الأربعاء، 18 يونيو 2025

09:38 ص

"الماماد" تحت الاختبار.. صواريخ إيران تكشف ثغرات الملاذ الآمن بإسرائيل

الملاجئ الآمنة في إسرائيل

الملاجئ الآمنة في إسرائيل

سيد مصطفى

A .A

فوجئ سكان بات يام في إسرائيل بوصول الصواريخ الإيرانية إلى داخل الملاجئ، مما يقوّض فكرة “الملاذات الآمنة” في إسرائيل، ومع وجود أضرار مباشرة في مبانٍ بمدن مثل ريشون لتسيون وتل أبيب وبت يام وطمرة، وخسائر بشرية فادحة، عاد الحديث عن الملاجئ، وبخاصة "ماماد" أو الغرفة المحمية السكنية، والملاذات الآمنة للوقاية مرة أخرى.

في قلب منظومة الدفاع المدني الإسرائيلية، تقف "الماماد" أو الغرفة المحمية السكنية، كركيزة أساسية لسلامة المواطنين في أوقات الطوارئ.

تُعد هذه الغرفة الحصينة ملاذًا آمنًا يحمي من القذائف والصواريخ وغيرها من الأخطار، وتجسد تطورًا مستمرًا في الهندسة المعمارية الدفاعية للبلاد.

ملجأ تحت الأرض به عائلة إسرائيلية

ملجأ تحت الأرض به عائلة إسرائيلية

رحلة "الماماد": من البداية حتى اليوم

تعود فكرة بناء "الماماد" في إسرائيل إلى خمسينيات القرن الماضي، بعد حرب 1956، ففي تلك الفترة، واجهت إسرائيل تهديدًا مستمرًا، ما دفع الحكومة إلى إنشاء نظام دفاع مدني لحماية المدنيين، بحسب موقع قيادة الجبهة الداخلية المدنية في إسرائيل.

كانت "الماماد" الأولى مبانٍ صغيرة ومؤقتة، شُيدت غالبًا في الأماكن العامة كمدارس ومراكز مجتمعية، وكانت تتكون عادةً من الخرسانة أو الحجر، ومجهزة بنوافذ وفتحات صغيرة للحماية.

على مر السنين، تطورت "الماماد" لتصبح هياكل أكثر تقدمًا، في السبعينيات، بدأت الحكومة تُلزم مشاريع البناء الجديدة بتضمين غرف "الماماد" في خططها. 

كانت هذه الغرف أكبر من سابقاتها، ومجهزة بأنظمة حماية متقدمة مثل الأبواب الفولاذية المقوّاة، والنوافذ المصفحة، وأنظمة ترشيح الهواء.

في الثمانينيات، وبعد حرب لبنان الأولى، قررت الحكومة تعزيز منظومة الدفاع المدني، فوسعت معايير الحصول على المنح لتركيب "الماماد"، وبدأت بتمويل تركيبها في المباني القائمة.

أصبحت اليوم غرف "الماماد" جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في إسرائيل. حوالي 70% من المنازل في إسرائيل تحتوي على "ماماد"، وتواصل الحكومة تشجيع الجمهور على تركيبها في المباني القائمة.

القوانين واللوائح الحاكمة لغرف "الماماد"

تخضع عملية تركيب "الماماد" في إسرائيل لقوانين ولوائح صارمة تحدد حجمها، ومتانتها، والمعدات الإلزامية التي يجب أن تحتوي عليها. 

يجب أن تكون مساحة "الماماد" 9 أمتار مربعة على الأقل، وأن تحتوي على مدخل واحد فقط. تُحدد اللوائح أيضًا الأبعاد الدنيا للأبواب والنوافذ والفتحات الأخرى.

يجب أن تكون "الماماد" مصنوعة من مواد عازلة ومقاومة للصدمات، مثل الخرسانة أو الحجر، وأن تتحمل إصابة قذيفة بوزن 150 كجم تُطلق من مسافة 50 مترًا. 

