الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

11:43 م

قانون الإجراءات الجنائية الجديد، كيف انتهت رحلة جدل استمرت 3 سنوات؟

 قانون الإجراءات الجنائية

قانون الإجراءات الجنائية

بعد مرور أكثر من 74 عامًا على صدور قانون الإجراءات الجنائية لأول مرة في أكتوبر 1950، صدّق الرئيس عبدالفتاح السيسي اليوم على قانون الإجراءات الجنائية الجديد، عقب إدخال التعديلات محل ملاحظات الرئاسة، بما يتضمن تعزيز الضمانات الدستورية وحماية الحقوق والحريات العامة.
فما أبرز المراحل التي مر بها القانون منذ بدء مسيرة تعديله؟

البداية وصياغة المشروع

شهد القانون نقلة نوعية في ديسمبر 2022، حين وافق مجلس النواب من حيث المبدأ على مشروع قانون مقدم من الحكومة لتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، بما يتوافق مع دستور 2014 ويعالج الإشكاليات الدستورية والتطبيقية التي ظهرت خلال السنوات الماضية.

وقررت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان تشكيل لجنة فرعية من ممثلي الجهات المعنية والخبراء القانونيين لإعادة صياغة المشروع، مع التركيز على تعديل 365 مادة من أصل 461 مادة في القانون القائم، بعد استبعاد المواد التي أُلغيت بموجب قوانين لاحقة.

وخلال المناقشات، تمت الإشارة إلى عدد من الإشكاليات الدستورية، أبرزها تعارض بعض أحكام القانون الحالي مع الدستور، خاصة ما يتعلق بمواد الحبس الاحتياطي، وفقًا لتقرير قسم التشريع بمجلس الدولة.

مراحل مهمة في تعديل القانون

في 13 يناير 2024، وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب من حيث المبدأ على مشروع القانون، مع التركيز على تعديل أحكام الاستئناف في محاكم الجنايات.

وبتاريخ 15 يناير 2024، أقر المجلس برئاسة المستشار حنفي جبالي المشروع مبدئيًا، تنفيذًا لنصوص الدستور التي كفلت حق استئناف أحكام الجنايات، قبل انتهاء المدة الدستورية المحددة في 17 يناير 2024.

وخلال أغسطس 2024، أعلن أعضاء اللجنة الفرعية التوافق على نحو 95% من مواد المشروع، والذي تضمن أبرز الملامح التالية:

  • تخفيض مدد الحبس الاحتياطي وتنظيم التعويض عنه.
  • إعادة تنظيم صلاحيات مأموري الضبط القضائي بما يضمن الضمانات الدستورية.
  • اشتراط الحصول على أوامر قضائية مسببة في الإجراءات المقيدة للحرية.
  • إلغاء باب الإكراه البدني واستبداله بعقوبة أداء أعمال المنفعة العامة.

وفي 22 أغسطس 2024، وافقت الحكومة على الصيغة النهائية للمشروع تمهيدًا لعرضه على البرلمان.

مناقشات موسعة وموافقة نهائية

انتقلت المناقشات إلى اللجنة المشتركة، التي عقدت 37 اجتماعًا على مدار 35 ساعة عمل، بمشاركة ممثلين عن جميع الهيئات القضائية والوزارات والجهات المعنية.

وبتاريخ 13 أبريل 2025، بدأت الجلسة العامة لمجلس النواب مناقشة المشروع، حيث خُصصت 14 جلسة متتالية لمناقشة 623 مادة والتصويت عليها مادةً بمادة.

وفي 29 أبريل 2025، أعلن مجلس النواب الموافقة النهائية على مشروع القانون، ليُرفع إلى رئيس الجمهورية الذي صدّق عليه رسميًا اليوم، إيذانًا بدخوله حيز التنفيذ.

مجلس النواب

رد الرئيس السيسي ومراجعة المواد محل الاعتراض

في 21 سبتمبر الماضي، أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي مشروع القانون إلى مجلس النواب لبحث بعض الاعتراضات على عدد من المواد، وجاءت المواد التي اعترض عليها الرئيس كالتالي:

المادة 6: من مواد الإصدار بمشروع القانون: تضمنت النص على العمل بالقانون من اليوم التالي لتاريخ نشره ولكن طالب الرئيس أن يكون سريانه مع بداية العام القضائي الجديد، وليس بمجرد نشره، نظرًا لما يتطلبه من إنشاء مراكز إعلانات هاتفية تتبع وزارة العدل وما يستلزمه إنشاء هذه المراكز من إجراءات وتجهيزات وتأهيل للقائمين عليها، والربط بين عدة جهات وطباعة النماذج اللازمة وما يتضمنه من تنظيم متكامل للإجراءات الجنائية.

المادة 48: الاعتراض على غياب تعريف محدد للخطر الذي يجيز دخول المساكن، بما قد يفتح الباب لتفسيرات واسعة تمس بالحماية الدستورية لحرمة المنازل.

المادة 105: لعدم توافقها مع المادة 64 من ذات المشروع بشأن استجواب المتهم فى حالات الضرورة، حيث لم تمنح النيابة العامة الحق في بعض الحالات المقررة لمأموري الضبط القضائي.

المادة 112: لأنها أجازت إيداع المتهم في جرائم معينة دون تحديد مدة قصوى ودون اشتراط أمر قضائي مسبب، وهو ما قد يمس ضمانات الحرية الفردية.

المادة 114: لاقتصارها على ثلاث بدائل فقط للحبس الاحتياطي، بينما اقترحت الرئاسة استحداث بدائل إضافية تتيح مرونة أكبر لجهات التحقيق.

