السبت، 07 يونيو 2025

02:01 م

شرع الشرع.. أحمد يداعب بنيامين

وقف مرتديًا زيه العسكري، منتصبًا وسط مقاتليه، يصيح ملهبًا حماس التابعين، يصدح مُطربًا أُناس لا يطربهم سوى الحناجر الصاخبة بقول لا يُفعّل مطلقًا.

"لن نصل فقط دمشق بل القدس تنتظرنا" تلك كانت النغمة التي صدح بها أبو محمد الجولاني قبل أن ينزع عنه زيه العسكري ويرتخي انتصابه ويُغير اسمه الجهادي إلى أحمد الشرع، وهُنا تغيرت الأغنيات والتهديدات وتوارت خطابات التحرير خلف خطابات لعق أحذية السادة الكبار.

سوريا أبو محمد الجولاني ليست كما سوريا أحمد الشرع، لأن الشخص نفسه تغير حتى وإن بقيت هيئته ثابتة مع تهذيب اللحية وتغيير الملابس، فأبو محمد الجولاني مثله مثل بقية من هم على شاكلته، يصدح بالجهاد وينبح بتحرير فلسطين، لكن إن واتته الفرصة واعتلى العرش، باع صدحه وبح نباحه، وأصبح شخصًا آخر لا يمكن إيجاد وصفه أفضل مما قاله أحمد الشرع نفسه واصفًا حكام عرب: "يدفعون الجزية لأمريكا ليبقوا على عروشهم".

لم يتوانى أحمد الشرع منذ صعوده على سُدة حكم سوريا، في دفع الجزية عن يد وهو صاغرًا، وذهب إلى أمريكا عبر وسطاء يرجو رفعه من قوائم الإرهاب ويتوسل إعفاء بلاده من العقوبات، بل ومتذللًا طالبًا لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كل هذا تم في وقت أعلن فيه روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة في دمشق، تدريب أبو محمد الجولاني، بالتعاون مع مؤسسة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات، لإعادة تأهيله وإعداده ليُصبح أحمد الشرع، الحاكم بأمر الله في سوريا، والخاضع بأمر أمريكا في الشرق الأوسط، والتابع بأمر تركيا في دمشق.

ولم يكتفِ أحمد الشرع بتلقي تدريب أو بدفع الجزية لأمريكا سواء ببناء برج يحمل اسم ترامب في دمشق أو السماح للولايات المتحدة بالوصول لكل موارد النفط والغاز في بلاده، بل ذهب أيضًا للكيان الذي كان يراه وهو مجاهد، بأنه الغاصب المُحتل الذي يعيث في الأرض فسادًا.

فور اعتلاء الشرع العرش، ضربت إسرائيل كل مكامن القوى للجيش السوري ودمرتها عن بكرة أبيها، وأصبحت سوريا بلا جيش سوى حفنة من المرتزقة وكثير من الجماعات المسلحة التي يحاول الشرع جمعها تحت مسمى جيش الدفاع السوري.

وتمادت إسرائيل في انتهاك الأراضي العربية السورية وانتهاك أحمد الشرع في آن واحد، وتعمق داخل الجولان السوري وأعادت احتلال أراضيه، واستعرضت قوتها على مرأى ومسمع الشرع ورجاله، بل وصلت حدة انتهاكاتها لسوريا والشرع بأن قصفت مكانًا قريبًا من القصر الرئاسي، مستعرضة قوتها ومتسائلة: "أين أبو محمد الجولاني الذي قال إن القدس تنتظرنا؟".

لم يقف أحمد الشرع صامتًا أمام كل هذا، بل شحذ همته وأعاد انتصابه وهمّ واقفًا يُعلن أنه لن يصمت تجاه كل هذا، لكنه لم يحشد رجاله الذين قاتل بهم في سوريا، ولم يحشو بنادقه بأي رصاص، لكنه زحف لإجراء مقابلة مع الصحيفة اليهودية الأمريكية "جويش جورنال".

رد الشرع بمنتهى القوة والحزم "زمن الضربات المتبادلة بين سوريا وإسرائيل يجب أن ينتهي"، وهُنا الرجل لم يكن مُحذرًا من أي عواقب أو رد رادع، ولم يلفت انتباهه حتى إن الضربات ليست متبادلة إطلاقا، بل أن إسرائيل تضرب وسوريا بلا حول ولا قوة ولا جيش يحميها.

الكارثة ليست هُنا، بل فيما قاله الشرع إن سوريا وإسرائيل لديهما أعداء مشتركين ويمكنهما أن يلعبا دورًا رئيسيًا في الأمن الإقليمي، ونحن لا نحتاج أي بحث عن أعداء إسرائيل، فالكيان يغتصب الأراضي الفلسطينية ويقتل كل فلسطيني كعدو، ويُعلن في كل مناسبة عداءه لمصر وخططه لإعادة احتلال سيناء، ويذهب إلى لبنان مغتصبًا ومحتلا، ويخطط لسوريا والعراق والأردن باعتبارهم أراضي مشروعة في حلم إسرائيل الكبرى، فهل أحمد الشرع يشارك إسرائيل نفس الأعداء حتى وإن كانت بلاده في نفس القائمة؟ وهل يُعلن الشرع بذلك أنه جاء لمشاركة إسرائيل في خططها وأحلامها للقضاء على محور المقاومة ثم الدخول على هدم الدول بشكل كامل واحتلال أراضيها؟

الشرع انسدح وعرض نفسه على أمريكا وإسرائيل، يدفع الجزية مستأنسًا، ويغفر ما لم يملك فيه الغفران من انتهاك أرضه وعرضه، بل ويتذلل لوضع يده في يدٍ ملخطة بدماء من وعدهم بتحرير أرضهم، ويرجو الجلوس مع من صاح كاذبًا متوعدًا إياهم بالجحيم.. فهل أحمد الشرع يداعب بنيامين نتنياهو؟

search