يجب أن تكون مجهزة بمعدات إلزامية تشمل: بابًا فولاذيًا مقوّى، نوافذ مصفحة، نظام ترشيح الهواء، مصدر إضاءة، مصدر مياه، معدات إسعافات أولية، ومعدات اتصال.

تقدم الحكومة منحًا لتركيب "الماماد" وتموّل تركيبها في المباني القائمة لأصحاب المنازل الجديدة والقائمة والشركات، بشروط معينة. 

تُعد هذه القوانين واللوائح ضرورية لضمان سلامة المواطنين، فالـ"ماماد" هي مكان آمن يحمي من مخاطر الحرب.

أنواع "الماماد" في إسرائيل

توجد ثلاثة أنواع رئيسية من غرف "الماماد" في إسرائيل، تختلف في طريقة بنائها وتكلفتها:

الماماد المدمجة (المتكاملة):

هي الأكثر شيوعًا، وتُبنى كجزء لا يتجزأ من المبنى أثناء التشييد الأولي. عادة ما تكون أكبر وأكثر تطورًا، ومصنوعة من مواد عازلة ومقاومة للصدمات، ومجهزة بجميع المعدات الإلزامية.

الماماد المعيارية (الموديلار): 

تعد “الماماد المعيارية” نوعًا حديثًا نسبيًا، تُصنع في المصنع ثم تُنقل وتُركب في المنزل بعد الانتهاء من البناء. تكون أصغر وأقل تكلفة من المدمجة، وعادة ما تُصنع من مواد خفيفة مثل الخشب أو البلاستيك، وتضم المعدات الإلزامية.

الماماد المؤقتة:

تُبنى “الماماد المؤقتة” داخل المنزل في حالات الطوارئ، وهي الأصغر والأبسط، وعادة ما تُصنع  من مواد بسيطة مثل الخشب أو البلاستيك، ولا تُجهز عادة بالمعدات الإلزامية، رغم إمكانية تركيب أبواب فولاذية ونوافذ مصفحة فيها.

الملاجئ العامة داخل المبنى

توجد أيضًا مساحات محمية إضافية مثل: المساحة المحمية على مستوى الطابق (مام"ك)، وهي غرفة محمية تخدم سكان طابق معين في المبنى؛ والمساحة المحمية المؤسسية (مام"م)، وهي غرفة محمية في مبنى عام تخدم موظفي المبنى وزواره.

نصف شقق إسرائيل بدون ملاجئ

تُشير تقديرات حديثة صادرة عن اتحاد المقاولين والبنائين في إسرائيل إلى أن حوالي 1.67 مليون شقة من أصل حوالي 2.96 مليون شقة في البلاد تفتقر إلى التحصين اللازم حتى نهاية عام 2024. هذا يعني أن أكثر من نصف الشقق في إسرائيل (حوالي 56%) لا تحتوي على "ماماد"، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.

 

فجوة أمنية متفاقمة رغم التحذيرات السابقة

يأتي هذا الكشف ليُسلّط الضوء مجددًا على فجوة أمنية كبيرة، خاصةً وأن تقرير مراقب الدولة الصادر في أغسطس 2020 كان قد أشار إلى أن حوالي 2.6 مليون مواطن إسرائيلي (28%) كانوا يعيشون بدون حماية معيارية، وأن الملاجئ العامة في البلدات المتاخمة للحدود ليست دائمًا جاهزة لإقامة طويلة للسكان. هذه كانت جزءًا من العيوب التي وجدها المراقب في مراجعة متابعة حماية الجبهة الداخلية العام الماضي.

وبحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء (CBS)، حتى يونيو 2022، كان هناك حوالي 1.6 مليون شقة غير محمية في إسرائيل، يسكنها حوالي 5.5 مليون شخص. 

