الثلاثاء، 05 أغسطس 2025

12:15 ص

د. فتحي حسين
A A

نتائج الثانوية والجامعات الخاصة والأهلية!

لم يعد الغش في امتحانات الثانوية العامة مجرّد حالة فردية أو اختراق محدود، كما تصفها البيانات الرسمية المتكررة، بل صار طقسا سنويا يدار بوقاحة وجرأة، ويبث أحيانا على الهواء مباشرة عبر تطبيقات “تيليجرام” وصفحات تتحدى الدولة والقانون مثل صفحة شاومي الشهيرة.
 

ولكن الكارثة ليست فقط في الغش، بل في تسرب شعور لدى بعض الطلاب والأهالي أن “اللعب بات على المكشوف”، وأن التصحيح قد لا يعكس مجهودا حقيقيا، بل يخضع لمعادلات لا يجرؤ أحد على كشفها.


ما الذي يحدث كل عام مع نتيجة الثانوية العامة؟

تتكرر المأساة ذاتها، وتُرسم على وجوه آلاف الأسر علامات الذهول والخذلان، والإحباط في الوقت نفسه عندما تعلن النتائج دون مبرر منطقي لانخفاض الدرجات، وتنهار طموحات آلاف المتفوقين أمام واقع قاس يجبرهم على القبول بكليات لا يريدونها، في حين تفتح أبواب الجامعات الخاصة والأهلية والتكنولوجية على مصراعيها لأولئك القادرين، ماديا، على دفع الثمن!

هل يمكن أن نصدق حقًا أن هذا التراجع في المجاميع كل عام هو “طبيعي”؟!.. هل يعقل أن كل هذه الأخطاء في التصحيح والتقدير وغياب الشفافية في إعلان نتائج التظلمات هي مجرد مصادفات؟
أم أن هناك سياسة خفية – وإن لم يُعلن عنها – تقوم على تفريغ الجامعات الحكومية من أكبر عدد ممكن من الطلاب لصالح جامعات تدار كأنها شركات استثمارية؟
من غير الطبيعي أن يكون تنسيق المرحلة الأولى، ربما على مقاس الجامعات الخاصة، وأن يُدفع أولاد الفقراء إلى الحلم المستحيل، بينما يتصدّر الإعلان عن الجامعات الأهلية صفحات الجرائد وشاشات التلفاز كأنها المستقبل، رغم أنها لا تزال في طور التكوين والإعداد!
ومن غير المنطقي أن يتم خفض الحد الأدنى للقبول بهذه الجامعات بشكل حاد كل عام، بينما تُغلق بعض كليات القمة أبوابها في وجوه المتفوقين الذين لا يملكون سوى التفوق سلاحا!
نحن أمام منظومة تعليمية تبحث عن بوصلتها، لم يعد أحد يعرف من المسؤول الحقيقي عن هذه الكارثة التي تتكرر سنويا من شكاوى وأزمات وأخطاء رصد درجات ووضع امتحانات فضلا عن تسريب الأسئلة.
أين المسؤولون؟ وأين الرؤية الوطنية التي تدافع عن مجانية التعليم والحق في تكافؤ الفرص؟
أين لجنة التعليم في مجلس النواب التي لم نسمع لها صوتا وهي ترى الخرائط الجامعية يعاد رسمها بمعايير السوق لا بمعايير المصلحة الوطنية؟
فضلا عن لجان أولاد الأكابر الشهيرة التي يحصد فيها جميع الطلاب على الدرجات النهائية تقريبا بالغش!
إن أزمة الغش ليست قضية أخلاقية فقط، بل سياسية واقتصادية، وتتعلق بإدارة الملف الأخطر في حاضر مصر ومستقبلها: التعليم.
ولا يمكن أن نستمر في تزيين الكارثة بمصطلحات مثل «التطوير» و«الرقمنة» و«التحول التكنولوجي»، بينما نعجز عن ضمان ورقة إجابة تُصحَّح بعدالة، أو عن آلية تظلم تعيد للطالب حقه دون وساطة أو خوف أو تأخير.
لقد كان التعليم المجاني بوابة العدالة الاجتماعية في مصر منذ أيام طه حسين. واليوم، أدعي أنه يُسحب هذا السلاح تدريجيًا من أيدي الفقراء، وتُفتَح الساحة لتُدفع الأسر البسيطة إلى الاقتراض أو الانهيار أو الرضوخ باسم «الفرص البديلة»!
ومن يملك الشجاعة ليقول لنا: كيف تدار الأمور في لجان التصحيح؟ ومن سمح لغياب الثقة والعدالة وأن يصبح هذا هو «الطبيعي الجديد» في عيون أبنائنا؟
إن التعليم ليس سلعة. والغش ليس قدرا. والسكوت ليس حلا. بل هو جريمة مكتملة الأركان، إذا لم نتحرك لتصحيحها اليوم وليس غدا!

search