خريف نيبال وربيع العرب

مظاهرات شبابية عارمة اجتاحت شوارع نيبال
في الرابع من سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة الاتصالات النيبالية انقضاء المهلة القانونية للتسجيل المحلي لـ26 منصة إلكترونية ولتقنين الأوضاع التجارية والتنظيمية، وبذلك تم إعلان حجب تلك المنصات في الفضاء الإلكتروني لنيبال.
شملت تلك المنصات: فيسبوك، إكس، واتساب، إنستجرام، يوتيوب، لينكد إن، سناب شات، رِدِّت، وغيرها؛ ليشعل هذا القرار شرارة الاحتجاجات بين جيل الشباب "Gen Z"، فتتدفق عشرات الآلاف من المحتجين نحو مبنى البرلمان في العاصمة كاتماندو، وتتفجر احتجاجات عارمة تطيح بعض أركان الحكومة المضطربة في الأساس منذ سنين.
فهل كان حجب وسائل التواصل هو السبب الوحيد لتلك الثورة؟ وما هي دوافع الحكومة لهذا القرار؟ وما الخلفيات التاريخية لتلك الاضطرابات في نظم الحكم في نيبال؟ وهل هناك من علاقة بين اضطرابات نيبال وانتفاضة بنجلاديش وثورات الربيع العربي؟
مجزرة القصر؛ وكيف قلبت موازين الحكم في نيبال؟
منذ سقوط سلالة "رانا" التي كانت تسيطر على مقاليد السلطة في دولة نيبال والموالية لقوى الاحتلال البريطاني عام 1951م، توالت بعد ذلك نظم الحكم في نيبال.
بدأت بالملكية الدستورية، التي استمرت قرابة نصف قرن. وفي ذلك الوقت – حسب التحليلات– كانت نيبال ذات الأغلبية الهندوسية بين جذب وشد ما بين جيرانها: جذب راديكالي ديني نحو الجارة الهند، وجذب شيوعي اشتراكي نحو الجارة الصين. وفي ذلك الوقت كان ملوك نيبال يميلون إلى الأيديولوجية الحيادية المتوازنة ما بين القوتين.
وفي عام 1996م أطلق الحزب الشيوعي النيبالي، المعروف باسم "الماويون" (Maoists) نسبة إلى ماو تسي تونغ، الزعيم الصيني ومؤسس جمهورية الصين الشعبية، تمردًا مسلحًا لإسقاط الملكية والإقطاعية، عرفت بالحرب الشعبية.
وظل النظام الملكي في نيبال بقيادة الملك "بيرندرا" صامدًا، إلى أن وقع الحادث الكبير الذي سمته وسائل الإعلام في وقته "مجزرة القصر"، حينما أقدم ابن الملك "ولي العهد ديبندرا" – بحسب الرواية الرسمية – وفي أثناء عشاء الأسرة في القصر الملكي مساء الأول من يونيو 2001م، على إطلاق النار على الملك ليرديه قتيلاً، ثم قتل الملكة وأخته، وعددًا آخر من أفراد العائلة الملكية، قبل أن ينتحر؛ ليصل عدد ضحايا تلك الليلة إلى عشرة أفراد.
لينتقل الحكم بعدها إلى شقيق الملك القتيل، الملك جيانيندرا، الذي عمل على السيطرة على مقاليد الحكم بعد زيادة الاضطرابات بعد حادثة القصر.
ثم حاول استعادة السلطة المطلقة عام 2005م بحل الحكومة والبرلمان، مما أشعل حركة احتجاجات ضخمة. وفي أبريل 2006م، وبعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات، اضطر الملك للتنازل عن سلطاته التنفيذية وإعادة البرلمان.
وفي نوفمبر 2006، تم توقيع اتفاق السلام الشامل بين الحكومة والماويين، منهياً الحرب الأهلية التي استمرت قرابة عشر سنوات، وأسفرت عن مقتل أكثر من 13,000 شخص. ومنذ ذلك الحين، وتحديدًا في 28 مايو 2008، أعلن البرلمان النيبالي رسميًا إلغاء الملكية وإقامة جمهورية فيدرالية ديمقراطية.
