السبت، 09 أغسطس 2025

11:09 ص

حسن محسن
A A

تحت ستار الترفيه.. التوعية بمخاطر تيك توك

في ضوء الضربات الأمنية الناجحة التي وجّهتها أجهزة الدولة مؤخرًا ضد عدد من مشاهير منصة "تيك توك" المتورطين في نشر محتوى مسيء ومخل بالقيم المجتمعية، تتجدد الحاجة إلى رفع مستوى الوعي بمخاطر هذا التطبيق الذي تجاوز حدود الترفيه البريء. 

ففي زمن الانفتاح الرقمي المتسارع، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مكوّنًا رئيسيًا في تفاصيل الحياة اليومية للشباب والمراهقين، حتى تحولت إلى جزء لا ينفصل عن أسلوب التفكير وبناء القيم وتشكيل الوعي. 

وتأتي منصة «تيك توك» في مقدمة هذه المنصات بعد أن قفزت خلال سنوات قليلة من مجرد تطبيق بسيط لتبادل المقاطع القصيرة إلى ظاهرة عالمية تخترق الحدود الجغرافية والثقافية، وتستقطب ملايين المستخدمين يوميًا عبر محتوى جذاب وسريع الانتشار، غير أن هذا البريق الظاهري يخفي وراءه مخاطر حقيقية تتسلل بصمت إلى العقول، مهددةً منظومة القيم المجتمعية، ومحدثة شرخًا في الهوية الثقافية، إضافة إلى ما قد تحمله من تهديدات للأمن الاجتماعي والنفسي للأجيال الناشئة.

تلاعب بالعقول وتزييف للواقع

تعتمد منصة «تيك توك» على خوارزميات ذكية تدفع المستخدم بشكل غير مباشر نحو المحتوى الذي يثير فضوله، بغض النظر عن قيمته أو مصداقيته. هذه الآلية تخلق بيئة منغلقة تحاصر الشباب بمقاطع سطحية أو مثيرة تروّج لسلوكيات خاطئة، وتزرع مفاهيم مغلوطة عن النجاح والجمال والأخلاق.

إدمان قاتل وتراجع الإنتاجية

لا يقتصر الخطر على المحتوى وحده، فإدمان التمرير المستمر لساعات طويلة يسرق الوقت والطاقة، ويُضعف القدرات الذهنية والاجتماعية للمستخدمين، مما يؤدي إلى تدني التحصيل الدراسي وتراجع الأداء المهني بشكل ملحوظ.

محتوى غير لائق وقيم مهددة

رغم محاولات الرقابة، يظل المراهقون عرضة يوميًا لمقاطع تحمل عنفًا أو إيحاءات غير أخلاقية أو أفكارًا متطرفة، وهو ما يترك آثارًا نفسية عميقة قد تمتد لسنوات، ويشكل تهديدًا مباشرًا لتوازنهم النفسي والسلوكي.

تآكل الهوية والثقافة الوطنية

تعمل المنصة على الترويج لثقافات دخيلة وأنماط سلوكية غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، ما يشكل خطرًا على الهوية الثقافية للأجيال الجديدة، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تسعى للحفاظ على قيمها الأصيلة وسط موجة العولمة الرقمية الجارفة.

مخاطر أمنية واختراق للخصوصية

حذر خبراء التكنولوجيا مرارًا من أن «تيك توك» يجمع بيانات واسعة عن المستخدمين تشمل الموقع الجغرافي وسجل التصفح والأنشطة اليومية، وهو ما قد يُستغل في أغراض تجارية أو حتى لأهداف تمسّ الأمن القومي، ما يضعنا أمام تحديات حقيقية في حماية الخصوصية والأمن المعلوماتي.

تأثير "تيك توك" على صحتنا النفسية والعقلية

وفقا لدراسة من باحثي علوم الكمبيوتر بجامعة "مينيسوتا توين سيتيز"، فإن تأثير "تيك توك" على الصحية العقلية للمستخدمين معقد، كما أنه في حين أن هذا يمكن أن يكون رائعا لعرض المزيد من المحتوى الذي يعجبك، إلا أنه قد يؤدي أيضا إلى وجود فجوة من المحتوى السلبي الذي يكاد يكون من المستحيل الهروب منه.

وفي  السياق ذاته، حذرت الدكتورة "مايا مرسي" وزيرة التضامن الإجتماعي، من أن هذه المنصة قد تؤدي لانفصام الشخصية، وأن بعض الأطباء النفسيين يرون أن تيك توك قد يساهم في اضطرابات انفعالية وسلوكية، خاصة مع انتشار التحديات الخطيرة وتقليد بعض المراهقين لتشنجات أو أعراض عصبية ظهرت في مقاطع فيديو، وأيضاً يسبب العزلة الاجتماعية، فعلى الرغم من أن التطبيق يعزز التواصل الافتراضي، إلا أنه قد يؤدي إلى العزلة عن المجتمع الواقعي والأسرة والأصدقاء، ويؤثر على مهارات التفاعل الاجتماعي.

الاستخدام الواعي.. الحل الأمثل

الحملة التوعوية لا تهدف إلى حظر أو مقاطعة المنصة بشكل كامل، بل تدعو إلى استخدام أكثر وعيًا ومسؤولية. على الأهل متابعة نشاط أبنائهم وتوجيههم إلى المحتوى الآمن والنافع، وعلى المدارس والهيئات الثقافية إطلاق برامج توعية رقمية تعزز الثقافة الإعلامية، وتمكّن الشباب من التعامل النقدي مع المحتوى بدلًا من الانقياد وراءه. 

كما يجب على الجهات التشريعية والإعلامية دعم هذه الجهود بخطاب متوازن يحمي القيم والأخلاق، دون أن يغفل عن حق الشباب في الترفيه والاستفادة من التكنولوجيا بشكل إيجابي.

ختامًا.. التكنولوجيا في جوهرها أداة تقدم ونهضة، لكنها قد تتحول إلى وسيلة للضياع إذا أسيء استخدامها. فلنجعل من وعينا الرقمي خط الدفاع الأول لحماية قيمنا وأجيالنا القادمة، ولنعمل جميعًا، مؤسسات وأفراد، على تحويل وسائل التواصل إلى منصات تبني العقول ولا تفسدها.

search