الأربعاء، 25 يونيو 2025

11:39 ص

طارق سعد
A A

جمهور الحرب بالغباء الاصطناعي!

غريب هذا الجيل الفريد من نوعه على مر العصور الذي عاصر وعاش تفاصيل كثيرة ومتشابكة فوق احتماله وهو جيل الثمانينات والتسعينات ويستضيف معه باقة من نخبة السبعينات التي مرت على حرب أكتوبر فيعاصر اغتيال الرئيس السادات والغزو العراقي للكويت وغرق العبارة سالم إكسبريس وكوارث زلزال 92 وهجمات 11 سبتمبر وسقوط العراق وإعدام رئيسها صدام حسين أول أيام عيد الأضحى وسقوط طائرات وقرصنة سفن!

 وتمر السنوات ويصبح هذا الجيل شاهداً على اختطاف البلاد في 25 يناير ويصارع على البقاء أمام الجماعة الإرهابية المدعومة من قوى خارجية في حرب وجود لمدة عام ونصف يتذوق فيها مرارة نكسة 67 التي سمع عنها ولم يعش أجواءها حتى انتقل إلى مرحلة العبور والانتصار الكبير بثورة شعبية جارفة في 30 يونيو اكتملت ببيان العبور في 3 يوليو لينتقل إلى أجواء الحظر.

وتمر السنوات ليواجه فيروس "كورونا" القاتل الذي ضرب كوكب الأرض كاملاً ويعيش حظراً أسوأ وغلقاً كاملاً .. بل سجناً مرعباً فلا يلحق أن يفيق حتى تُدك غزة من الكيان المحتل ويواجه مخططاً لخطف سيناء مرة أخرى بتهجير الشعب الفلسطيني إليها ثم مطاردتهم بداخلها مع ضغوط عالمية لقبول عرض التهجير وبين هذا وذاك وهذا الجيل مشغول بمواجهة تصفية القضية الفلسطينية على الأرض المصرية يفاجأ باشتعال الحرب بين إيران والكيان المحتل ليرى لأول مرة في التاريخ سقوط صواريخ على المدن الإسرائيلية حتى تل أبيب لتمتد إلى المقرات الأمنية والعسكرية والإستراتيجية فتخلف دماراً هائلاً غير مسبوق يشاهده جمهور هذا الجيل فاتحاً فمه من الدهشة المغلفة بالصدمة فهذا المشهد لم يتوقع حدوثه حقيقة واقعة فهو دائماً لم يتخطى حدود الخيال والطموحات والأماني صعبة التحقيق وربما يكون هذا هو الامتياز والانفراد الحقيقي لهذا الجيل الكارثي والجيل الجديد الذي يعاصر هذا الجنون العالمي الواقف على حافة دمار الكوكب بحرب نووية!

جمهور هذه الحرب بكل الفئات يتابعها بمشاعره لا بعقله فهو يحلم بزوال كيان لقيط ويصفق لكيان آخر لا يقل خطورة عنه ويشترك معه في نفس شكل أطماعه ولكن بسيناريوهات أخرى تشبهه ولكن الجمهور في هذه اللحظة الفارقة يشجع ويصفق بمنطق "عدو عدوي .. صديقي" وهي نظرية منطقية فالكيان اللقيط المحتل هو العدو الأصيل والأخطر ومجرد إصابته بالذعر تشفي القلوب وتبردها فما بالنا بما نراه ليلاً نهاراً من مشاهد خرجت من الخيال إلى الواقع؟!

ربما تشعر بأجواء الفرح التي تدغدغ المشاعر ولكنها أخطر اللحظات في هذه الحرب بين فريقين لمصالحهما في الهيمنة فانجرار جمهور هذه الحرب خلف مشاعره يدفعه لخلق ثغرة خطيرة يلغي فيها عقله ويترك العنان لبصره ويعطل بصيرته فيتفاعل مع كل ما تتداوله منصات الـ "سوشيال ميديا" دون تفكير ليقع فريسة المواد المولدة بـ "الذكاء الاصطناعي" المندسة والتعامل معها على أنها مواد حقيقية من قلب الأحداث في الوقت الذي تلاحظ فيه انتشار هذه المواد بشكل كبير ما بين صور وفيديوهات تختلق أحداثاً يستقبلها قطاع كبير من هذا الجمهور بتفاعل عاطفي شديد ويعيد نشرها في فخر وتباهي!
 

