
بين شحات الغرام و"الشحاتة بالترند"
في عام 1951 عرض فيلم “ورد الغرام” لأول مرة علي الشاشة الفضية ، واحد من أهم مئة فيلم غنائي في تاريخ السينما المصرية. لم يكن مجرد فيلم سينمائي عاطفي، بل تجربة جديدة مكتملة، جمعت بين الموسيقى السابقة عصرها ببصمة العبقري محمد فوزي وصوت الناي ( ليلى مراد)، وصاغها هنري بركات كلوحة فنية نادرة.
في قلب الفيلم وُلد المشهد الأشهر: الدويتو الغنائي شحات الغرام، من كلمات بديع خيري وألحان فوزي. يقف (الدونجوان البطل) تحت شرفة البيت، يغني بخفة ظل العاشق الذي يطرق باب القلب، فترد ليلى مراد بابتسامة تقطر دلالًا وصوت يفيض عذوبة (أسرح، رَوّح) مشهد بسيط في تفاصيله، لكنه تحوّل إلى ماستر سين للرومانسية المصرية، صورة خالدة من روميو وجولييت بطابع مصري خالص.
محمد فوزي لم يكن يكتفي ببهجة اللحظة، وإنما كان يكتب رسالته إلى جمهوره مؤكدًا عند طرح فيلمه العاشر إنتاجيًا: "حددت سياستي، وجعلت هدفي إرضاء الجماهير، عن طريق إرضاء فني بتقديم أفلام يتوفر فيها الفن السليم... وحرصت على إنتاج ورد الغرام إنتاجًا حققت به هدفي الذي جاهدت وأجاهد نفسي في سبيله وهو الكمال الفني".
هكذا كان فكر ذلك الجيل؛ جيلٌ أراد أن يصنع أثرًا يتجاوز زمنه، وأن يترك للفن شهادة ميلاد لا تنطفئ. ولهذا بقيت أغنيات فوزي وليلى مراد حيّة بعد سبعين عامًا وأكثر.
وبعد كل هذه العقود، ظهر شحات آخر؛ (علي رؤوف) شاب قضى أكثر من عشر سنوات بين التوزيع والدوبلاج والغناء ،اجتهد كثيرًا، وشارك في أعمال سمعها الملايين، لكنه اشتهر بدندنة خرجت عفوية بين أصدقاء: "أنا بشحت بالجيتار". جملة موسيقية تحولت على يد السوشيال ميديا إلى ترند صاخب.
وللإنصاف، كان رأي (علي رؤوف) نفسه واضحًا، فقد شكر كل من دعمه، وأوضح أن المقطع لم يكن تعريفًا بفنه، وأنه لا يريد أن يُقدَّم كـ"مونولوجيست"، رغم احترامه لهذا الفن، هو يصر أن يُحاكَم بما اجتهد فيه لسنوات التوزيع والدوبلاج والغناء. ومعنى ذلك أن الغلطة ليست غلطة علي، وإنما غلطة اليد التي تلتقط الهزل وتقدمه كأنه بطاقة هوية.
هذه الضجة الإعلامية تبدو نجاحًا، لكنها في حقيقتها مرآة لزمن سطحي، زمنٍ يرفع المزحة فوق العمل الحقيقي، ويجعل من المفارقة ضوءًا يحجب الإبداع. وربما أكثر من يتألم وسط هذا الصخب هو علي نفسه، لأنه يرى أن ثمرة سنواته جرفتها مزحة عابرة حتى لو حققت الشهرة.
الفارق بين شحات الغرام و"أنا بشحت بالجيتار" ليس مجرد فارق كلمات، وإنما فارق وعي وثقافة، الأولى إبداع صادق صُنِع ليبقى، والثانية صدًى للحظة عابرة في بيئة تحتفي بالترند أكثر مما تحتفي بالفن.
في كل عصر تتعدد ألوان الفن، غير أن الإبداع الصادق هو التاج الذي لا يحمله إلا المميزون. لا يخلعه الترند على أحد، ولا تمنحه المشاهدات، و الدولارات، وإنما يمنحه التاريخ وحده.
"شحات الغرام" ما زالت تغنّى بعد سبعين عامًا… فهل سنذكر "أنا بشحت بالجيتار" بعد سبعين يومًا فقط؟

الأكثر قراءة
-
شهود عيان بحادث بنات أبو تلات: تشاجرن مع مسؤولي الشاطئ قبل نزول البحر
-
الأعمار بين 15 و20.. أسماء المصابات في حادث شاطئ أبو تلات
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين تعلن التصعيد.. والمظاهرات تشعل تل أبيب
-
واجه الموت لينقذ شابًا.. ماذا قال بطل مزلقان بني سويف؟
-
احذرها.. أطعمة تهدد القلب والأوعية الدموية
-
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القليوبية الدور الثاني.. رابط مباشر
-
وظائف هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء 2025.. التفاصيل الكاملة
-
عصر البدائل

مقالات ذات صلة
بوحٌ| ليلة العيد.. حين تسكن الأرواح بين الوداع واللقاء
30 مارس 2025 07:41 م
بَوحٌ| رحلة في نور ليلة القدر.. في محراب عمرو بن العاص
27 مارس 2025 02:51 م
بوح| ربُّ الكون يريد قلبك.. في أدب الدعاء
24 مارس 2025 06:07 م
بوح| اليُتمُ النوراني: كيف صاغت حكمة الله قلب نبيه؟
21 مارس 2025 02:47 م
أكثر الكلمات انتشاراً