الأحد، 10 أغسطس 2025

03:52 ص

السكر بـ100 دولار.. من يسرق مساعدات الفلسطينيين في غزة؟

البلوجر عبود في اسواق غزة

البلوجر عبود في اسواق غزة

وسط أكوام الدمار في قطاع غزة والمشاهد المخيفة للأطفال الذين تحولوا لهياكل عظمية مكسوة بالجلد، وعلى إثر وإدخال المساعدات للقطاع، تزايدت تساؤلات الفلسطينيين حول وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها على العائلات المحتاجة. 

فرض علينا الجوع

يبدأ البلوجر الغزاوي رحلته بالحديث عن الجوع الذي لزم السكان أيام وأسابيع وبثته وسائل الإعلام، وسط العمارات التي تركت طائرات الاحتلال بصماتها عليها، والسيارات التي تزين الشوارع بلا وقود، قائلاً إن شعب غزة، لم يعرف الجوع طوعًا، بل فُرض عليه الحصار والتجويع بالقوة، مما جعل الاحتياجات الغذائية الأساسية مطلبًا ملحًّا للجميع.

يصف هذه الاحتياجات بأنها كميات من الطحين والسكر، إضافة إلى مواد غذائية أساسية مثل الحلاوة الطحينية، العدس، المعكرونة، والأرز، وهي عناصر بسيطة لكنها ضرورية لضمان الحد الأدنى من مقومات العيش اليومي في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي تمر بها غزة.

أعرب البلوجر عن خيبة أمله لأن جزءًا كبيرًا من الأسر لم يتلقَّ أي حصص غذائية حتى الآن، بما في ذلك "الكابونة" أو الطرود الغذائية وأكياس الطحين، مؤكدًا أن الكميات التي وصلت إلى القطاع على مدار أيام عديدة لم تكن كافية لتغطية احتياجات السكان، وقد باتت أسباب عدم وصول المساعدات واضحة للجميع. 

أين تصل المساعدات الإنسانية؟

وفجر البلوجر الغزّي "عبود" مفاجأة بأن المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع لا تصل في كثير من الأحيان إلى المواطنين العاديين، بسبب ما يحدث لحظة دخولها عبر المعابر. 

وأوضح في مقطع مصور أن "فور وصول الشاحنات إلى أول أراضي غزة أو على الحدود، يتجمع المئات من الأهالي عند بوابات المعبر، ويهجمون على الشاحنات للاستيلاء على الحاويات، وهو ما ظهر جليًا في مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وأضاف عبود أن المواد الغذائية، سواء الطحين أو الطرود الغذائية، تُسحب بالكامل في تلك اللحظات، ما يجعل من الصعب على مواطنين مثله – ممن لا يتواجدون في تلك المواقع – الحصول على أي حصة غذائية. 

وتابع قائلاً: "اليوم اضطررت أنا وزوجتي أم عبود للنزول إلى السوق وشراء الطحين والسكر والمكرونة والأرز والحلاوة الطحينية، لتأمين احتياجات الأولاد ومواصلة حياتنا اليومية".

رحلة في قلب المعاناة

ووثق البلوجر عبود، في مقطع مصور، رحلته التي يعيشها معظم الأهالي، حيث من المفترض أن توزع المساعدات الغذائية مجانًا على السكان، إلا أنها تصل في النهاية إلى الأسواق وتُباع بأسعار مرتفعة.

وقال عبود، الذي ظهر برفقة زوجته "أم عبود" في جولة ميدانية، إنه قرر توثيق الأمر بنفسه، موضحًا: "هذه البضائع التي نراها هنا في السوق كان يفترض أن تكون من نصيبنا مجانًا، لكننا نجدها معروضة للبيع، وبأسعار لا يستطيع الكثيرون تحملها"، مضيفًا أن جميع المواد الغذائية من طحين وسكر وأرز وحلاوة طحينية، والتي كان ينبغي أن تصل مباشرة للمحتاجين، أصبحت سلعة تباع في المحال التجارية، ما يفاقم معاناة الأسر الفقيرة في غزة.

بورصة “السلع المجانية” في أسواق غزة

استكمل عبود جولته الميدانية ليوثّق بالأرقام الفوارق الصادمة في أسعار السلع الأساسية، بما فيها المواد التي يُفترض أنها مساعدات إنسانية مجانية.

