الخميس، 25 ديسمبر 2025

02:09 م

عزيمة وإصرار، غزاوية كفيفة تنال الماجيستير رغم وفاة 100 من عائلتها بالحرب

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر

ضربت الطالبة الغزاوية مريم ماهر أبو عيدة، أروع الأمثلة في الصمود والإرادة والعزيمة، بعدما حصلت على درجة الماجستير في اللغة العربية من كلية الآداب بالجامعة الإسلامية بغزة، متجاوزة بذلك كل العقبات والتحديات التي واجهتها خلال مسيرتها الدراسية.

واستحقت الطالبة هذا الإنجاز عن جدارة، من خلال تقديم رسالة علمية متميزة بعنوان: “المفاعيل في رواية رأيت رام الله لمريد البرغوثي – دراسة وصفية تحليلية”، والتي عكست عمق دراستها وتميز بحثها.

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر 

وقالت الباحثة الغزاوية لـ“تليجراف مصر”، إنها ولدت في الإمارات، وسط فرحة عائلية كبيرة بقدوم مولود جديد،  وقد قيل يومها إن قدومها جاء بالخير، لكن الحياة لم تكن سهلة منذ البداية، فقد لاحظ الأهل بكاءها وغزارة دموعها، ليكتشفوا لاحقًا إصابتها بضغط في العين، رغم أن نظرها كان طبيعيًا حينها.

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر 


منذ عامها الخامس، وبعد مراجعات طبية مستمرة، قرر الأطباء تركيب أنبوب لتصريف ”المياه الزرقاء” ، على أمل حماية الرؤية، إلا أن العين اليسرى لم تحتمل التدخل، وتحول موضع الأنبوب إلى “دمّل خطير”، مما استدعى إجراء عملية جراحية أدت إلى فقدان الرؤية بالعين اليسرى، فأصبحت مريم تعتمد على عينها اليمنى بشكل كامل.

 التحقت بمدرسة مخصصة لضعاف البصر

مع انتقال عائلتها إلى غزة في عامها التاسع، بدأت مريم تجربة المدرسة بشكل جديد،  يومها الأول كان صعبًا للغاية، لم تستطع رؤية اللوحة بسبب ضعف النظر، ما جعلها تبكي بحرقة وتطلب من والدتها عدم العودة إلى المدرسة، بعد ذلك، التحقت بمدرسة مخصصة لضعاف البصر، حيث واجهت صعوبات في التأقلم، ثم نقلت إلى قسم المكفوفين، وهو القرار الذي تصفه اليوم بأنه من أهم قرارات حياتها، إذ مكنها من تعلم لغة “برايل” خلال فترة قصيرة، رغم صغر سنها.

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر 

تحديات كبيرة واجهتها الشابة الغزاوية 

خلال هذه المرحلة، واجهت مريم تحديات كبيرة، بما في ذلك السفر إلى القدس لإجراء عملية لتخفيف ضغط العين المرتفع بسبب الضغوط الدراسية، ومع ذلك، أحرزت نتائج متميزة، إذ أنهت الصف الرابع بمعدل 81.5%، معتمدة على الدراسة الملقنة ومساعدة والدتها.

مع تقدمها في الدراسة، نمت لدى مريم رغبة قوية في أن تصبح طبيبة عيون، قائلة بروح الفكاهة: “أريد أن أكون دكتورة عيون، عشان أخرب عيون الي خربوا عيني" .

موهبة بالرسم 

رغم حبها للرسم وموهبتها، اضطرت مريم في سن الخامسة عشرة للتوقف عن ممارسة الرسم بشكل مكثف، حفاظًا على عينيها، لكنها استمرت بالرسم بخيالها، مبتكرة لوحات داخلية على الأرض، دون استخدام أدوات حقيقية، كرمز لصمودها وإبداعها المستمر.
في الثانوية العامة، واجهت مريم قرارًا صعبًا حين ألزمت بالفرع الأدبي رغم تفوقها في المواد العلمية، ومع ذلك، أنهت مرحلة التوجيهي بتفوق ملحوظ، بمعدل 96.5%، متجاوزة الصعوبات ومحققة إنجازًا شخصيًا كبيرًا، وفي المرحلة الجامعية، بدأت رحلة الاعتماد على الذات، واجهت خلالها تحديات جسدية ونفسية، بما في ذلك عمليات جراحية متكررة جعلتها توصف بـ”الجبارة”، رغم صغر سنها.

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر 

مجزرة غزة أودت بمئة شخص من أقاربها 

أما عن مرحلة الدراسات العليا، فكانت الأصعب بالنسبة لها ، إذ عانت من نقص الكتب بلغة “برايل” واضطرت لكتابة بعض المواد يدويًا، بمساعدة والدتها في جمع المعلومات، قبل أن تبدأ رسالة الماجستير، لكن قبل اكتمال استعداداتها، اندلعت الحرب في قطاع غزة، ما تسبب في نزوح عائلتها، بعد مجزرة أودت بحياة أكثر من مئة شخص من أقاربها، بما في ذلك والدها، الذي استشهد ولم تتمكن من توديعه، لتكتشف لاحقًا رفاته المتناثرة.

عمود فقري وخمس عظمات وهويته

وتقول إن أقاربها عادوا للبحث عن رفات والدها لدفنه ولم يجدوا سوى عموده الفقري وخمس عظمات وهويته ملطخة بدمه فدفنوه، وبعد ثلاثة أشهر عندما قاموا بحفر أرض بيتهم لنصب الخيام وجدوا القفص الصدري والجمجمة فدفن مرة أخرى.

وتابعت: عانيت جدًا في الحرب ولم أستطع إكمال أطروحتي في الماجستير تلقيت تشجيعًا من أمي، وتعبت كثيرًا واجهتني مشاكل كثيرة تتعلق بوضع عيني ونظري المتبقي بسبب النزوح وعدم ملاءمة البيئة والدخان والركام.

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر  ووالدها 

أصرت على استكمال الماجستير

رغم كل هذه الصدمات، استمرت مريم في مسعاها الأكاديمي، بإصرار على استكمال الماجستير، رغم تدهور وضع عينها بسبب آثار الحرب والتعرض للركام والدخان، واضطرت لإجراء عملية مستعجلة لزراعة صمام، مع الحاجة لعمليات إضافية لتعزيز الرؤية.

الباحثة الشابة الغزاوية مريم ماهر


الآن،  تقف مريم أبو عيدة، بصبر وإرادة، محتسبة، راضية بما وصلت إليه، ومتمسكة بطموحها في التعليم والإنجاز، رغم كل فقد وألم عاشته، لتكون مثالًا حيًا على قوة الإنسان في مواجهة الصعاب، وعلى أن الإرادة تصنع المعجزات، حتى عندما يُخيم الظلام على العينين والحياة.

أقرأ أيضا: 

"عزيمة وإصرار"، طلاب غزة صورة مشرقة للصمود في الثانوية العامة

في الثانوية العامة، رحلة طلاب غزة من المذاكرة تحت القصف والنار إلى النجاح (خاص)

search