العيادات غير المرخصة.. أوجاع المواطن تضيع وسط زحمة الإجراءات

غلق إحدى العيادات
عيادات كثر تحمل لافتات متراصة على مبان عتيقة، تلتقطها عيناك بين الفنية والأخرى حال تصادف مرورك أو أجبرك الإعياء على الذهاب إلى أحياء عٌرفت بين الناس بأنها "مناطق الأطباء"، لكن الصورة لا تقف عند هذا الحد؛ فبين مئات العيادات قد تقودك قدماك إلى عيادة من بين عشرات العيادات غير المرخصة، ويصير حالك كحال “فتاة المنيا”.
ماذا حدث مع فتاة المنيا؟
“الدكتور كان بيدعي أنه معاه شهادة معينة، وهو مش معاه الشهادة دي.. اكتشفت إنه مش أخصائي تقويم”.. كلمات جاءت في مقطع فيديو انتشر على منصة تيك توك لفتاة شابة من محافظة المنيا. لم يكن مقطع الفيديو مجرد صورة من ألم الفتاة، التي فقدت عظام أسنانها بالكامل نتيجة إجراء تقويم خاطئ داخل عيادة غير مرخصة، لم تخسر ابتسامتها فقط، بل خسرت معها جزءا من حياتها اليومية وعملها.
وتوقف كثير من متابعي فتاة المنيا، أمام خطورة هذه واقعة وملابساتها، متسائلين، كيف تترك أرواح الناس وصحتهم رهينة عيادات بلا رقابة أو ترخيص، وتغيب عنها أبسط معايير الأمان الطبي.
المشاهد الثلاثة
وفي المقابل، يروي الدكتور "إ.أ"، وهو طبيب شاب تخرج قبل خمس سنوات فقط، قصة مغايرة: "محاولتي لترخيص العيادة الخاصة بي تواجه عراقيل لا تنتهي، الإجراءات الإدارية معقدة، والتكاليف المادية مرهقة، الأمر لا يتعلق بالوقت فقط، بل هو صراع طويل يواجهه أي طبيب شاب يريد أن يبدأ طريقه بشكل قانوني ومستقل".
أحد الأطباء، الذي يدير عيادة غير مرخصة في إحدى قرى محافظة سوهاج منذ سنوات، رفض التعليق على عمل عيادته دون ترخيص، مكتفيا بكلمتين: "لا أعلم"، لتدل على حالة اللا مبالاة التي يدفع ثمنها آخرون مثل تلك الفتاة.

ودفعت المشاهد الثلاثة، "تليجراف مصر" إلى البحث خلف الكواليس وطرح تساؤلات على أطباء حول أزمة التراخيص، ولماذا تنتشر العيادات غير المرخصة في مصر.
أسباب انتشار العيادات غير المرخصة
يقول عضو مجلس نقابة الأطباء، الدكتور أحمد حسين، إن العراقيل والمعوقات المفروضة أمام الأطباء، تُعد السبب الرئيس وراء انتشار العيادات غير المرخصة.
ويضيف أحمد حسين لـ"تليجراف مصر"، أن الأطباء يواجهون صعوبات بالغة من الإدارات المحلية واشتراطات متعددة من الجهات الإدارية، بخلاف شرط وجود العيادة في مبني إداري ما يؤدي لزيادة التكلفة.

