في القلب مكان لم يصل إليه أحد
أحيانًا لا تُروى كل النهايات، فبعضها يحدث حين يصمت القلب، لم ينتهِ الحب ولكن الحب لا يُنقِذ دائمًا. التقيا في زمنٍ لم يكن لهما، أحبّا كما لو أن العمر سيتسع لهما، ثم افترقا دون وعدٍ أو لوم. ومع ذلك، ظل في القلب مكان لا يصل إليه أحد مكان يشبهه، ويشبهها، ويسكنه الحنين في سكونٍ مطمئن.
لم تنتهِ الحكاية، لكنها تغيّرت، صارت أهدأ، وأنضج، لكن الهدوء كان موجعًا كأن القلب تعلّم كيف يعيش بنصفه الآخر الغائب.
ولم يرحل الحب، بل اختبأ في الزوايا التي لا يراها أحد، يتنفس في صمت، ويؤلم برقة، كأنه يعتذر لأنه ما زال حيًّا، كأن الحياة بعبثها المعتاد وضعت بينهما توقيتًا خاطئًا، وكأنها أرادت أن تبرهن أن الحب لا يكفي دائمًا.
ولم يكن اللقاء الأول عاديًا، ولا النظرة الأولى عابرة. كان كل ما فيهما يقول شيئًا لم يُقال، وكل لحظة صمت بينهما كانت تحمل ما تعجز الجُمل عن حمله. ومع ذلك، لم تُقال الكلمات. ظلّت تخنق كلاً منهم، حتى صارت كأنها وعد غير مكتمل.
ولم يفترقا لأن الحب انتهى، بل لأن الطريق انتهى قبلهم، فقط توقيت قاسٍ خذلهم، وظروف أكبر من ملامحهم الصغيرة. ومع مرور الأيام، صارا يمران بجانب الذكريات كما يمر المرء بجانب قبرٍ يعرف أنه يضم جزءًا منه، لكنه لا يملك سوى أن يبتسم بصمت.
هو يعيش الآن حياةً تبدو هادئة، وهي تمارس النسيان كواجب يومي، دون أن تنجح فيه. وكلاهما يعرف أن هناك مكانًا في القلب ما زال ينتظر كلمة لم تُقال. الحب الذي لم يُعترف به لا يموت، بل يتحول إلى شيء آخر: صمتٌ طويل، وحنينٌ مهذّب، ودفءٌ خافت يظهر في اللحظات الخطأ.
يسمي هذا الحب في علم النفس، “الارتباط المعلّق” وهو الشعور الذي لا يجد خاتمته، فيظلّ عالقًا بين الماضي والحاضر. لا شفاء منه إلا بالاعتراف، ولا اعتراف يأتي متأخرًا دون أن يؤلم أكثر مما يداوي.
ربما لم يجتمعا، لكنهما تركا خلفهما شيئًا أصفى من الوجود ذاته لحظة حقيقية في زمنٍ مزيف، وصدقًا لم يجد طريقه إلى الكلام، فصار يضيء في الذاكرة بدلًا من الواقع أحيانًا لا يكون الصمت نهاية، بل طريقة للبقاء.
حين يعجز القلب عن تفسير ما شعر به، يحتفظ به في مكانٍ خفيّ لا يبلغه أحد. هناك، في عمقٍ سريّ من الروح يسكن أثر الحكاية لا هو يندمل ولا هو يُنسى يبقى الاسم، والصوت، وتفاصيل صغيرة لا تموت.
كأن الذاكرة ترفض أن تُغلق الباب، وكأن شيئًا في الداخل ما زال يصدّق أن اللقاء لم يكن صدفة، وأن ما بينهما لا يُمحى بالغياب. فليس كل ما سكتنا عنه انتهى فبعض الصمت وجعٌ يعيش فينا، وبعض الوجع حياة أخرى لا نُخبر بها أحدً ومع ذلك، ظلّت الكلمات العالقة بينهما تحيا في المسافة. في لحنٍ قديمٍ او اغنيه يسمعه أحدهما صدفة، أو في شارعٍ مرّا به يومًا، أو في قبلةٌ بريئة ما زال دفؤها يسكن الذاكرة، كأنها لم تكن لحظة، بل وعدًا مؤجّلًا.
ويبقى هذا الصمت أثرًا في القلب في مكانٍ لا يصل إليه أحد، سواه.
فهل تنطفئ المشاعر حقًا حين لا تُقال؟
أم أن ما لا يُقال… يظل يعيش فينا إلى الأبد.
الأكثر قراءة
-
وفاة المطرب الشعبي إسماعيل الليثي
-
حل كتاب التقييمات للصف الثاني الإعدادي عربي PDF 2025-2026
-
هل ألغت دينا الشربيني متابعة مي عمر بعد دعمها آن الرفاعي؟
-
حقيقة نشوب حريق في المتحف المصري الكبير
-
سبب تأخير خروج جثمان إسماعيل الليثي من مستشفى ملوي التخصصي
-
موعد انتهاء التصويت اليوم في انتخابات مجلس النواب 2025 المرحلة الأولى
-
سقراط في ستاد محمد بن زايد: حين رأى توروب جماهير الأهلي
-
رحل بعد عام من وفاة ضاضا، آخر ظهور للمطرب إسماعيل الليثي
مقالات ذات صلة
على مقعد الغياب
18 أكتوبر 2025 03:04 م
لم يكن لقاءً عابرًا
28 سبتمبر 2025 06:08 م
حين يؤجلنا القدر عن الوصول
21 سبتمبر 2025 06:57 م
حين يُثبت المجهولون أن الخير لا يموت
14 سبتمبر 2025 02:52 م
أكثر الكلمات انتشاراً