الجمعة، 15 أغسطس 2025

09:17 م

أمل منصور
A A

العيش في بيت العيلة.. امتحان صعب للحب والزواج

الحب حين يكون جديدًا، يكون مثل بذرة طرية تحتاج إلى تربة خاصة وضوء معتدل وجرعة ماء منتظمة. وحين يبدأ الزوجان حياتهما تحت سقف واحد مع العائلة، تصبح هذه التربة مشتركة، والضوء موزعًا على أكثر من قلب، والماء يمرّ عبر قنوات كثيرة قبل أن يصل إلى تلك البذرة. في تلك اللحظة يبدأ الامتحان الحقيقي، ليس للحب فقط، بل للصبر والحكمة والتكيف.

العيش في بيت العائلة قد يبدو في البداية حلاً عمليًا لتخفيف الأعباء المالية أو لوجود دعم ومساندة من الأهل، لكنه على المستوى العاطفي اختبار قاسٍ، لأنه يفرض على الزوجين مشاركة حياتهما الخاصة مع آخرين، سواء في المساحة المادية أو في مساحة القرارات والمشاعر. في البيت الكبير، لا تكون الجدران عازلة للأصوات أو الأسرار، وتصبح كل لحظة خاصة معرضة لأن تُقرأ أو تُفسَّر أو تُعلَّق عليها.

المرأة في هذا الوضع قد تجد نفسها أمام أكثر من دور تؤديه في آن واحد: زوجة، وعضو جديد في أسرة الزوج، وربما تُعامل أحيانًا كابنة في نظر أهله. هذا التعدد في الأدوار يرهقها نفسيًا، خاصة إن كان عليها أن توازن بين إرضاء شريك حياتها وإرضاء من يشاركونهم السكن. قد تجد نفسها مضطرة لتأجيل مشاعرها أو كبت انزعاجها، حتى لا تتحول اللحظة إلى خلاف عائلي أكبر من حجم المشكلة.

أما الرجل، فيحمل هو الآخر عبئًا مختلفًا. وجوده في بيت العائلة يضعه في وضع الوسيط الدائم، بين حماية خصوصية زوجته والحفاظ على علاقته بأهله. قد يشعر بالضغط حين يجد نفسه ممزقًا بين طرفين يحبهما، لكنه يعلم أن أي انحياز كامل لأحدهما قد يكلفه خسارة الآخر أو جرحه. ويزداد الضغط حين تكون قراراته الحياتية أو حتى تفاصيل يومه محل نقاش أو تقييم من أكثر من شخص.

تزداد حدة الأمر حين يكون الزوج غير متمكن من فن التوازن بين هذه الأدوار، فلا يعرف كيف يمنح كل طرف حقه في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. قد يميل أحيانًا إلى مجاملة أهله على حساب راحة زوجته، أو يتساهل في تجاوزات قد تراها الزوجة انتقاصًا من مكانتها. ومع مرور الوقت، يتراكم شعور الزوجة بأن شريك حياتها لا يحمي مساحتها الخاصة ولا يضع حدودًا واضحة تحافظ على كرامتها، مما يفتح الباب لمشكلات متكررة وجرح صامت يكبر في قلبها.

رد فعل الزوجة في هذه الحالة قد يتراوح بين الانسحاب العاطفي التدريجي، أو الدخول في مواجهات مستمرة مع الزوج أو حتى مع العائلة، مما يحوّل البيت إلى ساحة مشحونة بالتوتر. وإن لم تُحل هذه التوترات بوعي ونضج، فقد تتحول الحياة الزوجية إلى سلسلة من الصراعات الصغيرة التي تنحت جدران الحب حتى تنهار، ويصبح الانفصال – سواء العاطفي أو الفعلي– هو النتيجة المؤلمة التي لم يكن أي منهما يتصورها في البداية.

المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في الاحتكاك المباشر، بل في الحدود التي يصعب رسمها تحت سقف واحد. حتى لو كانت النوايا طيبة، فإن تداخل المساحات يولد سوء فهم، وأحيانًا مشاعر ضيق لا يُقال عنها الكثير لكنها تترسب في القلوب. خصوصية العلاقة الزوجية قد تصبح هشة حين يعرف الآخرون مواعيد الخروج والدخول، أو يسمعون نبرة الحوار بين الزوجين، أو يلمحون الخلافات الصغيرة قبل أن تُحل.

البعض ينجح في تجاوز هذه التحديات بفضل شخصية متوازنة من الطرفين ووعي عائلي يحترم الخصوصية، لكن في حالات كثيرة، تتحول الحياة تحت سقف العائلة إلى أرض مليئة بالألغام العاطفية. كل كلمة قد تُفسر على نحو شخصي، وكل تصرف قد يُقرأ من منظور مختلف، وكل محاولة للاستقلال قد تُعتبر إبعادًا أو جفاءً.

ولأن العلاقة الزوجية بطبيعتها تحتاج إلى وقت ومساحة لينضج فيها التفاهم، فإن العيش في بيت العائلة قد يحرمها من هذه المساحة الحرجة، خاصة في السنوات الأولى، حيث يكون الزوجان ما زالا يتعلمان كيف يتواصلان بعمق ويواجهان الخلافات معًا. حين تُختزل هذه العملية في بيئة مكتظة بالتدخلات أو النصائح أو الملاحظات، يصبح الحب معرضًا للتآكل البطيء، حتى دون أن يدرك الطرفان متى بدأ ذلك.

الحل ليس دائمًا في الابتعاد الجسدي فقط، بل في بناء قواعد واضحة للتعامل. الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، والحفاظ على خصوصية القرارات الزوجية، والتحدث بشفافية بين الزوجين عن أي شعور بالضغط أو الانزعاج، هي خطوط دفاع أساسية. فالبيت قد يكون واحدًا، لكن القلب يحتاج لمساحة تخصه وحده، ليشعر بالأمان والدفء.

في النهاية، العيش تحت سقف العائلة قد يكون امتحانًا قاسيًا، لكنه أيضًا فرصة لتعلم الصبر والمرونة إذا وُجدت النية الصادقة من الجميع. لكن إن غابت هذه النية أو غابت القدرة على احترام الحدود، فإن الامتحان سيفشل، ليس لأن الحب ضعيف، بل لأن بيئته لم تمنحه فرصة للنمو. الحب، مثل أي كائن حي، يحتاج إلى بيئة حاضنة، وإن لم يجدها، سيذبل حتى لو بدأ مزهرًا.

search