السبت، 02 أغسطس 2025

04:48 م

إخوان إسرائيل: السلطة غايتنا والخيانة دستورنا

في ربيع عام 1928، وبالتحديد في مارس من ذاك العام، أعلن حسن البنا، المدرس في مدرسة الإسماعيلية الابتدائية، تأسيس جماعة الاخوان المسلمون التي جاءت حاملة شعار "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

أول رشفة من بئر الخيانة

كانت نواة تأسيس جماعة منحة قدرها 500 جنيه، وهو مبلغ كبير جدًا آنذاك، منحته شركة قناة السويس لحسن البنا، الذي قال في مذكراته "مذكرات الدعوة والداعية" إنه حاول جمع التبرعات أجل بناء مقر ومسجد للجماعة في الإسماعيلية، لكنهم فشلوا، وتصادف ذات يوم مرور البارون دي بنوا، مدير شركة قناة السويس، وكان يرافقه سكرتيره مسيو بلوم، أمام المبنى المراد إنشاؤه، وطلبوا معلومات عن المبنى، ثم انصرفوا وبعدها أرسلوا أحد موظفي قناة السويس لدعوة حسن البنا للقاء البارون. وذهب البنا إلى البارون وتحدث معه ثم قدم طلبًا، وبعد عدة شهور دعاه البارون مرة أخرى للقاء ثان، فذهب له وقدّم له البارون 500 جنيه لبناء المسجد والمقر، وتسلّم الشيخ محمد حسين الزملوط المبلغ بصفته أمين صندوق الجماعة.

تلك المقدمة كُتبت من أجلك سيدي القارئ، لتعرف أن تلك الجماعة كانت نواة تأسيسها منحة مالية هائلة من كيان استعماري، رغم أنه وفق أدبياتهم فهم تأسسوا لإعادة إحياء الخلافة الإسلامية في أعقاب سقوط الخلافة العثمانية، وجاءوا لمناهضة الاستعمار، ولكنها الكذبة الأشهر في تاريخ مصر، فهم لم يكونوا سوى أداة في يد كل استعمار وأي عدو يواجه مصر. ويمكنك مطالعة سلسلة مقالات "الجهاد في سبيل الشيطان" التي نُشرت في "تليجراف مصر" وتكشف التاريخ الأسود للجماعة وتخابرها وعملها ضد الدولة المصرية.

100 عام من الخيانة

تمر الأيام ونقترب من مئوية تأسيس تنظيم الإخوان (97 عامً)، لم يتغير أي شيء حتى وإن بدت كل الأشياء تغيرت، لكنها في حقيقة الأمر باتت أكثر وضوحًا أو لنكن صادقين أكثر فضحًا، فما يخرج من قاع ذلك التنظيم تباعًا يكشف لك خيانتهم وتواطؤهم ضد مصر، بل وفي الفترة الأخيرة تعاونهم العلني مع إسرائيل في مواجهة مصر وأمنها واستقرارها.

في الوقت الذي تشحذ دول كبرى في العالم الهمم من أجل مواجهة جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في حق فلسطينيين قطاع غزة، وتسعى دول أوروبية للاعتراف لأول مرة بدولة فلسطين، مع الأصوات التي باتت تدوي في السماء وتتهم تل أبيب باستخدام التجويع كسلاح لإبادة شعب وارتكاب تطهير عرقي سافر، عبأ التنظيم الدولي للإخوان اتباعه ووجههم نحو مواجهة السفارات المصرية في الخارج وغلقها، واتهام مصر بأنها المسؤولة عن تلك الجرائم، لرفع الضغط من على بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، واتساقًا مع الرواية الإسرائيلية التي تنزع عن الكيان اليهودي كل التهم الفظيعة وإشراك مصر في جُرم لا ارتكبته ولم ترتكبه ولن ترتكبها، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلا.

إخوان إسرائيل: السلطة غايتنا والخيانة دستورنا 

جاء شعار الإخوان في مهدهم "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، لكنهم منذ النشأة لم نرى منهم فعلا اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يطبقوا من دستور القرآن سوى ما فسروه لخدمة مصالحهم، ولم يجاهدوا في سبيل الله بل في سبيل أنفسهم وأطماعهم، ولم تكن أسمى أمانيهم الموت في سبيل الله بل الوصول إلى السلطة، لكن ما حدث أمام السفارة المصرية في تل أبيب يوم 31 يوليو، يجعلك وأنت واثق تعرف أن شعار الإخوان الحقيقي "السلطة غايتنا، والخيانة دستورنا".

