الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025

09:35 م

مولد الرسول ﷺ.. يوم وُلد النور

حينما أطلّ الثاني عشر من ربيع الأول، لم يكن الكون على موعد مع ميلاد طفل عادي، بل مع قدوم الرحمة المهداة للعالمين. 

في مكة، وبين جبالها القاسية وصحرائها الممتدة، وُلد محمد بن عبد الله ﷺ، ليكون بداية لفجر جديد يُضيء ظلام الجهل والظلم.

عام الفيل.. وميلاد الحماية الإلهية

ولد الحبيب المصطفى ﷺ في عام الفيل، العام الذي حاول فيه أبرهة هدم الكعبة، فحفظ الله بيته وأرسل الطير الأبابيل لترمي جيشه بحجارة من سجيل، وكأن السماء كانت تُعلن أن هذا البيت سيُحمى، وأن طفلاً سيولد ليُعيد للإنسانية معناها وقيمها.

ميلاد الأمل في قلب أمٍ يتيمة الزوج

جاء النبي ﷺ إلى الدنيا يتيم الأب، ثم فقد أمه في سنواته الأولى، لكنه لم يكن وحيدًا، فقد رعته عناية الله قبل كل شيء. وكبرت شخصيته في كنف اليتم لتكون رسالة لنا أن القوة لا تُستمد من الظروف، بل من الصبر والإيمان.

الصادق الأمين.. نواة الرسالة

قبل أن يُبعث نبيًا، كان الناس يعرفونه بـ”الصادق الأمين”، لم يخن عهدًا ولم يكذب يومًا، أحبوه لصفاته، واطمأنوا إليه في تجارتهم وأماناتهم. كان نوره يسبق رسالته، وكان قلبه الرحوم يجذب القلوب حتى قبل نزول الوحي.

رحمة تمشي على الأرض

قال تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

في شخص النبي ﷺ تجسدت الرحمة في أبهى صورها: رحمة بالطفل، بالمرأة، بالفقير، وحتى بالحيوان والجماد. كان ينهى عن القسوة، ويُعلّم أصحابه أن الإيمان ليس صلاة وصيامًا فقط، بل خلق ورحمة وسعة صدر.

احتفال بالحب قبل أن يكون عادة

منذ قرون والمسلمون يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف. في مصر تزينت الشوارع، وامتلأت البيوت بـ”حلاوة المولد” رمزًا للفرح، وفي الشام والعراق عُقدت حلقات الذكر، وفي الأزهر جُعل المولد موسمًا للعلم والمعرفة، لكن المعنى الأعمق للاحتفال لم يكن يومًا في الأضواء أو الأطعمة، بل في استحضار سيرته ﷺ في حياتنا اليومية.

كلمات خالدة عن النبي

لم يستطع الشعراء والمفكرون إخفاء انبهارهم بشخصيته، فقال شوقي: “ولد الهدى فالكائنات ضياءُ .. وفم الزمان تبسّمٌ وثناءُ”.

أما الفيلسوف الفرنسي لامارتين فقال: “محمد أعظم من عرَفت الإنسانية من الرجال.”

رسالة المولد في أيامنا

نعيش اليوم في عالم يموج بالصراعات والانقسامات، وما أحوجنا أن نستلهم من ذكرى مولده ﷺ معاني الرحمة، وأن نعيد إلى قلوبنا تلك الروح التي جعلت من أمة متفرقة أمة قوية متماسكة، فالمولد ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل دعوة للتغيير، دعوة لأن نكون أرحم، أصدق، وأقرب إلى الله وإلى الناس.

في ذكرى مولد الرسول ﷺ، نُدرك أن النور الذي أشرقت به مكة لم ينطفئ، بل هو باقٍ في القلوب التي تحب، وتصدق، وترحم. 

كلما ضاقت بنا الدنيا، يكفينا أن نتذكر أنه جاء ليكون رحمة للعالمين، فنستمد منه الطمأنينة والأمل.

search