كما كشف تقرير لمراقب الدولة في يوليو 2022 أن ما يقرب من 5000 مبنى في جميع أنحاء البلاد صُنّفت على أنها خطيرة وقد تنهار على ساكنيها، بما في ذلك حوالي 610 آلاف وحدة سكنية، والتي من المرجح أنها لا تفي بمعايير مقاومة الزلازل.

وفقًا لتقديرات الهيئة الحكومية للتجديد الحضري، يوجد في إسرائيل حوالي 800 ألف وحدة سكنية قائمة بنيت قبل عام 1980 في حوالي 80 ألف مبنى غير محمية، هذا لا يشمل الوحدات السكنية في المباني التي بُنيت بين عامي 1981 و1991 والتي لا تزال غير محمية، ولكن لم يتم بعد تلقي رأي خبراء بشأن صلاحية تحصينها.

في كلتا الحالتين، لا تحتوي هذه الشقق أيضًا على "ماماد"، حيث لم يتم تعديل قانون إنشاء هذه الغرف إلا في عام 1992.

منذ بداية حرب "السيوف الحديدية" في أواخر عام 2023، ارتفع الطلب على الشقق المزودة بـ"ماماد" بشكل كبير، وبقيت الشقق القديمة التي لا تحتوي على مساحات محمية فارغة. 

حتى مشاريع التجديد الحضري شهدت تسريعًا ملحوظًا، بعد أن قرر المستأجرون المترددون المضي قدمًا في المشاريع للحصول على عقار مزود بـ"ماماد" في أسرع وقت ممكن.

منذ عام 1992، أصبح بناء مساحة محمية (سكنية أو على مستوى الطابق) مطلوبًا في جميع عمليات البناء الجديدة أو الإضافات الإنشائية. ومع ذلك، لم يُطبّق هذا الالتزام بأثر رجعي، مما يعني أن حوالي 60% من سكان إسرائيل لا يملكون مساحة محمية سكنية أو على مستوى الطابق.

التفرقة العنصرية ضد فلسطينيي الداخل في الملاجئ

قُتل 3 أفراد من عائلة واحدة بمدينة طمرة أثناء القصف الإيراني، وهذا يعود لهويتهم كعرب، حيث أظهرت البيانات أن أكثر من 58% من القتلى جراء سقوط الصواريخ هم من الفلسطينيين، وهي نسبة تفوق بكثير تلك المسجلة في حرب لبنان الثانية (41%).

ويعزو مركز "إنجاز" لتطوير السلطات المحلية العربية هذا الارتفاع الملحوظ بشكل أساسي إلى الغياب شبه التام للملاجئ في التجمعات الفلسطينية.

يكشف تقرير المركز أن 46% من مواطني إسرائيل الذين يفتقرون إلى مساحات آمنة هم من الفلسطينيين، على الرغم من أنهم لا يشكلون سوى 20% من إجمالي السكان.

هذا التفاوت يتجلى بوضوح في توزيع الملاجئ المتنقلة؛ فخلال الحرب، تم تزويد شمال البلاد بـ1100 ملجأ متنقل، لكن 270 منها فقط خُصصت للبلدات الفلسطينية، بالرغم من أن الفلسطينيين يشكلون 50% من سكان الشمال.

لطالما أشارت تقارير مراقب الدولة، إلى أن قرى الشاغور التي يقطنها أكثر من 50 ألف مواطن فلسطيني، لا تحتوي على أي ملجأ عام على الإطلاق، في المقابل، تزخر المستوطنات المجاورة بالملاجئ العامة.

ومثال صارخ على ذلك هو مدينة طمرة، التي يقارب عدد سكانها مدينة صفد، لكنها خالية تمامًا من الملاجئ العامة، بينما تضم صفد 138 ملجأً عامًا، وفقًا لمركز "إنجاز".

تبتسم إيريس قائلة: "أتمنى أن يكون الإنذار الوحيد الذي سأسمعه في المستقبل هو في حفل زفاف شخص التقى به هنا في الملجأ".

search