احتشد أعضاء جماعة الإخوان المسلمون في إسرائيل أمام سفارة مصر في تل أبيب ليتهموا مصر بأنها متورطة في جرائم الحرب ضد سكان غزة، وتلك التظاهرة كانت تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، وعلى بعد نصف ساعة فقط من وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي تقود عملية التطهير العرقي في قطاع غزة، ولا تندهش إطلاقًا من كل هذا، ولكن يحق لك أن تسأل من أين عرفت أن هؤلاء هم الإخوان المسلمون؟.. هذا حقك الكامل ولذلك إليك الإجابات.

في مطلع ستينات القرن الماضي، برز اسم شاب من شباب الإخوان المسلمين كان يعيش داخل الأراضي المحتلة في منطقة الخط الأخضر، وهو عبد الله نمر درويش، الذي ذاع صيته لبراعته في الخطابة وأمور الشريعة، وكان ذلك حافذًا له لتأسيس فرع للإخوان في إسرائيل مطلع سبعينيات القرن الماضي، وأطلق عليه الحركة الإسلامية.

كان "نمر" يعيش في منطقة الخط الأخضر وهي المنطقة الفاصلة بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967، والخاضعة قانونيًا لإسرائيل، وكان متيمًا بحسن البنا ومنهج الإخوان، ويتضح هذا في لقاء تليفزيوني أجراه عام 1999 قبيل انتخابات الكنيست الإسرائيلي، حين قال وقتها: ""نحن جزء من فكر ونهج ونظام الصحوة التي أطلقها حسن البنا".

الشيخ عبد الله نمر درويش يُعتبر أحد أبرز رموز التنظيم الدولي للإخوان، لذلك حرصوا على نعيه في بيان رسمي أصدروه يوم الاثنين 15 مايو 2017، كتبوا فيه: "تتقدم جماعة الإخوان المسلمين بخالص العزاء إلى فضيلة الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 48 وإخوانه قادة الحركة وجماهيرها؛ في وفاة فضيلة الشيخ عبد الله نمر درويش، أحد أبرز مؤسسي الحركة".

ولأن بيان الإخوان في نعي الشيخ عبد الله نمر درويش ذكروا فيه اسم الشيخ رائد صلاح، فدعنا قبل أن نقول من هو رائد صلاح نحكي قصة مهمة للغاية.

في عام 1996 انقسمت الحركة الإسلامية التي أسسها "نمر درويش" إلى جبهتين، والانقسام هُنا ليس بسبب رفض الحياة في كنف الاحتلال ووفق قوانينه وخدمته بكل الأشكال، بل كان بسبب انتخابات الكنيست الإسرائيلي، إذ كان يتزعم "نمر درويش" كتلة ترى أهمية خوض الانتخابات والوجود في الكنيست الإسرائيلي، لكن كتلة أخرى رأت عدم جواز ذلك، اقنسموا إلى حركتين، الأولى في الجنوب بقيادة نمر درويش تؤيد المشاركة في انتخابات الكنيست، والثانية في الشمال بقيادة رائد صلاح، فأصبح للإخوان المسلمين حركتين داخل إسرائيل مكونين من عرب يحمل غالبيتهم الجنسية الإسرائيلية.

إخوان في الكنيست الإسرائيلي

الجناح اليميني للحركة الإسلامية في إسرائيل أو "إخوان تل أبيب" خاضوا منافسات الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، حتى أصبح لديه عضوين في الوقت الراهن وهما منصور عباس ووليد طه.

الإخواني منصور عباس عضو الكنيست الإسرائيلي، كفيل بمفرده أن يكشف لك كل تناقضات الجماعة، فكيف تجاهر بالخيانة والتجسس والتحالف مع الأعداء من كل الأصناف، ثم تتهمك وأنت تحافظ على وطنك وترفض خيانته وتدافع عنه بأبشع الاتهامات.

نشط منصور عباس في الكنيست الإسرائيلي وصار مقربًا من قيادات عليا في الإدارة الإسرائيلية، ودخل التاريخ كأول زعيم لأول تكتل عربي حزبي ينضم إلى تحالف حكومي لأول مرة في تاريخ الدولة اليهودية عام 2021، بل وله صورة شهيرة للغاية رفقة زعيم التيار اليميني نفتالي بينيت، وزعيم المعارضة يائير لابيد، والابتسامة تشق وجوههم شقا.

