الخميس، 30 أكتوبر 2025

11:27 م

12 قاعة على الأهرامات، المتحف المصري الكبير يروي حضارة 7 آلاف عام

المتحف المصري الكبير

المتحف المصري الكبير

على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، تستعد مصر، لحدث طال انتظاره منذ أكثر من عقدين، افتتاح المتحف المصري الكبير، أضخم متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، الصرح الذي يمتد على مساحة نصف مليون متر مربع عند سفح الأهرامات، ليعيد تقديم الحضارة المصرية القديمة في ثوب معاصر يجمع بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة، ويضع مصر مجددًا في قلب الخريطة الثقافية العالمية.

منذ وضع حجر الأساس في فبراير 2002، تحول المشروع، إلى قضية وطنية تتداخل فيها السياسة بالثقافة، والهندسة بالإبداع، والاقتصاد بالهوية، وبعد رحلة استمرت 23 عامًا من العمل والانتظار، أصبح المتحف المصري الكبير على أعتاب لحظة الافتتاح الرسمي، ليُسدل الستار عن مشروع وُصف بأنه “أعظم إنجاز ثقافي في القرن الحادي والعشرين”.

متى بدأ إنشاء المتحف المصري الكبير؟

بدأت الحكاية، بمسابقة عالمية فازت بها الشركة الإيرلندية “Heneghan Peng Architects” لتصميم مبنى يليق بعظمة التاريخ المصري، يجمع بين روح الصحراء المصرية وملامح العمارة المعاصرة، وبدأ التنفيذ الفعلي عام 2005، لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود؛ فقد واجه المشروع سلسلة من التحديات السياسية والمالية، كان أبرزها توقف الأعمال بعد أحداث يناير 2011، ثم استئنافها مع استقرار الأوضاع عام 2014.

ويقول المدير التنفيذي للمتحف المصري الكبير، الدكتور أحمد غنيم: "نحن أمام لحظة تاريخية بكل المقاييس، المشروع دخل مراحله النهائية، وتم تلافي الأخطاء السابقة في التجهيزات والتشغيل.. هذا المتحف ليس مبنى، بل رؤية جديدة لتقديم مصر كقوة ثقافية عالمية".

ويصف غنيم، المتحف بأنه "هدية مصر للعالم"، مضيفًا: "الحضارة المصرية ليست مجرد ماضٍ بعيد، بل طاقة روحية وحضارية تلهم المستقبل، ويروي المتحف الكبير قصة الإنسان المصري القديم بلغة الحاضر، ليبقى التاريخ حيًا في الذاكرة الإنسانية".

إنشاء المتحف المصري الكبير

تمويل المتحف المصري الكبير

بلغت التكلفة الإجمالية للمتحف نحو 1.2 مليار دولار، موّل معظمها عبر شراكة استراتيجية مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) التي قدمت قرضين ميسرين بقيمة 800 مليون دولار، بالإضافة إلى دعم فني لتدريب كوادر الترميم المصرية على أحدث التقنيات.

ويؤكد غنيم لـ"تليجراف مصر"، أن "التمويل ياباني، لكن الإدارة مصرية برؤية عالمية"، موضحًا أن نموذج التشغيل يعتمد على الاستدامة الذاتية عبر شراكات مع القطاع الخاص وإيرادات الأنشطة الثقافية والتجارية والرعايات.

وقالت الممثلة المقيمة لـ"جايكا" في مصر، إيريكو أوساكي، إن المشروع يجسد نموذجًا فريدًا للتعاون الثقافي بين الشرقين: "هذا المتحف لا يخص مصر وحدها، بل هو مشروع إنساني يعزز التبادل الثقافي والحوار بين الشعوب".

تصميم المتحف الكبير يتحدث بلغة الفراعنة

يمتاز المتحف، بتصميم معماري فريد يربطه بصريًا بالأهرامات الثلاثة، ويمتد مدخله الرئيسي على مساحة 7 آلاف متر مربع، فيما يتربع الدرج العظيم في قلب المبنى بمساحة 6 آلاف متر مربع وارتفاع يعادل ستة طوابق، تعرض عليه تماثيل ضخمة من عصور مختلفة، في مشهد يثير الدهشة والإجلال معًا.

