
إيهاب البدوي يكتب: هل أضاع عبد الناصر السودان؟
عندما تقترب ذكرى ميلاد أو رحيل عبد الناصر أو ذكرى ثورة ٢٣ يوليو تحدث حالة من الفوران ضد الرجل والثورة، وآخرهم هجوم السيد عمرو موسى.
المشكلة أن معظم الهجوم والدفاع ينحاز إلى الجانب العاطفي الأدلة، لذلك قررت أن أعرض معظم الاتهامات الموجهة إلى الرجل والرد عليها، والبداية اتهامه بالتسبب في انفصال السودان عن مصر.
ترجع الواقعة إلى سنة 1820 عندما طلب الباب العالي من محمد علي فتح السودان، ومحمد علي وجدها فرصة بسبب هروب المماليك إلى هناك، وخوفا من تجمعهم مرة أخرى والعودة للثورة عليه وأيضا طمعا في ثروات السودان ولتجنيد أهلها في الجيش المصري.
استولى محمد علي بالفعل على السودان وعيَّن حاكمًا له يدعى حكمدار السودان، له السلطة العسكرية والمدنية المطلقة، وجعله تابعًا لديوان الداخلية بمصر، وأنشأ مدينة الخرطوم وجعلها عاصمة للسودان ومقامًا لحكمداره.
لكن سنة 1822 حصلت ثورة على الجيش المصري في السودان وقتل إسماعيل باشا ابن محمد علي محروقا في السودان.
طبعا أعاد محمد علي فرض سيطرته وانتقم لمقتل إسماعيل باشا واستمر يحكم السودان.
سنة 1881 حصلت الثورة المهدية في السودان على الحكم المصري وحتى بعد احتلال مصر سنة 1882 ودخول الإنجليز إلى السودان وتعيين حاكم عام إنجليزي.
واستطاعت الثورة المهدية قتل الحاكم الإنجليزي وطرد القوات المصرية والإنجليزية من الخرطوم سنة 1885.
لكن إنجلترا استعادة السيطرة مرة ثانية وعملت اتفاقية لتقسيم حكم مصر مع السلطات المصرية وكان الحاكم العام للسودان والمتصرف في شئونه شخص إنجليزي، أي أن السيادة المصرية اسمية فقط.
سنة ١٩٢٣ احتجت بريطانيا على وضع نص في مشروع دستور 1923 يشير إلى أن لقب الملك هو ملك مصر والسودان ورضخ الملك فؤاد وصدر الدستور دون الإشارة إلى أن المملكة المصرية تشمل مصر والسودان ودون اﻹشارة إلى لقب “ملك مصر والسودان”.
سنة 1924 تم اغتيال السير لي ستاك في القاهرة مما ترتب عليه أن وجهت بريطانيا إنذارا شديد اللهجة لمصر لكي تسحب ما تبقى من قواتها وموظفيها في السودان خلال 24 ساعة، وهو ما نفذته مصر.
سنة ١٩٣٧ وافق النحاس باشا وافق على منح السودان حق تقرير المصير.
في العصر الملكي تمت الموافقة على الآتي: موافقة إسماعيل صدقي باشا في مشروع اتفاقية صدقي- بيفن 25 أكتوبر 1946 على منح حق تقرير المصير للسودان بعد فترة حكم ذاتي للسودانيين.
في 22 أغسطس 1947، قال النقراشي باشا في إطار شكوى مصر أمام مجلس الأمن بنيويورك أن السودانيين سيتحدثون عن أنفسهم ومستقبل السودان سيقرر بالتشاور مع السودانيين وأن الشعب السوداني حر في بلاده.
في إطار مباحثات خشبة- كامبل في حكومة النقراشي مايو 1948 وافق خشبة ضمنيا على حق تقرير المصير بناء على موافقته على إنشاء المجلس التنفيذي السوداني والجمعية التشريعية بمشاركة مصرية-إنجليزية للمساهمة في إعداد السودانيين للحكم الذاتي وتقرير المصير.
في 26 اغسطس 1950 اقترح صلاح الدين باشا إقامة فترة حكم انتقالية بالسودان إلى 1953 لتأهيل السودانيين للحكم الذاتي، وبعدها يكون لهم حق تقرير مصيرهم ضمن مفاوضات صلاح الدين بيفن.
في 7 ديسمبر 1950 أقر صلاح الدين باشا مشروع “سودنة” السودان بتحويل كل الوظائف للسودانيين وسحب كل الموظفين المصريين من البلاد.
في 16 نوفمبر 1951 بالأمم المتحدة وافق محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية بحكومة الوفد على سحب كل موظفي وقوات مصر بشرط ترافقها مع سحب قوات وموظفي إنجلترا وبعدها فترة انتقالية للسودنة ثم الحكم الذاتي ولاحقا حق تقرير المصير.
في 8 أكتوبر 1951 صدر مرسوم مصطفى النحاس وأُقر يومي 16 و17 أكتوبر بأن يكون للسودان دستور منفصل عن دستور مصر وتضعه جمعية منتخبة سودانية دون تدخل مصري.