الإخواني عضو الكنيست حاولت الجماعة الأم في مصر التبرؤ منه إعلاميًا، لكن انتماء الرجل للإخوان صارخًا لا ينفع معه أي تبرأ كاذب، فالرجل لم يفوت فرصة إلا وتحدث عن الإخوان ووصف الرئيس الأسبق محمد مرسي بالشهيد والرمز العربي، وتغزل في انتمائه الإخواني وكتب عبر منصة إكس: "الإخوان سلم ومحبة وخير وحلم وأناة".

إخوان تل أبيب.. أن تكون جاسوسا فخورا

إذن الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في إسرائيل "إخوان تل أبيب" عرفوا طريقهم ودخلوا الكنيست وصاروا وحدة واحدة مع إسرائيل، أما الجناح الشمالي للحركة فلم يشارك إسرائيل في برلمانها، لكنهم فعلوا ما هو أكثر قبحًا.

حشدت الحركة رجالها وأطفالها ونسائها ليتظاهروا من أجل إيقاف الحرب الشعواء ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، لكن ذلك الحشد كان أمام سفارة مصر في تل أبيب، التي تبعد مسافة نصف ساعة فقط من وزارة الدفاع التي تقود الجيش الإسرائيلي مرتكب جرائم الحرب في غزة.

رائد صلاح، زعيم الإخوان في تلك الحركة، وقف منتصبًا يهاجم مصر ونظامها السياسي ورئيسها عبد الفتاح السيسي، ويتهمها بأنها المتسببة في تجويع سكان قطاع غزة، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، في مظاهرات لم ترفع علمًا لفلسطين بل لإسرائيل، ولم تهتف هتافًا ضد نتنياهو بل مصر ورئيسها.

وكي تقترب أكثر من هذا المشهد الذي لا يمكن وصفه بأنه عبثي، بل هو مشهد خيانة متكامل الأركان، فإليك بعض الأشياء التي يجب أن تعرفها عن رائد صلاح، فهو رجل إخواني في خطابه وانتماءه وأفكاره وفعالياته، لا يتوانى أبدًا في الهجوم على مصر، يهاجم الأنظمة العربية إلا نظام واحد وهو النظام القطري، يدعم كل الحركات المسلحة التي يسميها الحركات الثورية، مثل تلك التي في سوريا وأسقطت الدولة هُناك، يُهاجم التطبيع بضراوة، رغم أنه يعيش في كنف إسرائيل وفق قوانينها ويستخدم عملتها ويدعم اقتصادها ويتعالج في مستشفياتها، لكنه يتهم الحكام العرب أنهم خونة، مثل الإخوان عمومًا، يتخابرون ويتجسسون ويبيعون ويتآمرون ثم يتهمون بأنك لست تشبههم في وطنيتهم.

تلك المظاهرات أيضًا شهدت وجود كمال الخطيب، نائب رئيس "إخوان تل أبيب فرع الشمال"، الذي ولسخرية القدر كان له فيديو نٌشر قبل أسبوع واحد من التظاهرة حمل عنوان "ابشروا واستعدوا اقترب موسم خلع الحكام الخائنين".

تلك الخطبة في الفيديو الذي يُلهب حماس أي إرهابي طبيعي، تحدث فيه الخطيب عن سقوط أنظمة عربية بالكامل، لأنها أنظمة خائنة، لماذا هي خائنة؟ لأنها عميلة لأمريكا وإسرائيل، في الوقت الذي يخاطب فيه كمال الخطيب شرطة إسرائيل لأخذ تصريح مظاهرة، ويقف في حماية جنود إسرائيليين ونشطاء إسرائيليين وفوق هامته عالم إسرائيل مرفرفا ليهاجم مصر لأنها تُجوع قطاع غزة.

كل ما سبق من المجاهرة بالخيانة لتنظيم الإخوان فرع تل أبيب يأتي في إطار سلسلة لا متناهية وتاريخ عريض وكبير من تآمر الجماعة وخيانتها لكل أركان الأمة، واستعدادها الكامل للتحالف مع أي شخص في مقابل الوصول إلى السلطة، لنتيقن حق اليقين أن شعار الإخوان "السلطة غايتنا والخيانة دستورنا".

search