وفي أكتوبر 2024، أصدرت نقابة الأطباء في مصر، بيانا في إطار الحديث عن الموقف القانوني تجاه مطالب الإدارات المحلية والمحافظات بإخضاع العيادات لقانون البناء 119 لسنة 2008 فيما يخص الإنشاء والتراخيص، أكدت فيه أن العيادات الطبية والمستشفيات وما في حكمها تخضع لقانون المهن الطبية، وأن شرط وجود العيادة في مبني إداري مخالف للقانون والدستور، ويُعد اعتداء على أوضاع قانونية سليمة مستقرة منذ عشرات السنين.
نقابة الأطباء في ذلك التاريخ، أرسلت خطابا إلى رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزيرا الصحة والتنمية المحلية، تضمن مذكرة قانونية أعدها الدكتور جابر نصار، أستاذ القانون العام كلية حقوق جامعة القاهرة ورئيس الجامعة الأسبق، تؤكد ضرورة عدم مطالبة الأطباء، أصحاب العيادات الخاصة بالتصالح وتحويلها من سكني إلى إداري.
وتعليقا على سبق، يؤكد الدكتور أحمد حسين، أن هناك كثير من الاشتراطات تختلف من محافظة إلى أخرى، ما يعرقل عملية التراخيص، مشيرًا إلى أن مهنة الطب والعيادات لها قانون ينظمها وإجراءات، أهمها؛ تسجيل البيانات في النقابة واستكمال الإجراءات من خلال إدارة العلاج الحر.
ويضيف عضو مجلس نقابة الأطباء: “هناك محافظات وقرى ومراكز كاملة لا يوجد بها مباني إدارية، فكيف يُشترط وجود العيادات في عقارات إدارية”.
وفيما يخص انتشار العيادات غير المرخصة، يشير حسين، إلى أن الوزارة تعمل على عدد من حملات التوعية، وهناك قرارات تلزم الأطباء بتعليق تراخيص وبيانات مزاولة المهنة في العيادة الخاصة به، لافتا إلى أنه قبل النظر إلى العيادات غير المرخصة، لا بد من النظر إلى شروط التراخيص وهل هي آدمية وعملية، أم إنها مجرد وسيلة لتحصيل رسوم فقط.
ووفقًا لقانون إنشاء المنشآت الطبية، تٌفرض غرامة مالية على المنشأة التي تزاول نشاطها دون الحصول على التراخيص بقيمة ألف جنيه ولا تزيد عن 50 ألف جنيه، ولا يتم عودة نشاطها إلا بعد الحصول على الترخيص، وإلى جانب القانون، فقد نظمت القواعد، عمليات تراخيص العيادات والتي اشترطت أن يستوفى المبنى شروط السلامة والأمن وكذلك أن يكون المقر مؤمنًا ضد المخاطر، وبعض الأمور الفنية مثل أن تكون الأبواب والممرات والمصاعد واسعة، مع أرضيات وحوائط ملساء وسهلة التنظيف.
وتفرض القواعد، تسليم رسم هندسي معتمد للعيادة مع كارنيه النقابة للطبيب وشهاداته العلمية مع إيصالات سداد رسوم التسجيل بالنقابة ورسوم التعامل مع النفايات الخطرة وعقد محرقة أو اتفاقية نقل المخلفات الخطرة.

عدد العيادات غير المرخصة في مصر
لا يوجد في مصر حصر دقيق لأعداد العيادات غير المرخصة، غير أن رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والمؤسسات غير الحكومية في وزارة الصحة، الدكتور علي محروس، قال في تصريحات صحفية في عام 2018، إن نصف العيادات الطبية الموجودة في مصر غير مرخصة، وتعمل بشكل غير قانوني.
إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة هي الجهة المنوطة بتطبيق والرقابة على اشتراطات وتراخيص العيادات، ووفقا لبيانات سابقة تم رصد عدد من العيادات غير المرخصة وإغلاقها واتخاذ إجراءات تجاه ملاكها، ومن بين المضبوطات كان أدوية مجهولة المصدر وغير مسجلة بهيئة الدواء ما يؤثر على حياة المتعاملين معها من المرضى.
في محافظة بورسعيد وخلال حملات للتفتيش، تم رصد 59 منشأة طبية غير مرخصة وإغلاقها إلى جانب 13 منشأة أخرى، وفي كفر الشيخ كان هناك 50 منشأة غير مرخصة من ضمن 155 عيادة تم التفتيش عليها، وذلك وفق بيانات صادرة عن المحافظتين خلال عام 2024.

