الخميس، 21 أغسطس 2025

05:31 ص

"التخلف التكنولوجي" يبرئ أطباء مصر من سرقة الأعضاء.. والصحة: "شغل سيما"

المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان الدكتور حسام عبدالغفار

المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان الدكتور حسام عبدالغفار

ما بين حديث الأطباء في غرف العمليات، وتصريحات المسؤولين في وزارة الصحة، يظل المؤكد أن شائعات "سرقة الأعضاء" لا تصمد أمام الحقائق الطبية والقانونية. 

ووسط تصاعد الشائعات التي تملأ منصات التواصل الاجتماعي عن "سرقة الأعضاء البشرية" في المستشفيات، تتجدد المخاوف وتتعالى أصوات القلق لدى كثيرين، ما بين روايات متداولة عن مرضى دخلوا لغرف العمليات وخرجوا دون أحد أعضائهم، إلى قصص عن أطفال اختطفوا وعُثر عليهم جثثًا هامدة وقد أُزيلت أعضاؤهم.

لكن هل هذه القصص حقيقية؟ وهل من الممكن فعلًا سرقة كلية أو كبد من جسد إنسان دون علمه؟ ولماذا تنتشر هذه المزاعم رغم تأكيد الجهات الرسمية استحالتها؟

"مفيش حاجة اسمها سرقة أعضاء"

في حديث خاص لـ"تليجراف مصر"، يقول الدكتور ماجد فياض، استشاري المسالك البولية، جملة حاسمة: "مفيش حاجة اسمها سرقة أعضاء"، ويضيف: “الواقع غير كده تمامًا، اللي بيحصل هو بيع أعضاء بشكل شبه علني، أحيانًا من خلال سماسرة، وأحيانًا بإعلانات في الصحف تحت عناوين زي: مطلوب متبرع بفص كبد أو كلية”.

وروى فياض تفاصيل دقيقة عن تجربته الممتدة لأربع سنوات في معهد الكلى والمسالك البولية، حيث عمل عن قرب في عشرات عمليات الزرع. 

وشرح أن المتبرع غالبًا ما يكون شخصًا يعاني الفقر الشديد، يعرض كليته للبيع باعتبارها "آخر ما تبقى له"، بينما يتفاوض المريض الثري على السعر في ظل كثرة العروض.

حكايات مستحيلة علميًا وواقعيًا

وفند الطبيب المزاعم الشائعة عن مرضى أجروا جراحات بسيطة كاستئصال الزائدة، ثم "يستيقظون وقد سُرقت أعضاؤهم"، مؤكدًا أن هذه الحكايات مستحيلة علميًا وواقعيًا، لعدة أسباب أنها أن زرع الأعضاء يحتاج توافقًا شديد الدقة بين المتبرع والمستقبل، يشمل فصيلة الدم، وسلسلة تحاليل تشمل 46 كروموسومًا، منها 6 مسؤولة عن بصمة أنسجة تُعرف باسم HLA، بالإضافة لمسح ذري على الكليتين، وأشعة على الشرايين، وتحاليل فيروسية، وفحوصات لوظائف القلب والرئة، وهو ما يحتاج أسابيع، فكيف يتم خطف عضو وزرعه فورًا؟".

وأكمل الدكتور فياض، كاشفًا جانبًا غائبًا عن أغلب الناس وهو أن “العملية تتم بين غرفتين متجاورتين: واحدة للمتبرع، والثانية للمريض، وفي المنتصف هناك فريق ثالث متخصص فقط في تنظيف الكلية من دم المتبرع، ويحقنها بأدوية تحفظ حيويتها، كما أن هناك ما يعرف بـ الوقت الإقفاري، لو لم يُزرع في خلال 30 دقيقة بعد الاستئصال يموت ولا يمكن استخدامه".

لا نملك تكنولوجيا الحفاظ على الأعضاء 

واختتم: "مفيش حاجة اسمها تسرق كلية من حد نايم، لازم يكون فيه مريض مطابق جاهز في نفس اللحظة، وغرف عمليات مجهزة، وفريق طبي، ومعدات معقدة، ومصر أصلًا ما فيهاش تكنولوجيا الحفاظ على أعضاء من حالات موت جذع المخ، اللي هي الطريقة الأساسية لتوفير أعضاء في الدول المتقدمة".

الصحة ترد: شائعات غير علمية

وشدد  المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان الدكتور حسام عبدالغفار، على أن الشائعات المتكررة حول سرقة الأعضاء لا تستند إلى أي أساس علمي أو واقعي، مؤكدًا أن الوزارة ترصد هذه المزاعم باستمرار وتتعامل معها بالتوضيح الفوري.

قال عبدالغفار في منشور رسمي: "هذه الشائعات جزء من أساطير حضرية عالمية تعود لعقود، لكنها تؤثر سلبًا على ثقة المجتمع في النظام الصحي، وتزرع الخوف بين الأسر دون داعٍ".

وأضاف أن عملية سرقة عضو أثناء التخدير في عملية جراحية أمر غير ممكن مطلقًا، موضحًا أن جراحات مثل استئصال الكلية تتطلب تدخلاً كبيرًا، وشقًا بطول 15 إلى 20 سم، وتتم على يد فريق جراحي متكامل باستخدام أدوات معقدة، وتخلف آثارًا جسدية واضحة يستحيل إخفاؤها.

وأشار إلى أن نقل الأعضاء يحتاج تطابقًا دقيقًا بين المتبرع والمتلقي، وسلسلة طويلة من الفحوصات والاختبارات، وهو ما لا يمكن حدوثه في ظروف عشوائية أو من خلال "عصابات"، كما يُشاع.

صورة سينمائية تصدرها الشائعات

وفيما يخص الاتجار غير المشروع بالأعضاء، أوضح عبدالغفار أن هذه الظاهرة موجودة دوليًا، لكنها تختلف كليًا عن الصورة السينمائية التي تصدرها الشائعات.

"الواقع يقول إن هناك فقراء، لاجئين، ومهاجرين، يُدفعون لبيع أعضائهم طوعًا بسبب أوضاعهم الاقتصادية، وغالبًا تحت وعود كاذبة، أو بهدف تمويل رحلات الهجرة"، كما أشار إلى أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن نقص المتبرعين الشرعيين يدفع البعض إلى بيع أعضائهم، لكن ذلك يتم غالبًا بتواطؤ بين أطراف ضعيفة، وليس من خلال عصابات تخطف وتقتل.

قانون زرع الأعضاء رقم 5 لسنة 2010

قال عبدالغفار إن الوزارة تتبع نظامًا رقابيًا صارمًا، وترد بسرعة على الشائعات، بالتعاون مع الجهات الأمنية والإعلامية، كما أشار إلى صدور قانون زرع الأعضاء رقم 5 لسنة 2010، الذي يُجرم التجارة بالأعضاء ويُعاقب عليها بالسجن المؤبد.

أضاف أن الوزارة أطلقت برنامجًا تدريبيًا في عام 2024 بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، لتدريب الأطباء والكوادر الصحية على كشف شبكات الاتجار بالبشر واللاجئين عبر استغلال حاجة الناس للأعضاء.

search