المادة 123: لاعتراضها على قصر عرض أوراق المتهم على النائب العام لمرة واحدة فقط أثناء الحبس الاحتياطي، بدلًا من العرض الدوري كل ثلاثة أشهر كما أوصت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان.

المادة 231: لضرورة النص على إمكانية العودة إلى الإعلان التقليدي حال تعطل الوسائل الإلكترونية، مع إلزام الإعلان خلال 24 ساعة.

المادة 411: لأنها تلزم المحكمة بانتداب محامٍ في غياب المتهم أو وكيله عند نظر الاستئناف دون منحه فرصة للحضور، بما قد يتعارض مع مبدأ كفالة حق الدفاع وأصل البراءة.

الموافقة على المواد محل الخلاف

وتم إعادته للبرلمان مرة أخرى لمناقشته وتم مناقشته في 3 جلسات عامة أيام 1 و2 و16 أكتوبر  والتي وقعت فيها “المادة 105” و"المادة 114" كمحل خلاف بين نواب البرلمان، حيث الحدث الأشهر بتراجع وزير العدل عما قاله في اللجنة الخاصة التي قبيل الجلسة العامة للنواب بخصوص “بدائل الحبس الاحتياطي”، وانسحاب نواب المعارضة بعدما وافق المجلس على نص "المادة 105".

وفي 16 أكتوبر وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بعد تعديل المواد الثماني التي سبق أن اعترض عليها الرئيسفي المشروع الذي رده للمجلس لإعادة النظر فيه لمزيد من الضمانات.

مجلس النواب

أبرز الأحكام المستحدثة ب قانون الإجراءات الجنائية

وتتمثل أبرز الأحكام المستحدثة التي وافق عليها الرئيس في المواد محل الاعتراض بعد تعديلها فيما يلي:

-العمل بالقانون الجديد بدءًا من أول العام القضائي التالي لتاريخ إصداره في 1 أكتوبر 2026، وذلك حتى يتسنى للقائمين على إنفاذه من قضاة وأعضاء نيابة عامة ومأموري ضبط قضائي ومحامين الإلمام بالأحكام المستحدثة، وإتاحة الوقت أمام المحاكم لإنشاء مراكز الإعلانات الهاتفية المنصوص عليها في القانون.

-ترسيخ الحماية الدستورية المقررة للمساكن، وتوضيح حالات دخولها على سبيل الاستثناء وفق ضوابط محددة (الاستغاثة أو الخطر الناجم عن الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك).

-تنظيم إجراءات حضور المحامين أثناء استجواب المتهم الذي يخشى على حياته، وزيادة الضمانات المقررة للمتهم الذي يتقرر إيداعه أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو أماكن الاحتجاز لحين استجوابه بحضور محاميه، وذلك من خلال تقييد أمر الإيداع بأن يكون في حالات وبمبررات محددة، ولمدة مؤقتة، وإخضاع أمر الإيداع لرقابة قضائية، وتخويل المتهم المودع حق الطعن على الأمر القضائي الصادر بإيداعه أو بمد هذا الإيداع، وليس كما كان منصوص عليه من عدم وضع سقف زمني للإيداع.

-زيادة بدائل الحبس الاحتياطي لتكون سبعة بدائل بدلًا من ثلاثة، وذلك لإتاحة الفرصة أمام سلطة التحقيق لاختيار الأوفق من بين البدائل على نحو يفضي لتجنب اللجوء للحبس الاحتياطي إلا كإجراء أخير.

وبدائل الحبس الاحتياطي المستحدثة هي: 

  • إلزام المتهم بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد إلا بعد الحصول على إذن من النيابة العامة.
  • إلزام المتهم بالامتناع عن استقبال أو مقابلة أشخاص معينين أو الاتصال بهم بأي شكل من الأشكال.
  •  منع المتهم مؤقتا من حيازة أو إحراز الأسلحة النارية وذخيرتها وتسليمها لقسم أو مركز الشرطة الذي يقع في دائرته محل إقامته.
  • استخدام الوسائل التقنية في تتبع المتهم حال توافر ظروف العمل بها ويصدر بها قرار من وزير العدل بالتنسيق مع وزيري الداخلية والاتصالات.
الرئيس السيسي

- إنفاذ توصية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية بعرض أوراق القضية التي يحبس متهم على ذمتها احتياطيًا بصفة دورية على المستشار النائب العام كلما انقضت ثلاثة أشهر على حبسه أو على آخر عرض لها لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق، وليس لمرة واحدا كما كان منصوص عليه في مشروع القانون.

-التأكيد على استمرار العمل بالإجراءات التقليدية لإعلان الخصوم بجانب الإعلان بوسائل تقنية المعلومات المستحدثة بموجب مشروع القانون، وذلك حال تعذر الإعلان بها لأي سبب من الأسباب حتى لا يتعطل العمل ويتم الحفاظ على المواعيد القانونية.

-زيادة الضمانات المقررة للمتهم بجناية الذي يحاكم غيابيًا حال تعذر حضوره أو وكيله الخاص في أي من الجلسات المحددة لنظر الاستئناف المرفوع منه، وذلك بإلزام المحكمة بتأجيل نظر الاستئناف لمرة واحدة لإتاحة الفرصة لحضوره، حتى يمكن من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه إزاء خطورة الاتهام بجناية.

اقرأ أيضًا:

جدل المادة 105، هل تقود إلى شطب المحامين النواب من نقابتهم؟

في هذه الحالة، "النواب" يوافق على التحقيق مع المتهم دون محاميه

لماذا انسحبت المعارضة من جلسة "الإجراءات الجنائية"؟.. السر في المادة 105

search