ويتضمن المتحف، 12 قاعة عرض رئيسية بمساحة إجمالية 18 ألف متر مربع، وقاعات عرض مؤقتة، ومتحفًا للأطفال، ومراكز ترميم تعد من الأكبر عالميًا، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بينما تصل تقديرات أخرى إلى 175 ألف قطعة، تغطي نحو سبعة آلاف عام من التاريخ المصري، بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون التي تعرض لأول مرة مجتمعة في مكان واحد.

ويقول مدير المتحف: "لغة الزائر تغيرت، لذا صممنا التجربة على أساس الدمج بين الأصالة والتقنيات الحديثة، فالزائر لن يشاهد الآثار فقط، بل سيعيشها عبر شاشات تفاعلية وتقنيات الواقع المعزز والوسائط الرقمية".

تصميم المتحف المصري الكبير

حفل افتتاح المتحف المصري الكبير

قبل أسابيع، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحكومة بتنظيم حفل افتتاح يليق بتاريخ مصر ومكانتها، فيما كشفت مصادر حكومية أن أكثر من 60 زعيمًا عالميًا سيحضرون الافتتاح، الذي تصفه وسائل الإعلام المحلية بـ"الافتتاح الأسطوري".  

ويؤكد عالم الآثار زاهي حواس، أن الحدث يحمل بعدًا سياسيًا وسياحيًا كبيرًا: "لا يوجد متحف في العالم افتتحه رئيس جمهورية بحضور هذا العدد من القادة.. إنه حدث يعزز مكانة مصر السياسية والسياحية في آن واحد".

أما مدير إدارة آثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار، خالد سعد، فيصف المتحف بأنه "نقلة نوعية في الفكر المتحفي الحديث"، قائلاً: "لم تعد المتاحف مجرد قاعات للعرض، بل أصبحت منصات تفاعلية تعيد إحياء التاريخ بلغة الحاضر.. المتحف المصري الكبير يجسد هذا التحول بامتياز".

تفوق حضاري ورسالة للعالم

يرى باحثون في علم المصريات، أن المتحف المصري الكبير يعيد تعريف مفهوم "القوة الناعمة" لمصر. فبينما تتنافس المتاحف العالمية على عرض قطع من الحضارة المصرية، جاء المتحف الكبير ليؤكد أن مصر هي من تروي قصتها بنفسها، وبأدوات علمية حديثة.  

ويقول زاهي حواس: "لدينا متاحف عظيمة في العالم مثل اللوفر والفاتيكان والبريطاني، لكنها تعرض آثارًا من دول عديدة. أما متحفنا فيعرض تاريخ دولة واحدة، هي مصر، التي أبهرت البشرية منذ آلاف السنين".

ويشير خبراء، إلى أن المتحف لا يمثل فقط مشروعًا أثريًا، بل أيضًا بيانًا سياسيًا وثقافيًا، يؤكد أن مصر قادرة على تقديم ماضيها للعالم من منظور علمي معاصر، بعيدًا عن الصور النمطية القديمة.

المتحف المصري الكبير 

المتحف المصري الكبير، نقطة تحول

تتوقع مؤسسات دولية، أن يجذب المتحف بين 5 و8 ملايين زائر سنويًا، ما يعني عائدات تتجاوز 125 مليون دولار من التذاكر فقط. ويرى الخبير السياحي حسام هزاع، أن الافتتاح سيؤدي إلى "قفزة نوعية في أعداد السياح إلى نحو 18 مليون سائح بنهاية العام"، مشيرًا إلى أن "الحدث سيغير وجه السياحة الثقافية في مصر لعقود قادمة".

ويقول الخبير الاقتصادي، أحمد معطي لـ"تليجراف مصر"، إن المتحف سيكون “قاطرة نمو اقتصادي شامل”، مؤكدًا أن أثر المتحف لا يقتصر على السياحة فقط، بل يمتد إلى الاستثمار والعقارات والخدمات، حيث امتلأت الفنادق والمطاعم المحيطة بالكامل منذ الإعلان عن موعد الافتتاح، وهو ما يعكس حجم الاهتمام الدولي بالحدث.

