
حين يُثبت المجهولون أن الخير لا يموت
الحوادث لا تسأل عن توقيتك ولا حالتك، تأتي فجأة كالعاصفة. كنت أقود على الطريق حين انحرفت سيارة أمامي فجأة، لتصطدم بي بقوة هزّت كياني.
صوت الحديد وهو يتحطم، والزجاج يتناثر كأمطار جارحة، والسيارة تدور بي وكأنها فقدت توازنها مع الزمن.. في تلك الثواني شعرت أن الدنيا توقفت، وأنني وحيدة أمام قدر ثقيل، والخوف يتسلل إلى صدري كجدار من الظلام.
مرّت في رأسي ومضات سريعة؛ وجه أمي، ضحكة أبنائي، وذكريات متراكمة كأنها تسابق اللحظة. الزمن انكمش، وتحول الحادث في داخلي إلى مشهد كامل من حياتي، كأن كل ما عشته كان يُختصر في ثوانٍ قليلة. كنت أقاوم رغبتي في الاستسلام للصدمة، لكن داخلي صوت خافت يلح: “تماسكي .. ما زال فيك حياة”.
وسط ذلك الصمت الرهيب، سمعت أصواتًا لم أنسها أبدًا: خطوات رجل على الطريق، صداها يخترق أذني وكأنها حياة تقترب. كان صوت الهواء ممزوجًا بصوت خطواته يعلن أنني لست وحدي. وبعدها تتابعت الأصوات؛ “متخافيش! افتحي الباب… إحنا هنا!”. طرقات متسارعة على الزجاج، يدٍ تحاول فتح الباب، رجال يصرخون للسائقين أن يخلوا الطريق، وامرأة تمد يدها وتقول برفق: “الحمد لله إنك بخير، اوعي تنهاري”.
لكن ما حدث بعدها لم يكن عاديًا.. فجأة وجدت وجوهًا لم أرها من قبل، تركوا سياراتهم على جانب الطريق، ركضوا نحوي دون تردد، أحدهم فتح الباب بسرعة، آخر سألني بلهفة: “إنتِ بخير؟”، وثالث أمسك بيدي ليطمئنني أني لست وحدي. لم يعرفني أحد، لم يسألوا عن اسمي أو هويتي، فقط تعاملوا مع إنسانة تحتاج المساعدة.
هناك من اتصل بالإسعاف، ومن قدّم لي زجاجة ماء، ومن ظل بجانبي يكرر كلمات تهدئة: “الحمد لله إنك بخير”. في لحظة واحدة، الغرباء صاروا أقرب من أي قريب. لم ينتظروا شكرًا، ولم يلتقطوا صورة توثّق ما فعلوه، بل عادوا إلى حياتهم بعد أن تركوا في قلبي أثرًا لا يُمحى.
هذه التجربة جعلتني أعيد التفكير: نحن نعيش في عالم يمتلئ بالأنانية واللامبالاة، لكن في اللحظة الحرجة يظهر معدن الناس الحقيقي. الخير ليس شعارات تُقال على السوشيال ميديا، بل فعل بسيط على الطريق، كلمة طمأنة، يد تُمدّ لتنتشل إنسانًا من خوفه.
حين تقع حادثة على الطريق، لا تكون القصة دائمًا عن الحديد المتكسر والزمن الضائع. أحيانًا تكون القصة عن إنسانية لا تُكسر، وعن قلوب تعرف طريقها حتى في أكثر اللحظات فوضى.
حين خرجت من السيارة، كان صوت أنفاسي يتسابق مع دقات قلبي، لكن فوقهما كان يعلو صوت الناس: “الحمد لله إنك بخير… المهم إنك عايشة”. وقتها أدركت أن نجاتي لم تكن من الحادث فقط، بل من شعور كنت أخشى أن يذوب في هذا الزمن: أن الخير لا يزال حيًا، وأن إنسانيتنا لم تمت.
اليوم حين أتذكر تلك اللحظة، لا أراها مجرد اصطدام على الطريق، بل لحظة كاشفة: أن الناس، مهما أثقلتهم همومهم، قادرون على أن يكونوا سندًا، وأن الخير فيهم لا يُقاس بالكلام، بل بالفعل وقت الحاجة. وهذه هي العِبرة التي تركتها الحادثة داخلي؛ أن الحياة تُختصر أحيانًا في لحظة، وفيها يظهر المعدن الحقيقي للإنسان.
وأنت، هل مررت بموقف مشابه جعلك تؤمن من جديد بأن الخير لا يزال حيًا بين الناس؟

الأكثر قراءة
-
المتهمة في واقعة مصر القديمة: "باركتلها على الخطوبة من طليقي فشتمتني" (خاص)
-
الرقصة الأخيرة.. لحظة القبض على "طارق ميشو" بالإسكندرية (صور)
-
غرق صغيرة داخل حوض "ماتور مياه" في الأقصر
-
عمرهما 5 سنوات.. ضبط مدرس خدش براءة صغيرتين بحضانة مدرسة دولية بأكتوبر
-
ستارة بيضاء وإضاءة كلاسيكية.. صور الفتيات في أحضان المشاهير بالـ AI تثير الجدل
-
ما يحدث تهديد لاتفاقية السلام القائمة.. رسالة حاسمة من السيسي لـ إسرائيل
-
"المشردة المثقفة".. "ولاء" أنهكتها قسوة الحياة فقررت عشق الشارع
-
جدة ضحايا دلجا تصرخ في المحكمة: "موتت لي 7.. عايزة حقهم"

مقالات ذات صلة
الانفصال الصامت.. وجع وموت بطيء
06 سبتمبر 2025 02:51 م
تحت حصار الجوع.. حكاية أم من خان يونس
01 سبتمبر 2025 03:05 م
ابتسامة معلّقة على صورة قديمة
31 أغسطس 2025 12:28 م
الحب في زمن الكلينكس.. مشاعر للاستعمال مرة واحدة
22 أغسطس 2025 01:43 م
أكثر الكلمات انتشاراً