وقال عبود: "تخيلوا يا جماعة، حليب الأطفال الذي دخل كمساعدات من المفترض أن يكون مجانًا، وجدناه معروضًا في السوق بـ250 شيكل، مع أن بعض الباعة يبيعونه بـ400 شيكل، صحيح أن السعر أقل عند هذا البائع، لكننا مضطرون للشراء لأنه لا خيار آخر"، مضيفًا أن سعر الحليب في الأساس لا يتجاوز 50 شيكل، وهو مخصص للأطفال المحتاجين.

وأشار إلى أن أسعار باقي المواد الغذائية ما زالت مرتفعة، رغم انخفاض طفيف في بعض الأصناف، موضحًا: "البرغل اليوم بـ40 أو 45 شيكل، بعدما كان قبل أسبوع بـ150 شيكل، الأرز انخفض قليلًا إلى 40 شيكل، والسيرج بـ60 شيكل.

“ملك السكر محافظ على هيبته” بتلك الكلمات وصف أسعار السكر مبينًا أن السكر ما زال متربعًا على العرش بـ250 شيكل للكيس، أي نحو 100 دولار للكيلو، وهو سعر جنوني بكل المقاييس"، مشيرًَا إلى أنه حصل على 80 جراما بـ20 شيكل يعني تقريبا 5 دولارات مؤكدًا أن الارتفاع ما زال كبيرًا مقارنة بما كان متوقعًا.

كم تكلفت جولة الشراء للمساعدات المباعة في الأسواق

وأوضح عبود أنهم كانوا يخططون لشراء مربى وحلاوة، لكن نفاد الأموال حال دون ذلك، مكتفين بشراء منتجات أساسية، مثل البامبرز، البرغل، النعنع، السكر، المنظفات، ومسحوق الغسيل، لافتًُا إلى أن تكلفة الجولة بلغت نحو 700–800 شيكل (حوالي 250 دولارًا)، مشيرًا إلى أن البامبرز وحده استهلك ما يقارب 100 دولار.

وأشار أنهم اشتروا البرغل لطهيه كـ"غداء"، وذلك لتوفير الطحين الذي يصعب على سكان غزة الحصول عليه بسهولة، قائلاً: “نحن لما نجيب برغل اعرفوا إننا هنوفر من الطحين”.

وعلق عبود بالقول: "هذه البضائع كان من المفترض أن تصلنا مجانًا ضمن المساعدات، لكنها تُعرض للبيع بأسعار باهظة، ونحن مضطرون للشراء رغم ذلك، على أمل أن تتحسن الأوضاع قريبًا"، معتبرًا أن المشهد يعكس حجم المعاناة التي يعيشها سكان القطاع في ظل الحصار ونقص المواد الأساسية.

عمولة 50% ورفض للعملات

استكمل البلوجر الفلسطيني "أبو عبود" حديثه عن جولته في الأسواق، لافتًا إلى أن حتى الحصول على النقود بات عملية شاقة ومكلفة، إذ يضطر لدفع عمولة وصلت إلى 50% عند سحب المبلغ.

وأوضح أنه خلال عملية السحب، واجه مشكلة مع الأوراق النقدية، حيث رفض البائع قبول الورقة الأولى بحجة أنها ممزقة، كما رفض الثانية بدعوى أنها "مهترئة"، قبل أن يوافق أخيرًا على الورقة الثالثة، وأضاف مازحًا: "الحمد لله، هذه المرة ثبتت معنا".

وأشار أبو عبود إلى أن المبلغ المسحوب بالكاد كفى لشراء كيلو من أحد المنتجات الأساسية، مؤكدًا أن هذه المعاناة تعكس حجم الصعوبات المعيشية التي يواجهها سكان غزة يوميًا، سواء في تأمين احتياجاتهم أو حتى في الحصول على أموالهم.

ليسوا تجارا حقيقيين

خلال استكماله لحديثه عن جولته التسويقية، أشار البلوجر الفلسطيني "أبو عبود" إلى أن بعض التجار يرفضون تصوير بضائعهم وأسعارها أمام الكاميرا، بحجة أن عرض الأسعار على العلن قد يضر بمصالحهم. 

وأوضح أن هؤلاء ليسوا تجارًا بالمعنى التقليدي، بل أشخاص عاديين حصلوا على تلك المساعدات واستغلوا ظروف الحرب للدخول في عالم البيع والشراء بهدف تحقيق مكاسب سريعة، رغم أنهم لم يكن لديهم خبرة سابقة في التجارة.

search