الطلاق.. حين يصبح القرار الصعب هو أصدق أشكال الرحمة
لم يعد الطلاق في زمننا مجرد حدث اجتماعي صادم، بل أصبح ظاهرة تحتاج إلى قراءة واعية وتحليل عميق. ففي الوقت الذي يراه البعض هزيمة أو فشلًا في الحفاظ على بيت الزوجية، يراه آخرون خلاصًا نفسيًا وحقًا إنسانيًا مشروعًا بعد استنزاف طويل للعاطفة والكرامة والروح.
في مجتمعاتنا العربية، ما زال الحديث عن الطلاق محاطًا بكمّ من الأحكام الجاهزة، وكأن المرأة التي تختار الانفصال ترتكب خطيئة اجتماعية. غير أن علم النفس الأسري يؤكد أن الزواج غير الصحي أشد ضررًا من الطلاق ذاته، وأن استمرار علاقة قائمة على الإيذاء أو التجاهل يُولّد تشوهًا داخليًا ينعكس على الطرفين وعلى الأبناء أيضًا.
يحدث الطلاق عادة بعد مراحل متكررة من الفقد العاطفي والصمت النفسي. تبدأ القصة حين يتحول التواصل إلى صراع، والاختلاف إلى خصومة، والمودة إلى واجب ثقيل. ثم يدخل الزوجان مرحلة التجمّد العاطفي، حيث لا يوجع أحدهما الآخر بالكلمات، لكن يؤذيه بالإهمال والبرود والغياب الصامت. هنا، يصبح البقاء مجرد عادة، لا مشاركة حقيقية.
الاستشاريون في العلاقات الزوجية يشيرون إلى أن الطلاق لا يكون فشلًا إلا إذا جاء دون محاولة إصلاح حقيقية. لكن حين تُبذل كل الجهود وتُستنفد الحلول، ويظل الألم حاضرًا والاحترام غائبًا، يصبح الانفصال قرارًا ناضجًا يتخذه الإنسان دفاعًا عن سلامه الداخلي.
من الناحية النفسية، يفرّق الخبراء بين “الطلاق الانفعالي” و”الطلاق الواعي”. الأول اندفاعي يحدث بدافع الغضب أو الانتقام، وغالبًا ما يترك آثارًا قاسية على الطرفين. أما الثاني فهو اختيار عقلاني وهادئ يُتخذ بعد إدراك أن العلاقة فقدت مقوماتها الأساسية: الحب، الاحترام، والأمان.
الطلاق، في جوهره، ليس نهاية كما يظن الكثيرون، بل بداية جديدة لحياة أكثر وضوحًا. فبعده يُتاح للمرأة والرجل فرصة لإعادة اكتشاف الذات، وترميم الجراح، وفهم المعنى الحقيقي للعلاقة الإنسانية. أما الاستمرار في زواج ميت فليس حفاظًا على البيت، بل قتل بطيء لروحه.
إن أخطر ما يمكن أن تمر به المجتمعات هو التطبيع مع الألم باسم “التحمّل” و”الصبر”. لأن الزواج الذي يُبنى على الخوف من المجتمع لا على المحبة والاحترام، يتحول إلى قيدٍ ذهنيٍ ونفسيٍ خانق.
في النهاية، يبقى الطلاق قرارًا مؤلمًا، لكنه أحيانًا أكثر رحمة من البقاء في علاقة تذبل فيها الأرواح. إنه إعلان شجاع بأن السلام النفسي أولى من المظاهر، وأن الكرامة لا تُفاوض عليها مشاعر باهتة
وليس آخراً ؛
الطلاق ليس جريمة، بل قد يكون خطوة ضرورية لإعادة بناء الذات. هناك نساء ورجال يعيشون في علاقات أنهكتهم تمامًا، ومع ذلك يخافون من كلمة انفصال. في الحقيقة، القرار لا يُقاس بعدد السنوات ولا بنظرة المجتمع، بل بمدى ما تبقى من احترام وسلام داخلي. العلاقة التي تُطفئ إنسانيتك لا تستحق الاستمرار، والرحيل في الوقت المناسب هو قمة النضج لا الضعف..
الأكثر قراءة
-
تدافع وتحرش، خناقات بالكراسي فى زفاف كروان مشاكل وحفيدة شعبان عبدالرحيم
-
وداعاً داود عبد السيد.. فيلسوف السينما المصرية
-
توقعات الأبراج اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025، هناك فرص كثيرة متاحة
-
بعد إعلان اغتياله رسميًا، "حماس" تكشف عن صورة واسم أبو عبيدة الحقيقي
-
بعد إعلان "القسّام" اغتياله رسميا، من هو أبو عبيدة؟
-
موعد مباراة المغرب وزامبيا في كأس الأمم الأفريقية والقنوات الناقلة
-
نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025 في جولة الإعادة بسوهاج
-
"اتجوزت 4 مرات ومعايا إعدادية".. نص التحقيقات مع البلوجر نورهان حفظي (خاص)
مقالات ذات صلة
الزواج بين المسيحية واليهودية والإسلام.. من يملك جسد المرأة؟ ومن يقرر مصير الأسرة؟
07 ديسمبر 2025 10:52 ص
حين يُنتهك الطفل، من يحاكم المجرم: القانون أم المجتمع؟
25 نوفمبر 2025 10:42 ص
لماذا تتفكك البيوت في مصر؟
21 نوفمبر 2025 09:02 ص
حتى ُتزهر الديمقراطية عندنا
20 نوفمبر 2025 08:32 ص
أكثر الكلمات انتشاراً