الخميس، 30 أكتوبر 2025

11:05 م

العلاقة الحميمية بعد الخمسين.. دفء لا يعرف انتهاء الصلاحية

من أكثر المفاهيم التي ظلمت العلاقات الزوجية أن الحميمية تنتهي بانتهاء الشباب، وكأنها مرحلة مؤقتة تنتهي حين تبدأ التجاعيد في الظهور، أو حين يغادر الأبناء البيت. بينما الحقيقة أن العلاقة الحميمية ليست امتيازًا للعمر الصغير، بل حاجة إنسانية لا تشيخ. هي الامتداد الطبيعي للحب، ووسيلته الأصدق في التعبير، وجزء من نسيج العلاقة الذي يمنحها دفئها واستمراريتها.

يتعامل البعض مع هذا الجانب من العلاقة باعتباره أمرًا يمكن الاستغناء عنه بعد مرحلة معينة، كأنه رفاهية لا ضرورة لها. فيبدأ الزوجان في التباعد الصامت، كلٌّ يظن أن الآخر لم يعد مهتمًّا، بينما الحقيقة أن كليهما ينتظر إشارة بسيطة، لمسة صغيرة، تذكّره بأنه ما زال مرغوبًا ومحبوبًا.

بينما تُعد "لغة التلامس" إحدى لغات الحب الخمس التي يُعبّر بها الإنسان عن عاطفته. فكما يحتاج البعض إلى الكلمة، أو التقدير، أو الوقت، هناك من يحتاج إلى القرب المادي البسيط ليشعر بالحب.

هذه اللغة لا ترتبط بالعمر، ولا تُلغى بالسن، لأنها جزء من احتياج الإنسان الفطري إلى اللمسة التي تمنحه الأمان والانتماء. وعندما تُغيب هذه اللغة من العلاقة، يتراجع الإحساس بالدفء تدريجيًا، حتى وإن بقيت العشرة والمودة ظاهرًا.

كثير من الأزواج والزوجات ينسحبون من هذا الجانب لا لانتهاء الرغبة، بل لأنهم يظنون أن الحديث عنه قد يُفسَّر على أنه ضعف أو نزق غير لائق بالسن. لكن الصمت هنا لا يحمي العلاقة، بل يخلق جدارًا من الجفاء العاطفي يصعب تجاوزه. فالرفض المتكرر من أحد الطرفين لا يُطفئ فقط الرغبة، بل يجرح الإحساس الداخلي بالقيمة، وكأن الطرف الآخر لم يعد جديرًا بالمحبة أو القبول.

ذلك الرفض الصامت، حتى وإن كان غير مقصود، يُحدث أثرًا نفسيًا عميقًا. فالإنسان بطبعه يحتاج أن يشعر بأنه مرغوب، أن وجوده ما زال يبعث الدفء لا الإهمال. ومع الوقت، يتحول الإحباط إلى انسحاب، والانسحاب إلى برود، والبرود إلى فجوة تبتلع أجمل ما كان بينهما. كثير من العلاقات تفقد توازنها لا بسبب الخلافات الكبيرة، بل بسبب غياب اللمسة الصغيرة التي كانت تذيب الغضب وتعيد الطمأنينة.

المرأة التي تظن أن التلامس لم يعد ضروريًا تجهل أنه أحد أشكال الطمأنينة للرجل، والرجل الذي يظن أن تجاهل هذا الجانب لا يؤذي، لا يدرك أنه يسلب زوجته شعورها بأنها ما زالت أنثى تُرى وتُحتضن. فالعلاقة الحميمية ليست ترفًا جسديًا، بل حاجة نفسية تُغذي الشعور بالحب والانتماء، تمامًا كما يحتاج القلب إلى كلمة صادقة كي يطمئن.

وعندما  يكبر الزوجان، تتبدل التفاصيل، لكن الحاجة إلى القرب تبقى. يصبح اللمس أهدأ، أكثر رقة، يحمل معناه الإنساني العميق: "ما زلت هنا، وما زلت أراك". في تلك اللحظات الصامتة التي تجمع بينهما، يعودان ليتذكرا أن الحب لا يتقاعد، وأن المشاعر لا تنضج لتبرد، بل لتنضج لتُصبح أعمق وأكثر صدقًا.

وإهمال هذه اللغة من لغات الحب لا يخلق فقط فراغًا عاطفيًا، بل فراغًا في الإحساس بالذات. فحين يُرفض أحد الطرفين بلا مبرر أو بلا تبرير، يشعر وكأن حضوره لم يعد ذا معنى، فتتسلل الوحدة إلى قلب العلاقة، ويبدأ الطرف الآخر في الانغلاق أو الانسحاب التدريجي.

العلاج لا يكون بالصمت، بل بالصدق. فالتعبير عن الاحتياج ليس ضعفًا، بل شجاعة. والحوار حول الحميمية ليس خرقًا للحياء، بل حفاظًا على المودة. أن يتحدث الزوجان بصدق عن مشاعرهما، هو أول خطوة لإعادة الدفء الذي غاب، لأن الصراحة في هذا الجانب ليست جريئة بقدر ما هي ضرورية.

العلاقة الحميمية بعد الخمسين ليست ترفًا متأخرًا، بل وقودًا للاستمرار. هي اللغة التي تقول دون كلام: “ما زلت أراك بعين القلب”، وهي الضمانة ضد الجفاف العاطفي الذي يظنه البعض قدرًا لا مفر منه مع التقدم في العمر. الحب لا يحتاج إلى شباب الجسد، بل إلى استعداد الروح لأن تظل دافئة وقادرة على العطاء.

لا تدعا الخجل أو الخوف من الزمن يسرق منكما لغة الحب التي تفهمها القلوب قبل العقول. اللمسة ليست تفصيلة عابرة، بل جسر يعيد الدفء بينكما حين يعجز الكلام. وإن رفض أحدكما القرب من الآخر، فليعلم أنه لا يرفض جسدًا، بل يجرح روحًا تتوق إلى الطمأنينة. تحدثا، تصالحا، وامنحا بعضكما مساحة للحب الناضج الذي لا يشيخ. فالعمر لا يطفئ الشوق، ما دام في القلب نبض يرى الآخر .

search