الجمعة، 04 يوليو 2025

06:49 م

على طاولة العائلة.. وُلد حلم "الأهرام" وصارت علامة رائدة

الدكتور هاني حليم

الدكتور هاني حليم

مصطفى عبد الفضيل

A .A

ليست كل الحكايات تُروى بالكلمات، فبعضها يُحكى بملامح الوجوه المتعبة، ويُكتب بعرق السنين، وصدى الخطوات بين جدران مصانع شُيدت حجرًا حجرًا وحلمًا حلمًا، هكذا وُلدت حكاية الأبناء الثلاثة بعد رحيل والدهم الذين حملوا إرثه فوق أكتافهم لا في دفاتر البنوك، وزرعوا في تربة الفقد شجرة طموح، صمدت أمام الرياح العاتية حتى صارت اليوم اسمًا يُرى من بعيد يدعى "الأهرام".

ففي قلب القاهرة وتحديدًا بمدينة بدر، يقف مصنع الأهرام للبلاستيك شاهدًا حيًّا على رحلة عمرها خمسة وثلاثون عامًا، بدأت بحلم صغير ونية صافية، قبل أن تتحول إلى اسم يتردد في الأسواق كعلامة للجودة والثبات.

يسترجع الدكتور هاني حليم، رئيس مجلس إدارة شركة الأهرام، الذي عاد بذاكرته إلى مطلع التسعينيات، ليسرد تفاصيل تلك اللحظة الفارقة: كان لا يزال طالبًا في كلية الطب، يجلس مع شقيقيه ماجد وأمجد، يواجهون صدمة فقدان والدهم بلا مقدمات، والإرث حاضر أمامهم، لكنه لم يكن ليملأ فراغ الرحيل، ولم يكن ليسد عطش الطموح الذي اشتعل فجأة في أرواحهم الشابة.

وعلى الرغم من كونهم يدرسون الطب، ويحتاجون لكل لحظة من أوقاتهم، فإنهم اتفقوا على الاعتماد على أنفسهم وانبات عملا يكبر معهم وبهم، بدلا من استهلاك الإرث الذي تركه والدهم، كان القرار أصعب من كل حسابات المال، كان تعهدًا أن يظل الأب حيًا بما سيصنعونه بأيديهم.

ولادة مصنع من صبر

هكذا ولدت الفكرة خرجت إلى النور، في شكل مصنع صغير في شبرا الخيمة لصناعة شنط السوبر ماركت، ماكينة وحيدة تصارع الليل، وأيدٍ ثلاث تعرف قيمة كل دقيقة ولا تعرف الراحة، البدايات كانت قاسية وشاقة، لكن إصرارهم كان صلبًا كجدران المصنع الذي كبر معهم عامًا بعد عام، شحنوا إنتاجهم إلى الصعيد، إلى أهلهم وجرانهم في سوهاج، فصار المنتج ابن البلد واليد التي صنعته أيضًا من تلك البلد.

الدكتور هاني حليم

حلم يكبر مع الوقت

عامًا بعد عام، تحولت الماكينة الواحدة إلى اثنتين وثلاث ثم خمس وأكثر، وتحول المصنع من حلم هش إلى كيان متوسط يقف على أرض أكثر ثباتًا، وبينما كان زملاؤهم يستعدون لحفلات التخرج، كان الثلاثة يجهزون أول توسع حقيقي لمشروعهم، ليجدوا أنفسهم مع نهاية الدراسة أمام كيان متوسط الحجم، ينبض بالطموح والأسئلة: هل يكتفون بما وصلوا إليه، ويعودون إلى مسار الطب، أم يكملون رحلة التصنيع؟، اختاروا الطريق الأصعب مرة أخرى: أن يكون للمشروع حياة أكبر من مؤسسيه، وأن يتحول الاسم الصغير إلى كيان صناعي حقيقي.

تحدي العودة للصعيد

ثم جاءت اللحظة الأصعب، عام 1995 حين أعلنت الدولة عن منطقة صناعية جديدة في سوهاج، خطوة لم تكن سهلة وقتها، فالصعيد آنذاك كان بيئة قاسية للاستثمار: محدودية البنية التحتية، أغلب الشباب يهاجرون بحثًا عن رزقهم في القاهرة أو الإسكندرية أو حتى خارج مصر، وكانت والبنية التحتية ما زالت وليدة، لكن الروح التي دفعتهم للمجازفة أول مرة لم تخذلهم، اجتمعا كإخوة وقررا ننقل أعمالهم كلها هناك، كان ذلك تحدي كبير بالنسبة لهم، لكن رؤيتهم كانت دائمًا ترى الخطوة التي تليها، ويتجهزون لها.
من مطبات لنجاح باقٍ.

وعبر سنوات طويلة تخطت الخمسة وثلاثين عامًا لم تكن الحياة مفروشة بالورود، فقد اصطدمت العائلة بمطبات حادة وأزمات لم ترحم، وخسارات، وقرارات مريرة، لكنهم لم يتراجعوا، بل كانوا كلما خسروا تعلموا، وكلما سقطوا نهضوا أقوى وأشد خبرة، وكلما ضاقت بهم الأرض وسّعوها بخيالهم وصبرهم، حتى علمتهم السنين أن الخسارة درس، وأن الصبر وحده من يكتب النهاية.

ولادة مصنع بدر الجديد

وجاء عام 2022، ليكتب فصلًا جديدًا في الرواية، البدء في إنشاء مصنع الأهرام الجديد بمدينة بدر بالقاهرة، أربعة أعوام من الإنشاءات وتوريد خطوط الإنتاج، انتهت أخيرًا بخروج الإنتاج الأول في الشهور الماضية، هنا لم تعد "الأهرام" مجرد مصنع، بل صارت شاهدًا حيًا على أبناء أرادوا أن يصنعوا من الرحيل حياة، ومن الحلم كيانًا، وأصبحت حكاية تُحكى للأجيال: كيف تتحول لحظة حزن إلى مشروع يكتب حياة جديدة.

اليوم، حين تقف أمام المصنع في بدر، أو تنظر إلى منتجاته في الأسواق، لا ترى فقط خطوط إنتاج وأرقامًا على الورق، بل ترى إرث والد آمن بأبنائه، وشبابًا رفضوا الراحة واختاروا أن يبنوا شيئًا يبقى، وترى معنى أن يتحول الحلم الصغير إلى علامة رائدة لأن هناك من تجرأ على الحلم، وتحمل عناء تحويله إلى حقيقة.

هكذا علمتنا "الأهرام" درسًا بليغًا، أن الإرادة الصادقة مع الصبر يمكنها أن تحوّل حتى أبسط الأفكار إلى كيان شامخ، تمامًا كالأهرام نفسها، ويقول الدكتور هاني لتتحول كلماته إلى رسالة لكل شاب يحلم أن يصنع من المستحيل واقعًا ملموسًا، "نجاحنا لم حظ، بل كان قرار، ورؤية، وصبر، كللهم ربنا بتوفيقه"، كلمات تلخص رحلة طويلة كُتبت بالعرق والإيمان.

search