فاكرين الساعة اللي عليها خريطة مصر والسودان بتاع الملك فاروق دي اتصنعت في أكتوبر 1951 ولغاية التاريخ ده وقبل الثورة بتسع شهور كان اسمها المملكة المصرية وفاروق كان اسمه ملك مصر ومفيش أي ذكر لملك مصر والسودان غير من هذا التوقيت بعد إلغاء معاهدة 36 وإنجلترا لم تعترف بإلغاء المعاهدة ولا بأن فاروق ملك مصر والسودان وكانت تحتل مصر في هذا الوقت بس للامانة الساعة حلوة.
مجلس النواب السوداني صوت بالإجماع على الانفصال عن مصر سنة 1951 قبل ثورة جمال عبد الناصر بسنة.
محمد نجيب لما زار السودان بعد ثورة 1952 هاجمه السودانيون بالأحذية وهتفوا فى وجهه ” لا مصري ولا بريطاني.. السودان للسوداني” .
إسماعيل الأزهرى رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي السوداني ذهب إلى مؤتمر باندونج سنة 1955 ورفض الجلوس وراء الوفد المصري وقال لعبد الناصر نحن على أبواب الاستقلال وسنكون دولة مستقلة ولابد أن نمثل الشعب السوداني لأن هذا المؤتمر يمثل الشعوب فحدث بينهما خلاف، وقال عبد الناصر للأزهري «أنتم بلا علم يمثلكم وعليكم بالجلوس خلف العلم المصري»، فتدخل عضو الوفد السوداني مبارك زروق على الفور وقال: نحن لدينا علم وأخرج منديله من جيبه وقال هذا هو علمنا بعد أن وضعه على رأس قلمه، وجلس وفد السودان بزعامة الأزهري منفردين عن الوفد المصري.
وعندما تم الاستفتاء على الوحدة أم الانفصال عن مصر، قام النواب السودانيون بالتصويت بالإجماع لصالح الانفصال.
في نوفمبر 1952 تقدمت بمصر بمذكرة لبريطانيا أقرت فيها عبر مجلس قيادة الثورة حق تقرير المصير والحكم الذاتي ووقعت عليها كل الأحزاب السودانية وناقشت سلطة الحاكم العام والسودنة والفترة الانتقالية قبل تقرير المصير ومع هذا اعتبرت إنجلترا أن الاتفاق المصري مع الأحزاب السابق على المذكرة لا يعبر بالضرورة عن موافقة تلك الأحزاب على المذكرة.
فأرسل اللواء محمد نجيب الصاغ صلاح سالم للسودان ليقوم بتوقيع اتفاق معهم لتأييد مذكرة 2 نوفمبر، وبالفعل وقعت الأطراف عليها مقابل أن تشمل الانتخابات للجمعية التأسيسية السودانية كل أنحاء السودان مع سحب القوات المصرية والإنجليزية.
وهو نفس اقتراح صلاح الدين باشا وزير خارجية حكومة الوفد قبل الثورة ووافق صلاح سالم وكانت صورته الشهيرة بالملابس الداخلية وهو يرقص في السودان.
يعني الخلاصة جمال عبد الناصر جاء وكل الاحداث التي سبقته في العصر الملكي وكل الأحداث الدولية المحيطة به كانت تدفع لاستقلال السودان.
يعني السودانيين مكانوش واقفين على باب مجلس قيادة الثورة بيعيطوا لعبد الناصر والنبي خلينا معاكم وهو رفض وتنازل عن السودان.
وللأمانة، أي باحث منصف في التاريخ لو دقق في “الشرط” بتاع صلاح سالم والبكيني بتاع الأخ اللي بيرقص قصاده كان عرف إن الانفصال ده في مصلحة مصانع الأندروير في العالم كله.

الأكثر قراءة
-
رسالة من "عربي" إلى المصريين.. وإنسانية طفلة
-
"40 يومًا" يواصل حصد الجوائز.. ماذا قال حسام داغر؟
-
ارتفع 30 قرشًا.. الدولار يضغط على الجنيه والأنظار تتجه لـ"المركزي"
-
إيهاب البدوي يكتب: عن ديكاتورية عبد الناصر والجنيه المصري الذي يساوي جنيه ذهب
-
من أمام السفارة المصرية إلى قفص الاتهام.. تفاصيل القبض على ميدو في لندن
-
بعد واقعة لندن.. خبراء أمن يدعون لمواجهة أهل الشر بالخارج عبر تنسيق دولي
-
موعد اختبارات القدرات 2025.. رابط مباشر للتسجيل
-
اغتيال الحياء.. من كوكب الساحل إلى بيوتنا

مقالات ذات صلة
إيهاب البدوي يكتب: عن ديكاتورية عبد الناصر والجنيه المصري الذي يساوي جنيه ذهب
26 أغسطس 2025 11:05 ص
أكثر الكلمات انتشاراً