الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

06:46 م

الحرب السودانية تدخل مرحلة الطائرات المسيرة والجيش يتوعد "المرتزقة"

الحرب السودانية - صورة مولدة بالذكاء الصطناعي

الحرب السودانية - صورة مولدة بالذكاء الصطناعي

تشهد الساحة السودانية تحولًا جذريًا في طبيعة الصراع الدائر منذ أكثر من عامين بين الجيش السوداني وميليشيا "الدعم السريع"، إذ انتقلت الحرب من مرحلة "مصفحات التويوتا" والعربات رباعية الدفع إلى ما يمكن وصفه اليوم بـ"حرب المسيّرات" أو "الحرب الجوية منخفضة الكُلفة". 

الطائرات المسيرة، الهجومية منها والاستطلاعية، أصبحت السلاح الأبرز في معارك السودان الحديثة، ووسيلة الطرفين لفرض التفوق أو إثبات السيطرة في الميدان، سواء في العاصمة الخرطوم أو في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وصولًا إلى شرق البلاد وغربها.

تحول نوعي في ساحة المعركة

منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، اعتمد طرفا الصراع على الأسلحة الخفيفة والعربات المجهزة بالمدافع الرشاشة، لكن مع مرور الوقت وتعدد جبهات القتال، دخلت الطائرات المسيرة ساحة الحرب بكثافة، مغيّرة ميزان القوى ومضاعفة تعقيد المشهد الأمني، ما جعل المدن السودانية غير آمنة، لتطال ضربات المسيرات مدنًا تمتد من بورتسودان شرقًا إلى الجنينة غربًا، ومن مروي شمالًا حتى كوستي وسنار والدمازين جنوبًا.

ويرجح مراقبون، أن طرفي الحرب حصلا على كميات ضخمة من المسيرات من مصادر خارجية مختلفة، سواء عبر الدعم المباشر أو عبر السوق السوداء، لتتحول سماء السوداني إلى ميدان مواجهة شبه يومية، حيث تتبادل القوات الضربات في مناطق متباعدة في توقيت متقارب، ما يعكس تطورًا لافتًا في القدرات اللوجستية والتقنية لكليهما.

استهداف مطار الخرطوم

وشهد مطار الخرطوم الدولي، فجر أمس، هجومًا جديدًا بطائرات مسيرة تابعة لـ"قوات الدعم السريع"، قبل ساعات من إعلان سلطة الطيران المدني استئناف الرحلات الداخلية للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، وتصدت المضادات الأرضية التابعة للجيش للهجوم وأسقطت عددًا من المسيرات، حسب صحف محلية، لكن لم تصدر تقارير رسمية حول حجم الأضرار.

وكانت السلطات السودانية أعلنت أن المطار بات جاهزًا لاستقبال الرحلات "تدريجيًا" بعد إصلاح الأضرار التي لحقت به خلال المعارك السابقة، إلا أن الهجوم الأخير أعاد التساؤلات حول قدرة الدولة على تأمين العاصمة ومرافقها الحيوية.

تصاعد في الهجمات الجوية

الهجمات الأخيرة لم تقتصر على الخرطوم وحدها، بل شملت مدن سنار والدمازين والدبة والأبيض، كما شهدت دارفور تصعيدًا متزامنًا، حيث شن الجيش غارات بطائراته على مواقع "الدعم السريع" في الجنينة ونيالا وكبكابية، مستهدفًا مخازن وقود ومراكز قيادة، لتتسبب الغارات في حرائق وأضرار كبيرة في مواقع الميليشيا.

وأفادت تقارير، بأن التصعيد الجوي المتبادل يعكس محاولة كل طرف تحقيق مكاسب ميدانية بعد تراجع العمليات البرية في دارفور وكردفان، فبينما يعتمد الجيش على مسيرات إيرانية من طراز "مهاجر 6" وأخرى تركية من نوع "بيرقدار"، تستخدم "الدعم السريع" مسيرات صينية الصنع من طراز "CH-3" و"CH-95"، إلى جانب طائرات محلية الصنع أو معدلة بقدرات محدودة لكنها فعالة في حرب المدن.

البرهان يتفقد المطار ويتوعد المتمردين

في رد فعل سريع، وصل رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إلى مطار الخرطوم بعد الهجوم بساعات قليلة، حيث تفقد الأضرار وألقى خطابًا أكد فيه أن "الميليشيات الإرهابية" لن تنال من عزيمة الجيش أو الشعب السوداني.  

وقال البرهان: “هذه الأرض كانت محتلة من الميليشيات، لكنها اليوم في يد السودانيين، ولن نسمح لأي مرتزق أو جهة خارجية بأن يكون لها دور في مستقبل البلاد”، مضيفًا أن الجيش ماضٍ في تحقيق السلام على أسس وطنية، وأن السودان لن يقبل بعودة المتمردين أو المتورطين في جرائم الحرب إلى المشهد السياسي مجدداً.

حميدتي يهدد بتوسيع نطاق الحرب

في المقابل، أصدر قائد ميليشيا "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) خطابًا مصورًا توعد فيه باستهداف أي مطار في دول الجوار "تنطلق منه طائرات أو مسيرات تضرب السودان"، معتبرًا أن هذه المواقع ستكون "أهدافًا مشروعة".  

