
الذراع الإعلامي الغائب بالقارة الأفريقية
أثمن كثيرًا دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي لإصلاح ملف الإعلام بكافة جوانبه وبكل شفافية، وأقوم من آن لآخر بالكتابة على صفحتي الشخصية عبر “فيسبوك” لبعض المقترحات التطويرية لخدمة الوطن والمهنة.
وقد دفعني الحديث عن أمر غاب طويلًا عن إعلامنا المصري، ولا سيما في الآونة الأخيرة، وهو ضرورة أن يكون لمصر ذراع إعلامي أفريقي قوي يلائم تحديات وآمال المرحلة.
نحن لدينا اتجاه وعمق دبلوماسي جيد في القارة الأفريقية، لكن لا تتم ترجمة ذلك إعلاميًا، فلا زلنا بحاجة إلى الحديث بلغة الآخر والتواصل معه.
وبحكم عملي الأكاديمي بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أقابل بعض الطلاب الوافدين لدينا بالكلية، ودائمًا يقومون بشكري على أمر ليس له علاقة بالمقرر أو قدراتي التدريسية حتى، ولكنني على حد قولهم (I did not make them feel left out)، فيما معناه أني لا أتجاهلهم لفارق اللغة أو اللكنة، ولا أشعرهم بالاغتراب أو الاستبعاد.
وفي مرة أخرى، قدم لي أحد طلابي، وهو سوداني الجنسية، فيلمًا قصيرًا يوثق تجربته الشخصية في عدم القدرة على التواصل مع بعض البائعين بمصر لأنهم لا يفهمون لكنته، وأطلق على هذا الفيلم اسم (غريب Stranger)، حتى كان الحل في صديقه المصري الذي يساعده على قضاء حاجياته الشرائية.
إذن، السؤال المطروح هنا: لمَ لا نتوجه للعمق الأفريقي بمنصات أو قنوات بلغتهم؟ ولدينا العديد من الخبراء والأكاديميين الدارسين والمتخصصين بالشأن الأفريقي وعلى دراية بكافة اللغات واللهجات الأفريقية، كل ذلك من شأنه أن يحل مشكلتنا الدائمة في قارتنا الأفريقية، وهو إحساس الأشقاء بالابتعاد أو عدم الفهم أو التنمر أو ضعف التواصل، وهذا يجعلهم للأسف ينحازون لدول أخرى معادية تقوم باستغلالهم وتأليبهم علينا، وأحيانًا بالمعاداة التي تتضح ببعض المأجورين في فيديوهات “تيك توك”.
لمَ لا نستقطب المزيد من المحللين والشخصيات العامة والسياسية والإعلامية من مختلف دول القارة للظهور بالقنوات المصرية؟ نحن بحاجة إلى بروتوكولات تعاون حقيقية ومفعَلة بين المؤسسات الإفريقية والمصرية على المستوى الإعلامي، بجانب البث المشترك الذي يمد أواصر تأثيرنا لهم، وأيضًا تعزيز الأنشطة الثقافية والسياحية والتعليمية التي تعود بالنفع على مصر في مختلف المجالات.
التشجيع السياحي مهم، فكلما زاد الاتصال المباشر بيننا وبين الأفارقة، كلما تقاربت الرؤى والمسافات، فالسياحة في تنزانيا وبوروندي وموريشيوس وجنوب أفريقيا تستهوي عشاق الشواطئ والمغامرة والسفاري، ولا بُد أن يرانا دومًا الأشقاء بدولهم.
أما إعلاميًا، فالأمر يتطلب تكثيف أدوار سفاراتنا بمختلف دول القارة، والهيئة العامة للاستعلامات على مستوى الخطاب الإعلامي الأفريقي، لإبراز الدور الذي تقوم به القيادة السياسية المصرية تجاه إفريقيا وما له من نتائج إيجابية، لا بد من استثمارها إعلاميًا ومخاطبة الآخر بلغته وثقافته وطريقته.
فالمشكلة دومًا تكمن أننا نتحدث لأنفسنا عن أفريقيا دون أن نتوجه إليهم إعلاميًا، ودون أن نقابلهم، أو نخلق مساحات للتفاهم والقبول.
لا بُد من التوجه لإنتاج محتوى مشترك عبر برامج وسلاسل وثائقية وأفلام قصيرة تبرز الروابط التاريخية والثقافية بين مصر وأفريقيا، وهذا حدث في فترة من الفترات خلال الحقبة الناصرية وعبر إنتاجات الهيئة العامة للاستعلامات. نحتاج أيضًا تبني خطاب أفريقي موحد عبر التركيز على قضايا التنمية، الشباب، التعليم، الطاقة، السياحة، ومواجهة التغير المناخي، بدلًا من الخطاب الضيق الذي يركز على الخلافات من أجل البقاء أو الانسياق لدول الاستعمار القديم.
لا بُد أن يتولى الإعلام المصري إبراز النجاحات الأفريقية عبر تسليط الضوء على قصص النجاح في الابتكار والرياضة والفنون لتعزيز الانتماء القاري.
