الأحد، 27 يوليو 2025

06:46 م

نبوءات آخر الزمان بصوت عكاشة.. أمة تُدار بالبخور

في مشهد أقرب إلى مسرح العبث، عاد الإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة إلى الواجهة، ليس كمحلل سياسي أو إعلامي كما كان يُصنَّف سابقًا، بل كـ”عرّاف سياسي” يتنبأ بما هو قادم لمصر والمنطقة العربية، مستخدمًا خطابًا مزيجًا من التحذيرات المبهمة، والمقولات الغامضة، والتشبيهات المثيرة للسخرية والقلق في آنٍ معًا.

اللافت في عودة عكاشة هذه المرة، ليست فقط في مضامين تصريحاته التي تشبه “أوراق التاروت” أكثر مما تشبه التحليل السياسي الرصين، بل في تصدّره للمشهد الإعلامي كمن يُهيَّأ له منابر لتهيئة الرأي العام لاتجاهات لا يُفصح عنها، أو ربما للتشويش على المشهد العام بقدر من “الضجيج الاستراتيجي”.

من إعلامي شعبوي إلى نبي زمانه!

منذ ظهوره في بدايات الثورة وحتى اليوم، عُرف توفيق عكاشة بأسلوبه الشعبوي المثير للجدل، لكن تحوّله مؤخرًا إلى “عرّاف سياسي” يُحذّر من نهايات مأساوية ويُبشّر بـ”خرائط إلهامية” لا تُعرَف مصادرها، يطرح تساؤلات:
هل هو تعبير عن فراغ إعلامي حقيقي؟ أم أنه جزء من سياسة مقصودة لتضليل وتهييج الرأي العام في ظل غياب الشفافية؟

بين الغموض والتهويل

في آخر إطلالاته، تحدّث عكاشة عن “مؤامرات كبرى تُحاك لمصر والمنطقة”، دون أي سند تحليلي أو معلوماتي، مستخدمًا خطابًا مليئًا بالتضخيم والإثارة:
    •    “القادم أسود”
    •    “ستُضرب بلاد العرب في مقتل”
    •    “النجاة لمن آمن بخط العرافة”

مثل هذه العبارات لا تصنع وعيًا ولا تفتح أفقًا، بل تكرّس عقلية الخوف والانقياد، وتُعيد إنتاج خطاب القدرية السياسية الذي يُغيّب إرادة الشعوب.

لماذا الآن؟ ولمصلحة من؟

عودة عكاشة في هذا التوقيت تحديدًا، مع ما تمر به مصر من أزمات اقتصادية خانقة، وتوترات إقليمية متصاعدة، تفتح الباب أمام فرضيتين:
    1.    إلهاء مدروس: فحين يغيب الحديث عن الجنيه وأسعار السلع، وتحل محله نبوءات “الضربة الكبرى”، فإن الجمهور يُساق بعيدًا عن قضاياه الحقيقية.
    2.    تهيئة الرأي العام: لا يُستبعد أن يكون ظهور مثل هذه الأصوات جزءًا من استراتيجية تمهيد نفسي شعبي لتقبل أحداث قاسية أو تغيّرات جذرية في المنطقة.

الخطر في الخطاب لا في الشخص

لا ينبغي اختزال المشكلة في توفيق عكاشة كشخص، بل في البيئة التي تسمح له بأن يكون “المُبشّر الرسمي بالمجهول”، وتفتح له المنصات ليصوغ وجدان العامة بلغة الخرافة لا العقل.

حين يغيب التحليل العلمي، ويُقصى الخبراء، وتُفتح الشاشات للمنجّمين والمتنبئين، نكون أمام خطر مضاعف: تضليل العقول، وتفريغ الناس من الأمل.

وأخيراً

ليس المطلوب من الإعلام أن يُخدّر الناس أو يبيع لهم اليأس المغلف بالخرافة، بل أن يُنير الطريق بالحقيقة مهما كانت صعبة.
وإذا كان توفيق عكاشة هو الصوت الذي يُراد له أن يتصدّر، فهذه ليست نكتة… بل مأساة!
مصر أكبر من أن يمثلها عرّاف. والمنطقة لا تحتاج نبوءات، بل تحتاج وعيًا وفعلًا حقيقيًا.

search