واتهم حميدتي الجيش باستخدام المسيرات ضد المدنيين، مطالبًا بتحقيق دولي في "المجازر التي ارتكبتها القوات الحكومية"، وأعلن رفضه التام لأي مفاوضات جديدة قائلاً: "لن تكون هناك (فيينا) مجددًا".  

وأكد أن قواته تفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين من مناطق النزاع، وأن "النصر قريب"، داعيًا المنظمات الإنسانية للوصول إلى المتضررين في دارفور وكردفان.

هجمات في النيل الأزرق وسنار وكردفان

وفي إقليم النيل الأزرق، تعرضت مدينة الدمازين لهجوم بطائرة مسيرة استهدفت محطة تحويل الكهرباء غرب خزان الروصيرص، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة لساعات. وأعلن الجيش أن دفاعاته الجوية أسقطت المسيّرة، مؤكدًا أن الأوضاع "تحت السيطرة الكاملة".

وفي سنار، تصدت وحدات الدفاع الجوي لمحاولة استهداف خزان سنار بطائرة مسيرة انتحارية انفجرت بالقرب منه، محدثة دويًا كبيرًا دون وقوع إصابات. وأفاد صحف سودانية، عن شهود بأن المضادات الأرضية أطلقت النار بكثافة، في مشهد يعكس التحول المستمر للحرب إلى مواجهة جوية شاملة.

وفي غرب كردفان، رصدت غرفة طوارئ "دار حمر" تحركات جديدة لقوات "الدعم السريع" في منطقة عيال بخيت، حيث حولت الميليشيا المنطقة إلى قاعدة لإطلاق المسيرات وزرعت حولها حقول ألغام، ما أثار مخاوف المدنيين. وأشارت الغرفة في بيانها إلى أن المنطقة تضم قيادات بارزة من التمرد، مطالبة السلطات بالتدخل الفوري لحماية السكان وإزالة الألغام.

مرتزقة أجانب وتدخلات خارجية

لم تقتصر الحرب في السودان على أطرافها المحلية، بل كشفت التحقيقات الميدانية عن تورط مرتزقة أجانب في صفوف “الدعم السريع”، وأكدت مصادر عسكرية، أن عددًا من المقاتلين الأجانب سلموا أنفسهم للجيش في مدينة الفاشر، واعترفوا بتدريبهم في قاعدة "هوت كوتو" الواقعة على الحدود بين أفريقيا الوسطى وجنوب السودان.  

ووفقًا للمصادر، التي نقلت عنها صحف سودانية، تضم القاعدة مدربين من أصول أوكرانية وكولومبية، ويجري فيها تدريب المقاتلين على استخدام المسيرات، وأعمال التخريب، والأسلحة المتوسطة، كما أوضحت التحقيقات أن معظم الإمدادات تصل عبر طرق تهريب من دول أفريقية مجاورة، بدعم وتمويل من جهات إقليمية ودولية.

وفي تأكيد إضافي للتدخل الأجنبي، نشرت صحيفة "لاسيلا فاسيا" الكولومبية تقريرًا في مارس الماضي، كشفت فيه أن مرتزقة كولومبيين يقاتلون إلى جانب "الدعم السريع" مقابل رواتب تصل إلى 3000 دولار شهريًا. 

وأشارت إلى أن عملية التجنيد تتم عبر شركتين أمنيتين خاصتين، إحداهما خليجية والأخرى كولومبية، بإشراف عقيد كولومبي متقاعد يدعى ألفارو كيخانو، وأن المقاتلين تلقوا تدريباتهم في مولدوفا بإشراف خبراء أوكرانيين قبل نقلهم إلى السودان.

هذه المعلومات أثارت ردود فعل غاضبة داخل السودان، حيث طالب رئيس الوزراء كامل إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجريم الميليشيا وتصنيفها "منظمة إرهابية"، ووقف تدفقات السلاح والمرتزقة إليها.

رفض سوداني واسع للتدخل الأجنبي

من جهته، أعلن رئيس مجلس الصحوة الثوري موسى هلال، رفضه التام لأي تدخل خارجي في الشأن السوداني، داعيًا المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في ملف تجنيد المرتزق، قائلًا إن وجود عناصر أجنبية "أصبح لا يُطاق"، خصوصًا في جبهات الفاشر ودارفور، حيث تم رصد مقاتلين من كولومبيا وأوكرانيا، وأشار إلى أن الجيش السوداني نجح مؤخرًا في "تطهير" عدد من هذه المجموعات في معارك دارفور.

وأكد مجلس الصحوة الثوري أنه سيتابع كل المسارات القانونية لمحاسبة من تورط في إدخال المقاتلين الأجانب إلى البلاد، محملاً "الدعم السريع" والداعمين الخارجيين مسؤولية الانتهاكات التي طالت المدنيين.

اقرأ أيضًا:

"الدولية للهجرة": 150 ألف قتيل حصيلة الحرب السودانية

search