الأربعاء، 13 أغسطس 2025

09:07 م

الشاعر الكبير مصطفى رجب يكتب: عِشْ مغفلا تعش طويلا!

تعاني المجتمعات البشرية المعاصرة من ظاهرة سلبية بدأت تثير قلق العلماء والباحثين، وهي ظاهرة تناقص أعداد المغفلين بشكل ملحوظ. 

فقد أدى انتشار وسائل الإعلام والتوسع في استخدام التكنولوجيا في المنازل والمدارس إلى (تنوير) العقول تنويراً مبالغاً فيه حتى أصبح العباقرة والمستنيرون يمارسون أحقر الحرف ويمتهنون أدنى المهن من فرط زيادتهم. في حين أصبح العثور على مغفل واحد يقتضي جهداً وبحثاً طويلين. 

وقد دعت هذه الظاهرة العلماء إلى محاولة إيجاد حلول علمية لحماية فصيلة المغفلين من الانقراض، حتى لو أدى الأمر إلى إنشاء عدد من (المحميات الطبيعية) لتربية وحماية حقوق فئة المغفلين واستخدام الهندسة الوراثية في استنبات أجيال جديدة من المغفلين. 
وقد عقد مؤخراً عدد لا بأس به من المؤتمرات العلمية في عدة دول - لم يُعلن عنها بعد- لوضع استراتيجية محددة الملامح لرعاية المغفلين. وتحديد المهارات الواجب توافرها في الفرد لينتقل إلى صفوف المغفلين. وقد تسربت أنباء تلك المؤتمرات فمن خلال تلك المؤتمرات تم وضع إستراتيجيات محددة للحفاظ على هذا النوع النادر من البشر، وأيضاً توصل بعض العلماء إلى عدد من المهارات التي يمكن للشخص العادي إذا تحلى بها أن ينضم إلى صفوف المغفلين بسهولة. ومن هذه المهارات على سبيل المثال: 

الهرولة إلى “الأوكازيونات”

الأوكازيونات التي تعلن عنها الشركات وتزعم أنها تبيع خلالها منتجاتها وما تقوم بتوزيعه بثمن بخس يصل أحياناً إلى نصف الثمن الأصلي. 

ويزعم المتشائمون وأعداء النجاح أن تلك الأوكازيونات تقام سنوياً مرتين لتصفية السلع الراكدة في المصانع والشركات والتي ساءت أحوالها من التخزين الطويل ولم تعد تتحمل تخزيناً أكثر، فهم يعرضونها بأسعار مخفضة ليتخلصوا منها لتفريغ المخازن وخوفاً من فسادها وليس سعياً مشكوراً لإسعاد المواطن وتخفيف أعبائه. 
ويروج بعض الخبثاء وسيئي النيات أن الشركات والمصانع تعيد تسعير سلعها قبيل الأوكازيون، بحيث إذا أعلنت عن تخفيضات تكون في الواقع تبيع بالسعر الذي أعرض عنه الناس طوال العام حتى ما قبل الأوكازيون بأيام. 
والواقع أن  تلك الأقاويل مغرضة وواضحة التهافت، فالشركات والمصانع أسمى من أن تلجأ إلى هذه الأساليب الرخيصة، وذلك ببساطة لأنها تعاني أساساً من شدة الرواج وجميعها - بلا استثناء- 
حازت كأس الإنتاج وشهادات الجودة العالمية ومنتجاتها تهدد منتجات اليابان وأمريكا وألمانيا في جميع أسواق العالم، كما شهد بذلك الرحالة وجوّابو الآفاق. وإنما هي تقيم الأوكازيونات لدواعٍ إنسانية نبيلة هي التمتع برؤية الموظفين وهم يقفون خاشعين إلى جوار زوجاتهم يوازنون بين الأسعار المخفضة وعلى وجوههم ملامح السعادة. 

التشبث بأقوال الأطباء

يسئ بعض الناس الظن ببعض الأطباء الذين يطلبون إليهم تقديم صورة بالأشعة أو رسم للقلب ويفهمون ذلك على أنه نوع من الكسل ورغبة في توفير الوقت في حالة الأشعة. أو أنه رغبة في تحصيل ثمن جهاز رسم القلب الموجود بالعيادة ذاتها. كما يشيع بعض الخبثاء أن بعض الأطباء حين يتمسك بأدوية معينة من صيدلية معينة إنما يفعل ذلك لأن الصيدلية ملك له أو لزوجته أو لأخيه.