الحقيقة أنها المرحلة الأخطر من الحرب نفسها بل أنها مقدمة مرعبة للحروب القادمة من حروب الجيل السادس والسابع المتقدمة التي تعتمد على "الذكاء الاصطناعي" في تخليق أحداث والترويج لها وهو ما ينذر بكارثة قادمة قادرة على التحكم عن بعد في توجيهك والسيطرة على وعيك وهو ما ظهر بوضوح في هذه الحرب بالرغم من أن المواد المشبوهة مع التركيز والتدقيق في تفاصيلها تستطيع اكتشافها إلا أن زخم الأحداث وتحكم المشاعر في هذه اللحظات مع عدم إحكام العقل قادوا البعض من جمهور الحرب للتعامل معها باعتبارها حقيقية وأعاد نشرها مرات عديدة !

هذا لا يصنف "غباء" ولكنها رغبة في التصديق فما يراه يأتي على هواه ويريده بغض النظر عن وجود فرصة متاحة للتدقيق ولكن الانجراف في التفاعل بالمشاعر أجهض هذه الفرصة ودفع البعض من هذا الجمهور للتعامل مع المواد المندسة من "الذكاء الاصطناعي" بلا عقل ولا وعي ولكن بـ "غباء اصطناعي"!

الغريب في هذه المواد أنها مجهولة المصدر فلا تستطيع تحديد المسئول عنها هل هم من المتحمسين بفرحة زائدة لما يحدث من إهانة للكيان المتغطرس الذي يضع نفسه فوق الجميع أم يقف وراء هذه المواد أجهزة محترفة ربما تسوق لأهداف معينة تسعى لتحقيقها أو الأخطر أنها تقوم بدس هذه المواد لاختبار فعاليتها في الجذب والتصديق والتفاعل معها كسلاح مستقبلي لنشر الفوضى!

هذا المشهد العبثي الخطير الذي نعيشه في أجواء حرب السيطرة بين الكيان المحتل وإيران يحتاج لوقفة قوية من الأجهزة السيادية بفروعها المسئولة عن الحروب الإلكترونية المتطورة والأمن السيبراني في المواجهة .. 
يجب الانتباه لخطورة هذا السلاح القادر على نشر الفوضى والمعلومات المضللة في ثوان معدودة بالسيطرة على مراكز الوعي بالدماغ والاهتمام البالغ بالتصدي له ومواجهته بالفرز وكشف حقيقة المواد المتداولة من هذه النوعية فنحن الآن انتقلنا من مرحلة الـ "فبركة" التي تستطيع التشكيك فيها وكشف زيفها بقليل من الجهد إلى "الذكاء الاصطناعي" القادر على توليد أحداث كاملة مخلقة بأدق التفاصيل الحقيقية بواقعية وتحتاج لمجهود كبير من التدقيق والتحليل من المتابع العادي لكشف حقيقتها!

الحقيقة أننا في حاجة بالغة وسريعة لوحدات أمنية متخصصة في "الذكاء الاصطناعي" لأنه بهذا السيناريو سيكون سلاحاً رئيسياً في الحروب القادمة لما له من قدرة دامية على الفتك بالمجتمع من الداخل بنشر الفوضى بالزيف والتضليل الواقعي ويكفيك التقاط مواده والتفاعل معها مباشرة لتتحول من إنسان صاحب عقل ووعي إلى مجرد "مسيَّرة" يتم تحريكها وتوجيهها نحو أهداف المتحكم بها في سلاسة بـ "الذكاء الاصطناعي"!
 

search