ثقافة القطيع في زمن الترند.. هل نختار حقا أم نقاد؟

ثقافة القطيع-صورة تعبيرية
أسيل وليد
هل توقفت يومًا وسألت نفسك: لماذا نشتري هذا المنتج؟ ولماذا نفعل أشياء لا نقتنع بها تمامًا؟ قد نعتقد أننا نتخذ قراراتنا بحرية، لكن الحقيقة أن كثيرًا من تصرفاتنا اليومية تخضع لما يُعرف بـ “سياسة القطيع” أو Herd Mentality، تلك الظاهرة النفسية التي تدفع الأفراد إلى تقليد الآخرين -أحيانًا بلا وعي- بدافع البحث عن القبول أو الخوف من الاختلاف والرفض.
ظاهرة قديمة.. بوجه عصري معقّد
رغم أن سياسة القطيع ليست اكتشافًا جديدًا في علم الاجتماع، إلا أن تأثيرها تضاعف في عصرنا الرقمي، فمع انتشار محتوى “المراجعات” على السوشيال ميديا، أصبح كثيرون يجربون منتجات أو يزورون أماكن لا يحبونها حقًا، فقط ليكونوا “مثل الجميع”.
الإنسان والدليل الاجتماعي
دراسة حديثة باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وجدت أن الأفراد يغيّرون قراراتهم عندما تتعارض مع رأي المجموعة، حيث تنشط مناطق “التكيف السلوكي” في الدماغ، ما يجعلنا نُعدّل مواقفنا لا شعوريًا لنكون مثل الآخرين.
ويشرح عالم النفس روبرت سيالديني، مؤلف كتاب Influence: The Psychology of Persuasion، هذه الظاهرة بما يسميه “الدليل الاجتماعي” (Social Proof)؛ أي ميل الإنسان للاعتماد على سلوك الآخرين كإشارة ضمنية للصواب أو الأمان أو الأفضلية.
بمعنى آخر: عندما ترى الآلاف يشيدون بمنتج أو يدعمون شخصية معينة، ستشعر بالميل لتبني نفس الموقف – حتى إن لم تكن مقتنعًا تمامًا.

السوشيال ميديا.. التضخيم بلا نهاية
أوضح تقرير من Harvard Business Review أن التأثير الاجتماعي أصبح أكثر حدّة في العصر الرقمي، حيث يدفعنا عدد “اللايكات” أو التفاعل الضخم على منشور ما لاتخاذ قرارات لا تعكس قناعاتنا الحقيقية، بل فقط لنواكب ما يبدو “رائجًا”.
وظهرت موجة جديدة تُعرف بـ “Copy Influencer”؛ مؤثرون صغار يعيدون إنتاج نفس محتوى المؤثرين الكبار للحاق بالترند، ورغم إدراك الجمهور لذلك، إلا أن التفاعل معهم لا يقل حماسة عن التفاعل مع الأصل، لأن العقل الجمعي ببساطة يقول: “االجميع يفعل ذلك”، فنشرب “الماتشا” رغم أننا لا نحبه، أو نشتري دمية “لابوبو” باهظة الثمن بلا قيمة فعلية، فقط لنكون جزءًا من الصورة “المقبولة اجتماعيًا”.
من تقليد بسيط إلى أداة تشكيل للرأي العام
لم تعد “ثقافة القطيع” مجرد شراء منتج رائج أو الانسياق وراء ترند سطحي، ولكن أصبحت أداة لتوجيه الرأي العام وصناعة المواقف الأخلاقية والإنسانية.
فاليوم، تُضخ آلاف الآراء والمواقف الجاهزة عبر تيارات متلاحقة على مواقع التواصل، حتى يصبح الصوت الأعلى هو “الحقيقة” – ليس بالمنطق، بل بقدرته على إحداث الضجيج، فيتبدّل موقف الشخص من قضية إنسانية بين ليلة وضحاها؛ متعاطفًا بالأمس، ساخرًا أو صامتًا اليوم، لأن الجو العام تغيّر.
والأسوأ أن المطابقة لم تعد دائمًا عن جهل، أحيانًا عن وعي كامل خوفًا من “التنمّر الإلكتروني” أو فقدان المتابعين أو اتهامنا بأننا “مختلفون”.
فيختار كثيرون السلامة الرقمية على حساب الصدق الداخلي.
متى نكون نحن؟
السؤال الذي يظل معلقًا: من نكون عندما نكتم صوتنا الحقيقي؟
هل نعيد نشر رأي لأننا نؤمن به، أم فقط لأن “الجميع” أعاد نشره؟
هل نضحك على نكتة مسيئة لأننا وجدناها مضحكة، أم لأن الآخرين ضحكوا؟
لقد تحول “العقل الجمعي” من مجرد قطيع يسير في الشارع، إلى خوارزمية تصنع الاتجاه، تضعك بداخله، ثم تقنعك أنك اخترته بنفسك.

الأكثر قراءة
-
بسبب مشاجرة.. القبض على البلوجر "أم مكة" في أكتوبر
-
مصدر بالتأمينات: صرف المعاشات قد يبدأ مساء اليوم عبر بعض البنوك
-
ماذا قال علاء مبارك عن واقعة "ابنة الرئيس مبارك"؟
-
محامية ابنة مبارك المزعومة تتبنى روايتها: أسرة قاسية تولت تربيتها
-
موعد لجنة التسعير المقبل 2025.. هل ترفع الحكومة أسعار الوقود مجددًا؟
-
وفاة قريب مرشح لمجلس الشيوخ وإصابة 3 آخرين في هجوم مسلح بديروط
-
تحذيرات الأب ومكالمة تليفون.. التحريات تكشف كواليس جريمة "فتاة الشرقية"
-
محمود خليل عضوا باللجنة العليا لرصد الأداء الإعلامي لانتخابات الشيوخ

أخبار ذات صلة
هياكل غامضة تشعل جدل أتلانتس من جديد.. هل عُثر على المدينة المفقودة؟
31 يوليو 2025 08:08 م
زياد الغريب.. بطل مصري يتألق في نيجيريا بعد تعافٍ استثنائي
31 يوليو 2025 06:41 م
ظل مع رأسه 20 دقيقة.. طبيب أمريكي يفقد حياته بالمصعد أمام أعين صديقه
31 يوليو 2025 02:24 م
"لعبة الموت".. إصابة 23 طفلا و3 بحالة خطيرة في ملاهي بالطائف (فيديو)
31 يوليو 2025 12:53 م
أكثر الكلمات انتشاراً