فكل ذلك محض افتراء، وقد وصل ببعضهم الافتراء إلى حد مخيف فقد حكى أحد القرويين أنه زار طبيباً جراحاً مشهوراً نصف شهرة وكان يشتكي من البواسير فصمم الطبيب أن يقوم هذا الفلاح بعمل نظارة فلما توجه إلى طبيب العيون الذي حدده له الجراح وجد تشابهاً في الأسماء فأصابته حالة غريبة اتضح فيما بعد أنها حالة نادرة من (الزغطة) أصابت عبارات هذا الفلاح بالتقطع وأصابت مجالسيه ومستمعي قصته بحالة غريبة من الضحك المفاجئ، مما انتهى بالفلاح إلى طبيب نفسي يعالجه من الاكتئاب الذي أصيب به ليمكن بعد ذلك تحويله إلى طبيب باطني يخلصه من حالة الزغطة التي تكاد تنسيه ضعف بصره بسبب إصابته بالبواسير الحادة!! 

قراءة الصحف

ليس صحيحاً ما يشيعه البعض حالياً من أن ثلاثمائة صحيفة أصبحت تصدر الآن في مصر بين يومية وأسبوعية ونصف شهرية ومسائية وصباحية وكلها تدعي أنها مستقلة إلا تلك الصحف الخاصة بالأحزاب. وليس صحيحاً ما يشاع من أن أحد زعماء أحزاب المعارضة المستأنسة تخصص في استخراج رخص للصحف يبيعها بعد ذلك بثمن يحدده هو، ويكون له نسبة في موارد الصحيفة من الإعلانات. فالواقع أن كل تلك إشاعات مغرضة تختفي من بلادنا بفعل الحرب الدموية بين التنوير الصحفي اليومي الكاسح وبين شبح الأمية الذي بدأ يتهاوى تحت معاول التنوير. 

ثم ما بالك تنشغل وتقلق أعصابك بأن يكون أبناؤك من أوائل الخريجين؟ وهل سيكون خريجين بلا أواخر وأواسط؟ فإذا كنت أنا وأنت وكل الناس حراصاً على أن يكون أبناؤهم الأوائل فمن أين يأتي الأواخر والأواسط إذًا؟

فكر في هذا الأمر ملياً، لتكتشف أن الناس يلهون ويلعبون بل إنهم – رزقك الله النباهة- غير واقعيين.. فهل رأيت أباً لا يحب أن يكون ابنه طبيباً أو مهندساً؟ أو صيدلانياً؟ أرأيت إلى المجتمع كيف يكون إذا تحققت أمنيات جميع الآباء؟.. أيستسيغ عقلك –العبقري- أن يكون العربجي والمكوجي والزبال والخباز ورجل المطافئ من خريجي الهندسة والطب والصيدلة؟
إن أماني الآباء إذا تحققت فستقع كارثة حتماً.. لأن طبيعة الحياة تقتضي أن يكون في المجتمع لصوص، وبائعو قطع غيار دراجات، وعتالون، وأساتذة ، وتجار مخدرات، ورؤساء جامعات، وقطاع طرق،  ونشالون، ونظار مدارس، ولاعبو كرة، وأمناء أحزاب، ومديرو بنوك، ومحاسبون، وبرلمانيون،  وطبالون وراء الراقصات، ومطربون شعبيون، وصحفيون، وكتاب منافقون، وأعضاء في الأحزاب متسلقون، وسائقو سيارات، ونصابون، ومعتادو إجرام.
فهل تستسيغ بعقلك – الألمعي- أن يكون الطبيب لصًّا؟ والمحامي غشاشاً؟ والمهندس قاتلا؟ والكاتب أفّاقا؟ ومؤلف الأغاني سكيراً؟ والمطرب مخنثاً؟ والسياسي رقّاصا؟ أو أن يكون رئيس الجامعة محتالا كذوبا؟وناظر المحطة منافقا؟وأمين الحزب مدمنا أو زير نساء؟ورئيس المدينة تاجر بقالة؟والنائب عن الشعب طبالا؟
كل ذلك لا يستقيم بالطبع. فاشتر دماغك وارفع سعرها –رفع الله مقامك- وعش طرطورًا فسيتخرج أبناؤك حسب قدراتهم وسيشغلون المواقع الخالية المتاحة لهم دون أن تتكبد عناء مذاكرتهم وتشجيعهم فقد يبغضونك إذا قسوت عليهم وفي ذلك عناء كبير.

search