ويتوقع معطي، أن تتجاوز العوائد المباشرة وغير المباشرة 2.5 مليار دولار سنويًا، تشمل عائدات السياحة والإنفاق المحلي والأنشطة التجارية، مشيرا إلى أن ارتفاع التدفقات السياحية سيدعم استقرار سعر الصرف ويزيد من الحصيلة الدولارية للدولة.

تكامل بين السياحة الثقافية والترفيهية

يرى عضو غرفة شركات السياحة، مجدي صادق، أن المتحف المصري الكبير سيعيد رسم خريطة المقصد السياحي المصري بالكامل: "لدينا اليوم معادلة جديدة تجمع بين السياحة الثقافية والترفيهية.. السائح يمكنه أن يقضي يومًا بين آثار الفراعنة، ثم ينتقل بسهولة إلى البحر الأحمر أو الساحل الشمالي في ساعات قليلة بفضل شبكة الطرق الحديثة".

ويضيف أن هذا التكامل يتيح لمصر تحقيق الاستفادة القصوى من تنوعها الجغرافي والثقافي، مشددًا على ضرورة رفع الطاقة الفندقية من 220 ألف غرفة إلى 300 ألف غرفة لتلبية الطلب المتوقع بعد الافتتاح.

المتحف المصري الكبير، هدية مصر للعالم

شكر لليابان من زياد بهاء الدين

في مقال بعنوان "كيف نشكر شعب اليابان؟"، كتب نائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور زياد بهاء الدين، عن تجربته مع المشروع خلال توليه وزارة التعاون الدولي عام 2013، مؤكدًا أن اليابان واصلت دعمها رغم الأزمة المالية التي مرت بها مصر آنذاك، فالسفير الياباني لالقاهرة كان مؤمنًا بأن هذا المشروع ليس مصريًا فحسب، بل إرث للإنسانية كلها، لذلك استمر التمويل رغم الصعوبات، واليوم حان الوقت لرد الجميل.

واقترح بهاء الدين، أن يتضمن المتحف جناحًا رمزيًا يخلد الصداقة المصرية اليابانية، أو منحة دراسية سنوية لطلاب اليابان في علم المصريات، "تعبيرًا عن امتنان مصر لشعب ساهم في حفظ تراثها".

إرث يتجاوز الزمان والمكان

يؤكد وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، أن المتحف المصري الكبير يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية الدولة لجذب "نوعية جديدة من السائحين" تجمع بين الثقافة والمعرفة والترفيه، مشددًا على أنه "ليس مشروعًا ثقافيًا فقط، بل محور جذب اقتصادي وتنموي متكامل".

وعند اكتمال افتتاحه، لن يكون المتحف المصري الكبير مجرد وجهة سياحية، بل منارة ثقافية عالمية، ومن المتوقع أن يستضيف مؤتمرات علمية ومعارض دولية وفنونًا معاصرة مستوحاة من التراث المصري، ليصبح مركزًا للحوار بين الثقافات.

وبينما تضيء واجهته الحجرية ليلاً في مشهد يخطف الأنفاس، يدرك الزائر، أنه لا يقف أمام مبنى من الخرسانة والزجاج، بل أمام رسالة من الماضي إلى المستقبل، تروي كيف استطاعت مصر أن تجمع بين عبقرية الفراعنة وروح العصر الحديث.

ومع اقتراب موعد الافتتاح الرسمي، تبدو القاهرة، كأنها تستعد لولادة جديدة، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر في مشهد يليق ببلد ظل ولا يزال مهدًا للحضارة الإنسانية.

اقرأ أيضًا: 

فئات يحق لها دخول المتحف المصري الكبير مجانًا

العد التنازلي بدأ.. ماذا قالت الصحف الأجنبية عن المتحف المصري الكبير؟

مجانًا بالذكاء الاصطناعي، كيف تحول صورتك لملك فرعوني للاحتفاء بافتتاح المتحف المصري الكبير؟

حواس: افتتاح المتحف المصري الكبير سيشهد حضورًا دوليًا غير مسبوق

search