفاعي، يتسم الفريق بمرونة تكتيكية عالية، قادر على التبديل بين الضغط العالي، والدفاع الوسيط، والتراجع المنظم حسب مجريات المباراة، دون أن يفقد تماسكه أو تناغمه.

أما هجوميًا، فأورلاندو هو فريق يجيد قراءة المساحات والتسلل إليها، حتى وإن خانته الفاعلية أمام المرمى في بعض المناسبات. خطة 4-2-3-1 التي يُعلن عنها رسميًا، تتحول في الواقع إلى 4-2-4 أثناء الاستحواذ، مع حركة دائمة لإيجاد المثلثات وتفعيل الرجل الثالث في مناطق اللعب.