زيادة التشبيك النفسي والفكري عبر إرسال فرق إعلامية مصرية إلى دول أفريقية والعمل على قصص محلية من القارة، مثلما تفعل وسائل الإعلام الفرنسية والأمريكية وغيرها. تخيلوا، ليس لدينا سوى برنامج وحيد على قناة سي بي سي يدعى (زووم أفريقيا) وتوقف، رغم أننا وسط تحديات سياسية واقتصادية مهمة بالقارة، وكان يعتمد على بعض المقابلات الرسمية إلى جانب التعريف ببعض أوجه الثقافات الأفريقية.
نحتاج توظيف الإعلام لدعم الاتحاد الأفريقي وأي اتحادات نوعية أفريقية عبر برامج تعرف المواطن الأفريقي بمشروعات الاتحاد وتبرز دور مصر فيه.
حان الوقت لإطلاق قنوات ناطقة باللغات الأفريقية (سواحيلية، هوسا، أمهريّة، بجانب الإنجليزية والفرنسية) لتقريب الرسالة للجماهير، وتدشين منصات رقمية موجهة لأفريقيا عبر فيسبوك، يوتيوب، وتطبيقات الهواتف، والمواقع الإلكترونية، لأن أغلب الشباب الأفريقي يعتمد على الإنترنت الفضائي، فضلًا عن انسياقهم وراء أطروحات وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، التي قد تضع وجهة نظرها الخاصة بعيدًا عن الواقعية السياسية وحقائق الأمور، وهذا ما حدث بملف سد النهضة إعلاميًا.
هل تعلمون أن الفن والرياضة قد تقربنا أكثر وبصورة أيسر؟ هل تعلمون أن نيجيريا لديها إنتاج سينمائي قوي وعالمي، ويطلق عليها Nollywood، تموله منصات غربية وتسوق له، ولا يقل عن الإنتاجات الهوليوودية بالمناسبة، ونفس الأمر في دولة جنوب أفريقيا. من هنا، لا بُد أن نمد أيادينا ومهرجاناتنا السينمائية لمثل هذه الإنتاجات، ونعمل على إنتاج مشاريع سينمائية مشتركة تدفعنا نحن أيضًا للعالمية بجوارهم، مع دعم المواهب الأفريقية الشابة في الموسيقى والتمثيل.
لا بُد أن نهتم بتغطية الأحداث الرياضية الأفريقية من منظور مشترك، ولا نكتفي بمباريات منتخبنا الوطني في كرة القدم، وحتى إن لم يكن لنا تمثيل بأي رياضة، لا بُد أن نهتم بالرياضيين الأفارقة إعلاميًا، حتى لا نعيد فكرة الاستبعاد أو left out كما قال لي طلابي.
جانب آخر من الحل، وهو عقد شراكات مع مؤسسات إعلامية محلية بالدول الأفريقية عبر بث مشترك مع قنوات أفريقية، لتجنب الطابع الموجه من الخارج في بعض الأحيان.
كما نحتاج إلى إنشاء وكالة أنباء رقمية أفريقية مقرها القاهرة، تديرها كوادر إعلامية مؤهلة ومفعمة بالشأن الأفريقي وحريصة عليه. ويُخصص لهذه الوكالة تطبيقات الذكاء الاصطناعي والترجمة الفورية لتسهيل تبادل الأخبار، وتزوّد بطاقم بحثي رفيع الأداء، فضلًا عن مد أفريقيا بإذاعات شبابية تنطلق من مصر وتخاطب الأفارقة بلغاتهم، بل وندعوهم للعمل في وسائل الإعلام الموجهة إليهم من مصر.
ولا ضير من زيادة المنح التدريبية للإعلاميين الأفارقة في مصر، داخل مدينة الإنتاج الإعلامي أو الهيئة الوطنية للإعلام أو كليات الإعلام.
إذن، الحل ببساطة يكمن في تأسيس حضور إعلامي موجه لأفريقيا خصيصًا، بما يساعد على بناء الثقة وتقديم مصر كداعم رئيسي للقارة، بدلًا من صورة "المهيمن" التي تحاول بعض وسائل الإعلام المعادية تصديرها لأشقائنا الأفارقة. وبالأخير، الاهتمام يُقابل بالاهتمام، وكلما امتدت دبلوماسيتنا الإعلامية الناعمة بذكاء وتخطيط للأجيال الأفريقية القادمة، كلما كان لنا ذراع لن يناله العدو ولن يستطيع مواجهة تأثيره.

الأكثر قراءة
-
مخدرات وآثار.. مفاجأة بشأن المتهم الأول في واقعة "فيديو المحور" (خاص)
-
موعد صرف مرتبات أكتوبر 2025.. تعرف على مصير الزيادة الجديدة
-
حقيقة هروب علاء عابد خارج مصر بعد استبعاده من قوائم "مستقبل وطن"
-
هل "الوفد" ماله حرام؟!
-
أبو سمرة: مصر الحصن المنيع لغزة وتصدرت جهود الإغاثة من أول يوم للعدوان
-
عبد الله بطل ماراثون الأقصر: "مكنتش جاهز.. ونفسي أبقى طيار مقاتل في الجيش"
-
مهندسة تتعرض للتحرش في إمبابة.. وشقيقة المتهم تعتدي عليها بـ"عصا"
-
الذراع الإعلامي الغائب بالقارة الأفريقية
أكثر الكلمات انتشاراً