الجمعة، 01 أغسطس 2025

11:18 م

قبل أن تنفجر الجريمة وينهار السقف

لا يحتاج المارة اليوم في شوارع المدن العربية إلى عدسات كاميرا أو تقارير أمنية ليدركوا أننا نعيش حالة انهيار مجتمعي صامت، يصرخ من بين تفاصيل الحياة اليومية: طفل مشرّد، فتاة تُطارد في وضح النهار، شجار بالسكاكين لأتفه الأسباب، وأم تبكي ابنها الذي سقط ضحية رصاصة طائشة أو “تحرش ممنهج”.

لقد باتت الجريمة اليوم نصا يوميا في نشرات الأخبار، وأصبحت التحرشات، خاصة الجنسية، جزءا من المشهد العام الذي يعتاد عليه الناس حدّ التطبيع، بل أحيانًا، حدّ التواطؤ.

انفلات بلا قيم

يشير علماء الاجتماع إلى أن المجتمعات التي تفقد البوصلة القيمية تتحول تدريجيا إلى “مجتمعات خطرة”، حيث تنهار المنظومة الأخلاقية تحت ضغط الفقر، والبطالة، وسوء التعليم، وتآكل دور الأسرة. وفي بيئة كهذه، لا يعود الإنسان يرى الآخر شريكًا في الوطن، بل خصمًا في معركة البقاء.

التحرش.. جريمة أم ثقافة؟

ما يثير الفزع أكثر أن جريمة التحرش تحوّلت من فعل فردي معزول إلى ما يشبه “السلوك الجمعي”، يُمارس في المدارس، ووسائل النقل، وأماكن العمل، وحتى عبر الإنترنت، مدفوعًا بثقافة ذكورية منحرفة، وعجز قانوني واجتماعي عن الردع الحقيقي.

وإذا كان التحرش يعكس خللاً في الضمير، فإن تبريره يفضح انهيارًا أعمق في الضمير الجمعي: فبعضهم يلقي اللوم على الضحية، وآخرون يرون الأمر “عادياً” أو “مقبولاً ما دامت الفتاة خارجة وحدها”.

تغوّل الجريمة.. وتراجع القانون

في ظل هذا المشهد، تتسع هوة الثقة بين المواطن والدولة. فحين يشعر الناس أن القانون لا يحميهم، يسود منطق “القصاص الفردي”، وتصبح الفوضى بديلاً للعدالة. المجتمعات لا تنهار دفعة واحدة، بل تتآكل من الداخل بصمت، ثم تنهار فجأة.

ماذا بعد؟

لسنا بحاجة فقط إلى تشديد العقوبات، بل إلى ثورة مجتمعية أخلاقية وتعليمية، تعيد بناء الإنسان من الداخل، وتُصلح ما أفسدته عقود من التهميش والانفصال بين السلطة والشعب، وبين الدين الحقيقي والتدين الزائف، وبين القانون وعدالته.

نحن بحاجة إلى إعلام لا يكرّس العنف والتمييز، وتعليم يُربي العقل لا يحفظه، وقانون يردع لا يتفاوض، ومجتمع ينهض لا يتواطأ.

هل نستفيق قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة؟

search