الأحد، 17 أغسطس 2025

09:52 م

هند حماد

هند حماد

A A

هند حماد تكتب: الشكوى أمام الكعبة.. وحقوق العباد

في أحد المشاهد التي لامست قلوب آلاف المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، ظهر رجل مسن أثناء تأدية مناسك العمرة، مرتديًا ملابس الإحرام وخلفه الكعبة المشرفة في أقدس بقاع الأرض، مخاطبا شقيقه الذي اتهمه بالاستيلاء على منزله وهجره بعيدًا عن وطنه: "أنت خنت الأمانة وأخذت بيتي ودوختني في بلاد العالم، ومش قادر أرجع بلدي."!!

استطاع هذا الفيديو القصير، الذي لم يتجاوز الدقيقتين، أن يجذب تعاطف المتابعين لما عبّر عنه من صبر وإنسانية عالية، اعتُبر الرجل مثالًا على التسامح ورمزًا لفضل الدعاء بالهداية بدل الانتقام.

ما حمله هذا المشهد من حزن وصبر وتحمل للظلم، تجاوز حدود الكلمات ليصل إلى القلب مباشرةً، فقد اختار رجل مظلوم أن ينصت لصوت الإيمان والعدل الإلهي بدل الانتقام، مدركًا أن الحق لا يُنال بالسيف، بل بالصبر والدعاء، وظل واقفًا أمام الكعبة، رمز الرحمة والمغفرة، وهو يهبّ صوته للخلاص والصفح، منتظرًا لقاءً لا يُقاس بميزان الدنيا، بل بالعفو الإلهي.

فإن ما يحدث في هذا الزمان الذي ازدحمت فيه الشعارات عن الأخلاق والإنسانية، برزت فئة من البشر لا تعرف من القيم إلا ما يوافق مصلحتها، يأكلون أموال الناس في بطونهم ويتهرّبون من ردّها، وكأنهم لا يعلمون أن لكل دين حسابًا ولكل مظلمة نهاية.

يظلمون، ويستحلون، ثم إذا ضاقت بهم الدنيا، بَكوا على خراب بيوتهم وتدمير حياتهم، وراحوا يرفعون أيديهم إلى السماء يطلبون من الله التيسير وصلاح الحال! كيف تطلبون من الله التوفيق والسعادة وأنتم غارقون في ظلم العباد؟ من أين لكم براحة البال يا أكَلة حقوق البشر؟

الله تعالى حسم الأمر بقوله تعالى: "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين"
فأنتم بأنفسكم من تجلبون الدمار إلى حياتكم، لا الظروف ولا القدر.

ورسول الله ﷺ وصف حالكم بدقة حين قال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار".

وحتى الدعاء، الذي هو سلاح المؤمن، يُغلق بابه أمام من لوّث نفسه بالحرام، كما قال النبي ﷺ:"الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له؟"

يا من تظلمون الناس وتستحلون حقوقهم… لا تلوموا إلا أنفسكم إذا انقلبت حياتكم جحيمًا، فالظلم لا يثمر إلا الخراب، والحرام لا يجلب إلا زوال النعمة، ومن أراد البركة فعليه برد الحقوق قبل أن يأتي يوم لا دينار ولا درهم، بل حسنات وسيئات، وجنة ونار.

أخبار متعلقة

search