لماذا كان طريق الديمقراطية في نيبال مليئًا بالمطبات؟
منذ عام 2008 لم تكن التركة التي ورثتها الجمهورية الوليدة ثمينة، بل كانت مثقلة بالتحديات والعواقب. لذلك ترصد التحليلات الصحفية والسياسية في العديد من الصحف والمنشورات العالمية جملة من المطبات التي واجهتها تلك الجمهورية منذ تغيير نظام الحكم بها، وقد فندت بعض المشاكل في النقاط التالية:
التحول والانتقال السياسي:
كانت فترة التحول السياسي والدستوري من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري مليئة بالمشاكل التي أثارتها الصراعات السياسية بين الأحزاب المختلفة في البرلمان، مما أطال فترة الانتقال تلك.
الاضطراب الدائم في السلطات التنفيذية:
شهدت نيبال تغيرات متتالية وسريعة في الحكومات، حتى إن الفترة ما بين 2008 حتى 2020 شهدت 15 حكومة مختلفة، مما ضعضع استقرار تلك الجمهورية، بسبب قصر فترات الحكومات، وجعلها غير قادرة على تنفيذ السياسات بفعالية.
تفشي الفساد والبيروقراطية:
جذور الفساد كانت عصية على الاستئصال، مما أدى إلى ضعف الخدمات العامة وزيادة سخط المواطنين، بالإضافة إلى البيروقراطية البطيئة التي أعاقت تنفيذ المشاريع التنموية أو معالجة مشاكل البطالة والفقر.
تفشي الفقر والبطالة والطبقية:
ظلت معدلات الفقر والبطالة مرتفعة بين الشباب، مع فجوات كبيرة بين المدن والريف. كما أن الاعتماد الرئيسي على تحويلات المغتربين والسياحة جعل الاقتصاد هشًا أمام الأزمات العالمية.
الصراعات الإقليمية والعرقية:
ظلت مطالب المجموعات المهمشة (مثل الماغار، التامانغ، المادليني) بالمساواة في التمثيل السياسي مصدر توتر دائم. هذه الانقسامات أعاقت إقرار إصلاحات شاملة وأدت إلى احتجاجات متفرقة على مدار السنوات.
هل كان حجب وسائل التواصل السبب الوحيد في تفجر الاحتجاجات؟
الرقمنة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أهم سمات العصر الحالي. ولا يقتصر دورها فقط على التواصل بين الشباب أو التعبير عن الرأي – الذي يعد بالضرورة واحدًا من أهم القيم الديمقراطية – بل أصبحت تلك الوسائل عنصرًا فاعلًا في الأعمال والتجارة. فالملايين من الشباب يعتمدون على تلك المنصات لإتمام أعمالهم، بل ولإنتاج الربح في كثير من الأحيان. كما أن لها دورًا بالغًا في التواصل بين سكان الداخل والمغتربين الذين يعدون أهم مصادر تحويل الأموال للدولة.
صدر قرار تنفيذي لحكومة نيبال بحجب 26 منصة تواصل، استنادًا إلى حكم المحكمة العليا هناك في قضية "ازدراء المحكمة" الصادر في سبتمبر 2024، والقاضي بتقنين أوضاع تلك المنصات بتصرف من وزارة الاتصالات. ومع انقضاء مهلة تنفيذ هذا القرار من وجهة نظر الوزارة، أُعلن حجب تلك المنصات في الرابع من سبتمبر الجاري.
وفي الوقت نفسه، انتشرت بين الشباب نظريات تقول إن الغرض من القرار قمع حرية التعبير، والمزيد من الفساد والبيروقراطية. كما تذكر بعض التقارير أن ذلك الحجب قد أثّر بشكل مباشر على الحالة الاقتصادية للشباب.
أشعلت تلك الخطوة غضب الشباب من Gen Z، وكل المنتفعين من تلك المنصات، كما أنها أزالت الغطاء عن كافة المشكلات المشتعلة من الأساس. فاتسعت رقعة الاحتجاجات وازدادت وتيرتها كما يلي، وبحسب المصادر:
8 سبتمبر: احتجاجات حاشدة في كاتماندو. الشرطة تستخدم الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين.
أسفرت الاشتباكات عن مقتل حوالي 19 شخصًا، وإصابة أكثر من 300 آخرين.
9 سبتمبر: المحتجون يقتحمون مبنى البرلمان الفيدرالي في كاتماندو. الحكومة ترفع الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي.