رد رسمي على انتشار العيادات غير المرخصة
“حملات دورية يومية تقوم بها الوزارة على كافة الأماكن التي تقدم خدمات علاجية”.. هكذا رد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، الدكتور حسام عبدالغفار في تعليقه لـ"تليجراف مصر"، مؤكدًا أن الوزارة مع الجهات الإدارية ممثلة في هيئة الدواء والمحافظين يشاركون في المراقبة على العيادات ومراكز الخدمات التجميلية غير العلاجية.
وردًا على ظاهرة العيادات غير المرخصة، قال عبدالغفار، إن لجنة رصد الإعلانات والشكاوى المنشورة في الوزارة تعمل على متابعة دقيقة لكافة مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الخط الساخن لتلقي الشكاوى رقم 105 والمخصص لكافة الخدمات والشكاوى الطبية.
الرقابة على العيادات وتنظيم المهنة حق الدولة
"الدولة من حقها تنظيم مهنة الطب.. كذلك المريض من حقه أن يتلقى خدمة داخل عيادة مرخصة ومعتمدة"، هكذا أكدت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، أهمية تنظيم المهنة حفاظًا على المرضى، بجانب ضرورة تبني فكرة الرقابة الإلكترونية على العيادات وربطها بعمليات الترخيص من خلال إصدار كود يوضع في واجهة كل عيادة ويرتبط بمنصة إلكترونية رئيسية في وزارة الصحة تُمكن المريض من التأكد من ترخيص العيادة عبر الهاتف المحمول بكل سهولة.
واقترحت النائبة خلال حديثها لـ"تليجراف مصر"، أن يكون هناك جهة وحيدة مسؤولة عن إصدار تراخيص العيادات والأطباء من خلال وزارة الصحة أو النقابة أو المحافظة، ما يؤدي إلى إلغاء المشكلات المتعلقة بتعدد الجهات فيما يخص التراخيص، وكذلك ردا على شكاوى الأطباء من تعقيدات الإجراءات أو زيادة الأعباء المالية التي يتحدث عنها الأطباء.
وردًا على حديث الأطباء عن صعوبة استخراج التراخيص للعيادات، قالت إيرين سعيد، إن إصدار التراخيص ليس أمرًا صعبًا، لكنه يحتاج وقتا بسبب تعدد الجهات والاشتراطات التي يجب توافرها، مشيرة إلى أن بعض الأطباء يتجنبون استخراج التراخيص لعدم توافق عيادتهم مع الاشتراطات من حيث المساحات والمكان والمستلزمات الفنية الأخرى، أو لعدم رغبتهم في سداد التكاليف والرسوم القانونية للدولة.
وأكدت أن الاشتراطات في القانون طبيعية وتحمي المرضى، وكذلك الطبيب سواء على مستوى اشتراطات الحماية المدنية أو الطبية ما يمنع الخطر عن صحة المرضى، معتبرة أن حديث الأطباء عن ذلك عذرًا للتحايل على القانون.

الأكثر قراءة
-
رسالة إلى علاء عبدالفتاح والعفو الرئاسي.. قرار يثبت قوة الدولة لا ضعفها
-
فيديو راقص بجامعة عين شمس يثير الجدل.. ونواب يطالبون بتدخل عاجل
-
رئيس الوفد عن تعيينه في مجلس الشيوخ: "لم أُبلَّغ بأي شيء"
-
يوم حزين في بني سويف.. وفاة 4 أطفال غرقًا في حوادث متفرقة
-
العيادات غير المرخصة.. أوجاع المواطن تضيع وسط زحمة الإجراءات
-
بعد منشور عن مُسنة.. "التضامن" تصدر قرارًا بشأن "دار الأمل للنقاهة"
-
متى يشبع هؤلاء!
-
وزير الخارجية يؤكد لـ"يهود أمريكا" ضرورة وقف إطلاق النار في غزة

أخبار ذات صلة
من الشقاء إلى الدكتوراه.. "عم صابر" عامل بناء يؤكد المعنى الحقيقي للتضحية
26 سبتمبر 2025 08:22 ص
جرائم حرب ومواقف مثيرة للجدل.. الوجه الآخر لـ توني بلير
26 سبتمبر 2025 01:48 ص
ضربة من مايكروسوفت في عمق إسرائيل.. ما علاقة فلسطين؟
25 سبتمبر 2025 09:42 م
الأوراق والإجراءات المطلوبة للترشح في انتخابات مجلس النواب 2025
25 سبتمبر 2025 07:30 ص
"جوهرة التاج".. حديقة الحيوان بالجيزة تفتح أبوابها مطلع 2026
25 سبتمبر 2025 07:50 ص
من الإيجار للتمليك.. 5 أنظمة جديدة بانتظار مستأجري الإيجار القديم
25 سبتمبر 2025 12:37 م
"بعت بيتي لسداد ديوني".. أول تعليق من والد الفتى المستغيث لمساعدة أبيه
25 سبتمبر 2025 01:42 م
"العدد الذري" حسم الأمر.. عودة الجدل حول ارتداء الرجال للذهب الأبيض
25 سبتمبر 2025 03:34 م
أكثر الكلمات انتشاراً