وصل عدد القتلى إلى حوالي 30 متظاهرًا و3 من رجال الشرطة.
استقالة وزير الداخلية راميش ليكهات وفق مصادر محلية.
12 سبتمبر: تعيين سوشيلا كاركي رئيسة لوزراء مؤقتة، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب في نيبال، وتعهدت بمكافحة الفساد وإجراء انتخابات جديدة.
14 سبتمبر: أعلنت وزارة الصحة أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 72 شخصًا، مع إصابة أكثر من 2,100 آخرين.
وقد أكدت التقارير أن الاحتجاجات قد تسببت في أضرار جسيمة بالممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك إحراق البرلمان ومنازل بعض السياسيين. فقد لقيت راجياليكشمي تشيتراكار، زوجة رئيس الوزراء السابق جلالاناث خانال، حتفها بعد أن أضرم المحتجون النار في منزلها في منطقة دالو في كاتماندو. نُقلت إلى مستشفى كيرتيبور للحروق، لكنها فارقت الحياة متأثرة بإصابتها، وذلك كما أعلنت بعض الأخبار المحلية.
ما الرابط بين خريف نيبال وصيف بنجلاديش وربيع العرب؟
قد تشير التحليلات السياسية والاقتصادية إلى تشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المناطق التي شهدت تلك الاضطرابات. لكن التقارير كلها تتفق على أن الشباب ومنصات التواصل كانوا العامل المشترك الرئيسي والفاعل في كل تلك الاحتجاجات.
لذلك فإن العديد من المقالات الصحفية تناولت انحسار دور الأحزاب والكيانات السياسية في التأثير في اندلاع الاحتجاجات، مقارنة بدور الشباب اليافعين من Gen Z، واستخدامهم لوسائل التواصلِ في بناءِ هويّةٍ مشتركةٍ ورموزٍ ومطالبَ واضحةٍ ضدَّ الفسادِ والمحسوبيّةِ والبطالةِ.
وهذا جعلَ وسائلَ التواصلِ أداةً مركزيّةً للتغييرِ. لكن الدراساتِ تُحذّرُ من مخاطرِ الاستقطابِ والرقابةِ والتسييسِ، وتؤكّدُ أن مستقبلَ هذه الانتفاضاتِ يتوقّفُ على مدى قدرةِ الشبابِ على الانتقالِ من الشارعِ إلى المشاركةِ السياسيّةِ المؤسسيّةِ، وبناءِ تحالفاتٍ مع المجتمعِ المدنيِّ، وصياغةِ أجندةٍ إصلاحيّةٍ طويلةِ الأمدِ.

الأكثر قراءة
-
الرقصة الأخيرة.. لحظة القبض على "طارق ميشو" بالإسكندرية (صور)
-
مشاجرة بأكياس الشطة.. "خناقة" في الشروق تنتهي بإصابة أسرة كاملة
-
لماذا امتنعت تونس والعراق وإيران عن التصويت على حل الدولتين؟.. أستاذ علوم سياسية يوضح
-
ما يحدث تهديد لاتفاقية السلام القائمة.. رسالة حاسمة من السيسي لـ إسرائيل
-
دبوس معدني وقطع فول.. فريق مجمع الأقصر الطبي ينقذ صغيرتين من الاختناق
-
ضبط شقيقين بحوزتهما مواد مخدرة وأسلحة نارية في الفيوم
-
وزنها 600 جرام.. تحقيقات موسعة حول سرقة أسورة الملك بسوسنس الأول
-
طرد وحرمان.. عمرو الدجوي يطلب من النائب العام استدعاء جدته نوال

أخبار ذات صلة
بعد بدء الاجتياح البري لـ غزة.. ماذا حدث ليلة القمة العربية؟
16 سبتمبر 2025 02:36 م
تقرير أممي عاجل يؤكد ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية" في غزة
16 سبتمبر 2025 01:50 م
روبوتات مفخخة مهدت الطريق.. كيف نفذت إسرائيل خطة اجتياح غزة؟
16 سبتمبر 2025 03:19 م
مصنع مخدرات وجرائم مالية.. ماي جولان وزيرة تُكيف أدمغة الإسرائيليين
16 سبتمبر 2025 12:24 م
أكثر الكلمات انتشاراً